مبادرة "مليون جينوم وأكثر" في أوروبا … أفقٌ جديدٌ للبحوث الطبيّة

مبادرة "مليون جينوم وأكثر" في أوروبا … أفقٌ جديدٌ للبحوث الطبيّة

1 دقيقة قراءة
لإحداث ثورةٍ في الرعاية الصحية من خلال الطبّ الشخصي، أطلق الاتحاد الأوروبيّ مبادرةَ "مليون جينوم وأكثر" التي ستُرسي بنيةً تحتيةً آمنةً للبيانات الجينومية والسريرية، وتعزِّز التعاون بين 25 دولة، وتسهم في وضع المعايير الدولية في هذا المجال.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لإحداث ثورةٍ في الرعاية الصحية من خلال الطبّ الشخصي، أطلق الاتحاد الأوروبيّ مبادرةَ "مليون جينوم وأكثر" التي ستُرسي بنيةً تحتيةً آمنةً للبيانات الجينومية والسريرية، وتعزِّز التعاون بين 25 دولة، وتسهم في وضع المعايير الدولية في هذا المجال.

عبر التاريخ، قاد الفضول البشر إلى استكشاف مناطق مجهولة، من سير عمل الكون إلى التفاصيل المعقّدة للشيفرات الوراثية، حتّى برزَ علمُ الجينوم الذي فتحَ باباً جديداً أمام الرعاية الصحيّة.

يمكن تعريفُ علمِ الجينوم بأنّه جميع بيانات الخلايا التي يحتاجها الكائن الحيّ لينمو ويؤدي وظائفه. وليس استخدامُ كلمة "بيانات" هنا جُزافاً، ففي عصر تكنولوجيا البيانات، يتزايد الطلب على حلول الرعاية الصحّية المتقدّمة والحاجة إلى أساليب مبتكرةٍ لجمع كمياتٍ مَهولةٍ من البيانات الجينومية والسريرية والاستفادة منها. في الحقيقة، غالباً ما تعاني أنظمةُ الرعاية الصحية التقليدية بسبب البيانات المجزأة ومحدودية الوصول إليها، وهو أمر يعيق تطويرَ علاجاتٍ شخصيةٍ واستراتيجياتٍ فعالة للوقاية من الأمراض. وحتى في البلدان الأوروبية المتقدّمة علمياً واقتصادياً، وإن كان جمع البيانات ممكناً والمنظمات الصحية متفوّقة، ما تزال هناك حاجةٌ لبنى تحتيةٍ آمنةٍ تتيحُ التشغيل البينيّ لمشاركة البيانات الجينومية وتحليلها بسلاسةٍ.

صوبَ هذا الهدف النهائيّ، أطلق الاتحاد الأوروبيّ مبادرةَ "مليون جينومٍ وأكثر" في شهر أبريل من العام 2018 خلال فعالية اليوم الرقمي. وقد جمعت المبادرة 28 شريكاً أوروبياً من 25 دولة أوروبيةً إلى جانب المملكة المتحدة والنرويج، بينهم مشاركون من الأوساط الأكاديمية والصناعية، وذلك ضمن جدول أعمال الاتحاد الأوروبي الخاص بالتحول الرقميّ في مجال الرعاية الصحية، وتماشياً مع أهداف الفضاء الأوروبي للبيانات الصحية.

في الممارسات الطبية، تكون الاستفادة من علم الجينوم في التعامل مع حالاتٍ كالأورام الخبيثة والأمراض النادرة والأمراض العصبيّة التنكُّسية. وبمرور الوقت، تبني البيانات الجينومية أنماطاً دقيقةً للمرضى، وهو أمر يصبّ ضمن مفهوم الطبّ الشخصيّ.

قد تختلف تعريفات هذا المصطلح، لكنّ مجلسَ الاتحاد الأوروبيّ وصفَه بأنه: "نموذج طبي يستخدم توصيف الأنماط الظاهرية والأنماط الجينية للأفراد (مثل التنميط الجزيئي والتصوير الطبي وبيانات نمط الحياة) لتخصيص الاستراتيجية العلاجية المناسبة للشخص المناسب في الوقت المناسب، أو لتحديد الاستعداد للمرض، أو لتقديم الوقاية المستهدفة في الوقت المناسب، أو كلّ ذلك معاً".

كانت المرحلة الأولى للمبادرة في العام 2020، وركّزت على دعم تنفيذ خارطة الطريق على المستوى التشغيليّ، ووضع التوجيهات القانونية والتقنية ومعايير البيانات والمتطلبات والممارسات الفضلى، حيث يترافق عمل المبادرةِ بموقعٍ إلكترونيٍّ يعرض كلَّ ذلك.

أواخر العام 2022، انطلق مشروع البنية التحتية للبيانات الجينومية الذي ركّز على وضع استراتيجية اتصالٍ شاملةٍ لمشاركة المعلومات. ولإضفاء الطابع الرسمي على التعاون والتنسيق الاستراتيجيَّين وتيسيرِهِما، أنشأت المفوضيّةُ مجموعةً خاصةً من ممثلي الدول الموقِّعة، وهي تضمّ 12 فريق عمل متخصص من الخبراء الوطنيين الذين يحددون المواصفات والمبادئ التوجيهية.

وفي أواخر العام 2023، أقرّت المجموعة خارطة الطريق للفترة بين عامَي 2023 – 2027، التي أسمتها "مرحلة التوسُّع والاستدامة"، حيث أوضحت أنشطة تنفيذ التوصيات. وتشمل هذه المرحلة إنشاءَ بنيةٍ تحتيةٍ تقنيةٍ وتشغيلَها مبدئياً، وإجراءَ بحوثٍ تجريبيةٍ للحالات السريرية، وتوليدَ بياناتٍ إضافيةٍ عالية الجودة، وإنشاءَ آلياتِ تنسيقٍ وطنية، وربطَ هذه البنية التحتية بنظام تقييم الصحة البيئية وغيرها من مبادرات الاتحاد الأوروبي ذات الصلة. كما تتضمّن خارطة الطريق خمسة مساراتٍ تنفيذيةً ترتبط بمختلف مجالات البيانات والأمراض، وهي البيانات التركيبية والأمراض النادرة والسرطان والأمراض المعقّدة والأمراض المعدية وجينوم أوروبا.

جينوم أوروبا هو مشروعٌ كبيرٌ انطلق بتمويلٍ مشتركٍ ضمن برنامج أوروبا الرقميّة، وهو متعدِّد البلدان، حيث سيُنشئ كلٌّ منها مجموعة بياناتٍ مرجعيةً جينيةً وطنية من خلال تسلسل الجينوم الكامل، استناداً إلى سكانها، الأصحّاء منهم والمرضى، وفقاً لمبادئ توجيهية مشتركة، وستكون هذه مجموعتَها المرجعيّة الخاصة، التي تغّذي، في الوقت نفسه، المجموعة الأوروبية الكبرى، التي ستكون موردَ بياناتٍ عالميَّ المستوى، شاركَ في صنعه 100 ألف إنسان.

لكنّ اتّساع رقعة المبادرة يحمل تحدّيات مختلفة. فتوفير بنيةٍ تحتيةٍ مناسبةٍ عبر أوروبا مهمةٌ معقّدة، ناهيك عن ضمان الوصول الآمن والموحَّد إلى البيانات الجينومية، والتغلّب على تحدّيات التشغيل البينيّ لها.

كما أنّ هذه الفئة من المشاريع تطرح دوماً تساؤلاتٍ ومخاوفَ أخلاقيةً وقانونيةً تتعلّق بسلامة البيانات وسريتها، والمشاركة الآمنة للمعلومات الحساسة للمرضى. وستكون مقاربة هذا التحدّي عبر العمل لبناء الوعي بين عامّة الناس وكسب ثقة صنّاع السياسات، وهذا أحد أبرز أهداف المبادرة.

بحلول العام 2026، ستكون 16 دولةً قد أنشأت بناها التحتية التشغيلية، الأمر الذي يَعِد بإنعاش منظوماتها الصحية واقتصاداتها، وقد يفتح الباب لأسواقٍ وخدماتٍ ومِهَنٍ ومنتجاتٍ علاجيةٍ ودوائيةٍ جديدة.

ستُتيح مبادرة "مليون جينوم وأكثر" الوصول إلى تشخيصاتٍ أكثر دقةً في وقتٍ قياسيّ، وستعزّز الوقاية وتحسِّن استثمارَ الموارد القيّمة من خلال تطوير أدويةٍ وعلاجاتٍ وتدخُّلاتٍ مصمّمةٍ وفقاً للاحتياجات الشخصية لكلّ مريض.

من خلال تيسير المشاركة وضمان دقّتها وسرعتها، ستزيد المبادرة المعلومات المتاحة للباحثين والمتخصصين في الرعاية الصحية وتعزّز فهمَهم للأمراض وتدعم الطب الشخصي وتفيد المرضى وترفع كفاءة أنظمة الرعاية الصحية.

ولعلَّ الأثر الأهمَّ لهذه المبادرة هو أنّها تبشِّر بمستقبلٍ يكون فيه الطبّ الشخصيّ هو القاعدة الأولى لممارسات الرعاية الصحية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

تمكين العقول الشابة … كيف تعزّز منطقة واترلو الابتكار

في قلب أونتاريو، حيث يلتقي الابتكار بالتعاطف، تعمل مبادرةٌ على تشكيل المستقبل بالعمل مع عقول الشباب، في مختبر الابتكار، بمنطقة واترلو الذكية، الذي يقوّي قدراتهم على حلّ المشكلات عبر التعلّم القائم على المشاريع ومقاربة تحدّيات العالم الحقيقيّ.

 · · 3 فبراير 2025

التقويم البيئي: خبرة الشعوب الأصلية وسيلةً صوبَ المرونة المناخية

على الجبال الوَعِرة وحول ضفاف الأنهار الجليديّة، تواجه المجتمعات الأصلية آثر تغيّر المناخ متكئةً إلى خبراتها وتقاليدها، فتتشارك مع خبراء الدراسات البيئية في إعادة إحياء حكمتها القديمة لتنسِّقَ سُبُلَ عيشِها وتحقق سيادتِها وأمنها الغذائيين.

 · · 3 فبراير 2025

برنامج الطبّ الدقيق في جنوب أفريقيا: دراسة التركيبة الجينية لإحداث نقلةٌ في الرعاية الصحيّة

لمواجهة التحدّيات الصحّية التي تهدّد سكان جنوب أفريقيا، بحث العلماءُ عن المفتاح في مورِّثاتِهم، فانطلقت مبادرةٌ باسم الطبّ الدقيق، الذي يصمّم التدخُّلات العلاجية بناء على الخصائص الفردية، بدلاً من تطبيق بروتوكولاتٍ موحَّدةٍ على جميع المرضى.

 · · 6 ديسمبر 2024

الزراعة المستدامة، نظم الأغذية المرنة، الزراعة العضوية، البنية الأساسية العامة الرقمية

بهدف تعزيز سبل العيش الزراعية المستدامة، بادرت حكومة ولاية كيرالا الهندية بابتكارٍ أسمته "منصة الأغذية"، وسَعَت من خلاله إلى إنشاء شبكة تعاونياتٍ عبر مختلف القطاعات، من الزراعة إلى منتجات الألبان وتوزيع الأغذية العضوية وغيرها، وذلك لمقاربة التحدّيات التي تواجهها وزيادة متانة منظومتها الزراعية وشفافيّتها وعدالتها.

 · · 6 ديسمبر 2024

الأنهار أشخاصاً … حماية الطبيعة عبر التشريعات المبكّرة

يكتسب مفهوم الشخصية القانونية المُطبَّق تقليدياً على الناس والمؤسسات زخماً كبيراً في حماية الأنهار، وذلك بقيادة المجتمعات الأصلية في بلدان مثل كندا والولايات المتحدّة ونيوزيلندا، التي تؤكّد أنّ هذا المنظور الجديد قد يوسّع آفاق الحفاظ على التنوع البيولوجي وموارد المياه العذبة والأهمية الثقافية للأنهار.

 · · 19 نوفمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right