تشهد حركة النقل في مدينة "بورت فيليب" الواقعة في فيكتوريا بأستراليا ازدحاماً متزايداً يصحبه ارتفاع في معدّل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء وتراجع في معدّلات الأمان، مما دفع حكومتها المحلية إلى إطلاق مشروع يسعى إلى دراسة أنماط "التنقل النشط" لدى السكان في المدينة بهدف تحسين الخدمات الضرورية لتعزيز وسائل النقل الصديقة بالبيئة.
ظهرت مؤخراً توجُّهات جديدة للتنقل لدى العديد من سكان المدن الكبرى مثل ما يعرف بالتنقُّل النشط، وهو استخدام وسائل النقل التي تعتمد على الجهد البدنيّ كالدرَّاجات الهوائية ودراجات السكوتر وغيرها. ومن الجدير بالذكر أنّ شبكات النقل من أكثر الجوانب الخدمية التي تتطلب جهداً هائلاً من الحكومات لمراقبتها وضبطها ووضع السياسات لتطويرها، ولكنّ أيَّ جهود حكوميةٍ تستهدف شبكة النقل مثل تخصيص المسارات ونصب الإشارات المرورية وسنِّ القوانين ينبغي أن يُبنى على معلومات وبيانات وإحصائيات دقيقة، وهذا ما يحتاج بالعادة إلى توظيف آلاف العاملين لتدوين الملاحظات ومن ثم دراستها وتحليلها. ومن هذا المنطلق، ظهرت حاجة الحكومات إلى الاستفادة من التكنولوجيا والأتمتة وتطبيقاتِهما لتوسيع نطاق تقنيات النقل وتوفير خيارات ملائمةٍ للمقيمين والزوار.
وعلى هذا الأساس، توجهت مدينة "بورت فيليب" في أستراليا إلى دراسة إمكانية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في فهم توجهات التنقل لدى سكانها. حيث تشهد المدينة معدلات ازدحام مرتفعة كما أنها أمام زيادة متوقَّعةٍ للنمو السكانيّ بمعدل 23% بحلول العام 2027، مما دفع بلدية "بورت فيليب" إلى تنبي حلولاً ذكية لتسهيل عملية تطوير أنظمة النقل، وتدعيم بنيتها التحتية، وتصميم منظومةٍ قادرةٍ على التأقلم مع الأوضاع المتغيِّرة، وضمان حركة مرور أقلَّ ازدحاماً وأكثر ترابطاً وأماناً واستدامة.
وكجزءٍ من مشروع استراتيجية النقل المتكامل الجاري حالياً، يستثمر مجلس بلدية "بورت فيليب" الأسترالية في جمع بيانات حركة النقل بالتعاون مع شركة مختبرات "فيفاسيتي لابس" (Vivacity Labs) التقنية، ومقرُّها المملكة المتحدة، وكذلك "شبكة مستخدمي الدرّاجات الهوائية"، وهي منظمة أسترالية غير ربحية، وتضمُّ قرابةَ 50,000 عضواً مما يجعلها أكبر تجمُّعٍ لراكبي الدرّاجات في البلاد، وهي تهدف لزيادة عدد راكبي الدراجات وتعزيز النشاط البدني الآمن والاستدامة لتأسيس عادةٍ صحيةٍ، كركوب الدرّاجات للناس من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية؛ وينطلق هذا المشروع بغرض تغيير وضع النقل من خلال الرصد الحيّ والمباشر لحركة ركوب الدراجات والمشي على الطرق والتقاطعات الحيوية في المدينة.
وستنطلق هذا العام المرحلة الأولى من المشروع، والتي سيتم خلالَها تثبيتُ أجهزة استشعارٍ مروريةٍ تعتمد على الذكاء الاصطناعيّ لتتبُّع حركة الدرّاجات والمشاة والسيارات ورصدها وقياسها؛ وسيتم توزيع أجهزة الاستشعار هذه لمراقبة مواقع متنوعة بما فيها ممرات المشاة والدرّاجات والطرق العامة، حيث ستلتقط بيانات عن مختلف أشكال النقل.
وقد حرصت شركة مختبرات "فيفاسيتي لابس" التقنيّة على تصميم برمجيّات شبكة أجهزة الاستشعار بالاعتماد على نظام يضمن بقاء مصادر البيانات مجهولة تماماً، بحيث تتلافى بذلك أيّة تحديات قد تتعلق بالخصوصية أو البيانات الشخصية للمارة. وكما تستعدّ الشركة مع مجلس البلدية لتطبيق المرحلة الأولى من المشروع، والتي سيتم خلالَها تقييم التجربة بناءً على التحديات التي قد تواجهها وطرق التعامل معها، كما ستفسح المجالَ لقياسِ مدى نجاح الاستثمار وكذلك لرصدِ حركة التنقُّل في المواقع التي غالباً ما تعاني من الازدحام لإدارتها بشكل أفضل.
ومن خلال استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي وخوارزميات "التعلُّمِ الآلي"، ستلتقط أجهزة الاستشعار بياناتٍ لحظيةً وتعرضها على المعنيين في الوقت الفعلي وبذلك تعادل الجهد الذي يحتاج أن يبذله أكثر من ألف موظف في تدوين الملاحظات عن حركة المرور على طول طرقات المدينة. وإلى جانب هذا، سيفيد المشروع في تعزيز التنقُّل النشط في المنطقة المحلية لا سيما باستخدام الدراجات الهوائية ودراجات السكوتر الإلكترونية، وهذا ما تهدف إلى تحقيقه "شبكة مستخدمي الدرّاجات الهوائية" في أستراليا في المقام الأول.
وبذلك سيتمكن مجلس بلدية "بورت فيليب" من خلال جمع البيانات المجهولة المصدر عن التنقل النشط في المدينة من إنشاء قاعدة بياناتٍ ضخمةٍ تتيح تكوين فهم شامل حول التفاعل بين المشاة وراكبي الدراجات وسائقي السيارات على سبيل المثال. وإضافة إلى ذلك، سيقدم المشروع رؤية تفصيليةً ودقيقةً حول جوانب متعددة من حركة المرور، كأعداد المارّة والطرقات التي يسلكونها وسرعة حركتهم، عوضاً عن تعاملهم مع وسائل النقل الأخرى مثل دراجات السكوتر الإلكترونية. وكلُّ هذه المنافع ستساعد في تمكين بلدية المدينة من تحقيق تخطيط أفضل للتغييرات في البنى التحية مستقبلاً كإنشاء الطرقات المنفصلة وتحديد أبعاد ممرات المشاة، التي ستعمل على تعزيز التنقُّل النشط وتنظيم حركة المرور مما سيقلل من الازدحام والانبعاثات ويحسِّن جودة الهواء، وواقع الأمر أنّ خفضَ مستويات التلوّث يخدم الهدف الأبعد، وهو الحفاظ على شوارع مستدامة ليس في مدينة "بورت فيليب" فقط، بل وفي جميع أنحاء أستراليا.
المراجع: