ضمن قفزةٍ رائدةٍ في تقنية المُعينات، طوّرت شركة "سيفِن سينس" من مقرِّها في إستونيا جهاز "الدماغ الفائق"، الذي يسمح لضعيفي البصر والمحرومين منه بـ "الرؤية" من خلال حاسة اللمس، باستخدام التقنيات المتقدّمة التي ترسم صورةً ذهنيةً للواقع فتطرح معايير جديدةً في هذا العالم.
يواجه المكفوفون وضعاف البصر تحديات يومية جمة في حياتهم، حيث يحاولون التعامل مع عالم يعتمد بشكل كبير على البصر. الأمر الذي يدفع مئات الباحثين والمطوِّرين والشركات التي تشكِّل سوق تقنية المُعينات البصرية، لتطوير عدداً كبيراً من المنتجات المصمّمة لمعالجة مشكلاتٍ محدّدة تتعلّق بالعمى ومشكلات البصر. على أيّة حال، فإنّ معظم حلولِها تأتي مصحوبةً بعيوبٍ وثغراتٍ كبيرة، مثل التداخل مع الحواس الأخرى كحاسة السمع، ما قد ينفر العديد من المستخدمين المحتملين. أو المشكلات والقيود المرتبطة بالوسائل الأكثر تقليديةً كالكلاب، التي تعاني عمى الألوان، والتي قد يكون الحصول عليها وتدريبُها مكلفَين، وتتكرّر مشكلة التكلفة عند التفكير بالعصي والنظارات الذكية، أما برامج القراءة وبرامج تحويل النص المكتوب إلى كلامٍ مسموع، فتواجه تحدّيات الوسائط المتعدّدة والحمل المعرفيّ.
في عالم اليوم، صار لِزاماً تطوير منتجاتٍ تلبّي استخدامات متعدّدةً في مواقف مختلفةٍ ودون المساس بالحواس الأخرى. وتلك هي الفجوة التي هدفت شركة "سيفِن سينس" (الحاسة السابعة) إلى ردمِها، وهي شركةُ ابتكاراتٍ تقنيّةٍ مقرّها إستونيا، تركّز في عملها على مساعدة ضِعاف البصر والمكفوفين من خلال تكنولوجيا التحكّم عن بعد والذكاء الاصطناعيّ والتكنولوجيا العميقة. وقد تلقّى المشروع تمويلاً مشتركاً من الاتحاد الأوروبي عبر الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية وعَقَدَ شراكةً مع العديد من المنظّمات، بما في ذلك الاتحاد الإستوني للمكفوفين ومجمع "تكنوبول" للأعمال ومؤسستَي "إيكهولت" و"إنفيديا" ومستشفى تالين المركزية وشركتَي "إن كاب" و"إم إس بالتي ترافو".
باختصار، المنتج هو أداةٌ تحمل اسم "الدماغ الفائق"، تحاكي الرؤية الطبيعية وتتطوّر باستمرارٍ لتتمكّن من تلبية احتياجات مستخدميها. وهي تستهدف المعوّقين بصرياً في مختلف أنحاء أوروبا.
"الدماغ الفائق" جهازٌ يُثبَّت على رأس المستخدِم، ويوظِّف تقنية الدقة الفائقة ونظامَ مسحٍ ضوئيٍّ يعمل بالذكاء الاصطناعيّ يلتقط صوراً للعالم المحيط بتفاصيله الدقيقة. تتكامل التقنية مع النظام لتنتقل من معالجة مشكلةٍ في الرؤية إلى تزويد المكفوفين بتجربةِ رؤيةٍ حقيقية، حيث ينقل "الدماغ الفائق" المُدخلات إلى عقل المستخدِم في الوقت الفعليّ، ويمكِّنه من معالجتها في ذهنه على نحوٍ يحاكي الرؤية لدى المبصِرين. يفعل الجهاز ذلك من خلال احتوائه على عشراتٍ من نقاط التلامس التي تنقرُ جبين المستخدِم برفقٍ فتزوِّدُه بتصوُّرٍ ثلاثيِّ الأبعاد عن البيئة المحيطة به.
تميّز تصميم "الدماغ الفائق" بتعدُّد الاستخدامات، بمعنى أنّه يترك للمطوّرين هامشاً كبيراً لإنشاء حلولٍ وإجراء تعديلاتٍ مخصّصة، ما يجعله قابلاً للتكييف مع مختلف احتياجات المستخدِمين.
بعبارةٍ أخرى، يسمح الجهاز للمستخدِمين بإدراك ما يحيط بهم بصرياً من خلال حواسهم الأخرى، فيتيح لهم مثلاً الإحساس بالأجسام أو بالحركة أو السرعة أو المسافة.
ولم يخلُ تطويرُ "الدماغ الفائق" من التحديات، أوَّلُها ابتكار منتجٍ مريحٍ وملائمٍ للمستخدمين. حيث ركّزت الشركة على هذه الناحية، فأدمجت نسيجاً مرناً معزَّزاً وذا جودةٍ عالية وثبَّتته على السطح الخارجيّ للجهاز، كما استخدمت معه مواد مضادةً للحساسية في جميع نقاط التلامس مع بشرة المستخدِم.
كما كان على الفريق ضمان ألّا يتداخل ابتكارُه مع الحواس الأخرى المهمة التي يعتمد عليها المستفيد كحاسة السمع. ففي حين صُمِّمَ الجهاز لمساعدة الأفراد ضعيفي البصر في الوصول إلى المُدخلات البصرية الضرورية من خلال الإدراك اللمسيّ، وبينما عوَّل مصمِّموه على قدرة هؤلاء على تفسير تلك المُدخلات بأنفسهم، تبقى هذه القدرات غير متاحةٍ بالنسبة للبعض، ولا يزال على الفريق إيجاد وسائل لإتاحة منتجهم للأشخاص ذوي الحساسية العالية للإشارات والمشاعر والمحفِّزات الخارجية، كمصابي التوحُّد، وسيبقى تطويرُ مزيدٍ من الحلول لمثل هذه الفئات تحدّياً مستمراً ودافعاً دائماً.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أنّ الشركة تبنَّت نهجاً فريداً لتطوير المنتجات من خلال إنشاء منصةٍ تسمح للمطوِّرين بمشاركة المشكلات المتخصّصة واقتراح الحلول لها، ما يجعل منتجَها واحداً من أكثر الأدوات تنوُّعاً في السوق، خاصةً بينما تستكشف آفاق تطبيقاتِها واستخداماتِها الممكنة.
لكنّ الأهمّ هو أنّ تطوير جهاز "الدماغ الفائق" ونشرَه قد مثّلا علامةً فارقةً في عالم تقنية المعينات البصرية، وقدّما تجربةً غير مسبوقةٍ للمكفوفين، عبر توفير مستوى جديدٍ من الاستقلالية والتفاعل مع البيئة لم يكن من الممكن تصوّرُه في السابق.
لكنّ تأثير هذا الجهاز يمتدّ أبعدَ من المستخدِمين الأفراد، فهو شهادة على قوة الابتكار وقدرة التقنية على تغيير حياة الناس.
المراجع: