أطلقت قضية سلامة البنى التحتية والحفاظ عليها سباقاً محموماً بين حكومات العالم، ليصل العديد منها في آسيا وأوروبا وأمريكا إلى استخدام تقنية الطائرات المسيّرة من دون طيار لإجراء عمليات التفتيش الدورية لهذه البنى بغية توفير الوقت والتكلفة وزيادة الدقة وتعزيز الكفاءة.
تُعرَّف البنى التحتية بأنها الأنظمة المادية الأساسية التي تشكِّل عماد البلدان والمؤسسات والأعمال، مثل الطرق والجسور والمباني وشبكات المياه والطاقة والمؤسسات الاجتماعية. ولأنّ سلامتها عامل جوهريّ في الحياة العامة، فالحفاظ عليها يعتلي سلم أولويات الدول على اختلافها.
مع مرور الزمن، تتداعى هذه البنى مهما بلغت من التطوّر والإتقان بفعل التقادم والاهتراء والظواهر الطبيعية، حتى أنّ أكبر الدول الصناعية مثل إيطالية والبرازيل والولايات المتحدة قد شهدت انهياراتٍ في أكثر البنى التحتية متانةً وحيوية كالجسور والسدود، مثل حادثة انهيار جسر جنوا الذي أودى بحياة 43 شخصاً ودمّر مساكن 600 آخرين في العام 2018، أو حادثة انهيار سد التعدين البرازيلي الذي أدى إلى تدفق الطمي حتى غمر البلدة المجاورة.
من جانبٍ آخر، فإنّ التنبؤ بهذه الكوارث يتطلّب عمليات صيانة شاقة ومكلفة وتستغرق الكثير من الوقت، وقد تتطلّب من المتخصصين تسلّق الأسطح أو النزول إلى تحت الأرض لفحص المواقع عن كثب. ولأنّ المتخصصين يعجزون عن ذلك في معظم الأحيان، يتولى العمال عادةً مهمة التقاط الصور وعرضها عليهم. وفي حال توجّهت عمليات الصيانة للطرق، على سبيل المثال، فيجب أن تسير مركبات خاصة تحمل على متنها خبراء يجرون عمليات الفحص بصرياً، وأن تكون هذه العمليات شهرية أو أسبوعية أو حتى يومية، ما يعني تكلفة مرتفعة وبصمة كربونية هائلة. حالات من هذا النوع تولّد الحاجة إلى ذهنيات جديدة في مواجهة تحديات البنى التحتية.
تتطلّب هذه الذهنيات إرادة التغيير وحشد الموارد وتأمين التمويل وتوظيف التقنيات المبتكرة، وهو ما تسعى دول عديدة لتحقيقه.
أول هذه الدول هي الولايات المتحدة الأمريكية، ففي ولاية نيويورك مثلاً، اختارت السلطات المحلية استخدام الطائرات بدون طيار لإجراء أعمال تفتيش المباني. وفي ولاية كارولاينا الشمالية، استخدمت وزارة النقل الطائرات المسيرة من دون طيار لفحص أكثر من 13 ألف جسر، وسمحت لهذه الطائرات بالتحليق أبعد من مرمى البصر. وهذا يعني أن تقطع مسافة بعيدة عمّن يتحكم بها، دون الحاجة لمراقبين إضافيين أو أنظمة مرتفعة التكلفة.
وفي مينيسوتا، أجرت وزارة النقل 3 مشاريع بحثية بَنَت من خلالها معرفة كافية حول هذه الطائرات وخبرة في استخدامها ضمن منطقة المترو، حيث عملت الفِرَق الهندسية على اختيار الجسور الأولى وتصميم العمليات الميدانية وإجراءات السلامة. والأهم، هو وضع دليل إرشاديّ كامل ليكون مرجِعاً لعمليات التفتيش. وبعد انتهائها، جمعت الوزارة البيانات وأجرت تقييماً شاملاً لأداء هذه الأنظمة.
أما في آسيا، فقد كانت الصدارة لكوريا الجنوبية، حيث أعلنت حكومة العاصمة سيؤول، أنّها ستحتضن التجربة الأولى لاستخدام الطائرات المسيرة من دون طيار في تفتيش أسطح مباني الـ "هانوك"، وهي المنازل الكورية التقليدية التي يتجاوز عددُها 8 آلاف مبنى، وتحظى بمركزٍ خاصٍ لخدمات الصيانة والاستشارات والتفتيش الميدانيّ، استجابةً لطلبات أصحابها. وهكذا، ستنجز الطائرات المسيرة من دون طيار عمليات التفتيش وتلتقط صوراً مفصّلةً للأسطح لتسمح للمختصين بتقييم الحالة العامة وجودة البلاط من زوايا مختلفة. وقد أتاحت السلطات هذه الخدمة لجميع أصحاب المنازل عبر تقديم طلبٍ لمركز الدعم الخاص، سواء أكانوا متصلين بالإنترنت أم لا، وأياً كانت المشكلات التي تواجههم. والأهم هو أنّ الصور التي تجمعها الطائرات ستكون رافداً لأرشيف المركز وقواعد البيانات التي تخدم التنمية المعمارية في العاصمة الكورية.
وفي أوروبا، تعاونت حكومة ليتوانيا مع شركات تقنيةٍ من القطاع الخاص لإطلاق مشروع لصيانة 21 كيلومتراً من الطرق باستخدام الطائرات المسيرة من دون طيار إلى جانب أنظمة الذكاء الاصطناعيّ. وبعد أن تنجز الطائرات عمليات التفتيش عبر أجهزة الاستشعار والكاميرات عالية الدقة، سترسل البيانات إلى أنظمة الذكاء الاصطناعيّ، لتتولى خوارزمياتها رصد أماكن وجود الحُفَر أو الشقوق أو التصدّعات أو التآكل أو آثار أعمال التخريب أو غيرها من الأضرار التي تستدعي تدخل فرق الصيانة.
يمكن للطائرات المسيرة من دون طيار أن تجري عمليات تفتيشٍ أكثر فاعلية، وأن تعمل ضمن بيئاتٍ معقّدة، وتتفحّص أجساماً متنوّعةً، وتلتقط الصور من زوايا مختلفة، وتقلّص هامش الخطأ البشريّ، فتتيحُ تحديد المشاكل بدقةٍ وسهولة وتزيد عددّ عمليات التفتيش وتختصر مدَّتَها من ساعاتٍ إلى دقائق.
بالإضافة إلى ذلك، فهي ستساعد في توجيه فِرَق الصيانة إلى الأماكن الصحيحة، وتصحيح الأخطاء في مراحلها المبكّرة وقبل أن تستحيلَ كوارثَ أو مشكلاتٍ يصعب إصلاحُها، علاوةً على كونها تتيح تكرار الفحص وإعداد السجلّات الموثوقة للصحة الهيكلية وعمليات الصيانة وتساعد في اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ في المستقبل.
وإلى جانب توفير الوقت والتكلفة، ستساهم هذه الطائرات في تخفيف البصمة الكربونية لهذا القطاع، فإن استُخدِمَت لتفتيش نصف الجسور فقط في الدول الكبرى، فهذا يعادل الاستغناء سنوياً عن آلاف المركبات التي تجوب الطرق مطلِقةً انبعاثاتها الضارة.
المراجع:
https://www.cbc.ca/news/world/brazil-dam-disaster-mining-arrests-1.4996923
https://www.weforum.org/agenda/2021/08/how-drones-unlock-greener-infrastructure-inspection/