في قلب أونتاريو، حيث يلتقي الابتكار بالتعاطف، تعمل مبادرةٌ على تشكيل المستقبل بالعمل مع عقول الشباب، في مختبر الابتكار، بمنطقة واترلو الذكية، الذي يقوّي قدراتهم على حلّ المشكلات عبر التعلّم القائم على المشاريع ومقاربة تحدّيات العالم الحقيقيّ.
تبدأ كلُّ الابتكارات كبذرة فكرةٍ متواضعةٍ تنتظر الظروف المناسبة لتتجذّر. رعايةُ هذه الابتكارات، مهما كانت أحجامُها أو أعمارُ أصحابِها، لا تتعلّق بإرغام الابتكار على النموّ، بل بإنشاء منظومةٍ تسمح للأفكار بأن تتمدّد وتنمو بوتيرتِها الخاصة.
ليس تأمين بيئةٍ تحتضن الأفكار وترعاها قالباً واحداً، بل حلولاً تُستقى من المكان وتشبهه. هكذا كان حال مدينة واترلو بمقاطعة أونتاريو الكنديّة، التي يحتاج شبّانُها ما يشجع الإبداع والتفكير النقدي في عقولهم، وما يُعِدُّهم لمستقبل هذا العالم الذي يتطوّر اليوم بوتيرةٍ أسرعَ من أيّ وقتٍ مضى، فمعظم خيارات رعاية الابتكارات المتاحة اتّخذت شعاراتٍ رنّانةً لكنّ الكثير منها لم يفلح في تحويلها إلى أسلوب حياة، خاصةً في ضوء حرمان الكثيرين أو استبعادهم من فرصٍ كان لها أن تنهض بقدراتهم.
من هنا، طوّر مختبر الابتكار بمنطقة واترلو الذكية رؤيةً طموحةً لمجتمعٍ يشعر فيه كلُّ يافعٍ وشابٍ بنبضةٍ من الابتكار والفضول والحلول. وهكذا، صنع فريق مختبر الابتكار من كلِّ هذا نموذجاً ناجحاً، وهو التعلّم القائم على المشاريع، إذ وجد فيه نهجاً عملياً يحفّز الإبداع.
بعبارةٍ أخرى، لم يرغب الفريق في أن يكون عمله نظريًا بحتًا، بل أرادوا تطبيق معرفتهم على مشكلات العالم الواقعية، فأراد تأسيس بيئةٍ تمكينيةٍ للشباب الكنديين، والبحث عنهم وإشراكهم بفاعلية، فضجَّ المختبر بماراثونات الإبداع ومعسكرات التدريب على التفكير التصميمي ومجموعات البرمجة. أطلق مثلاً مشروعَ الرعاية الذي ينادي بفكرة تغذية أطفال كندا بلمسةٍ من الاستدامة، عبر إنشاء الغابات الغذائية في المدارس، حيث يعمل الأطفال في الأرض بأيديهم، يزرعون البذار تحت أشعّة الشمس، ويتعرّفون على النُّظم البيئية. وليست هذه الغابات مجرد حدائق، بل هي أنظمةٌ بيئيةُ مصغَّرة تعمل على تجديد البيئة المحيطة بها من خلال جذب الملقحات وتعزيز التنوع البيولوجي، فهي تستخدم النباتات المثبتة للنيتروجين وتلك التي ترفع المغذيات من باطن الأرض وتجذب الحيوانات المفترسة للآفات وتقلل من الأمراض.
من الجدير بالذكر أنّ فريق مختبر الابتكار حرصَ على ألّا يكون أيٌّ من أنشطته عملاً منفرداً، فكان على المشاركين اليافعين التعاون في كلِّ خطوةٍ وفكرةٍ وعمل، وعدم الاكتفاء بحلولٍ فعّالةٍ أو مجدية، بل والسعي لحلولٍ شاملة.
لزيادة الانتشار، أطلقوا روبوت دردشةٍ آلياً باسم "سوريلي"، وهو روبوتٌ ودودٌ يعمل بالذكاء الاصطناعيّ ويتحدّث 27 لغةً، وهو متطوّر عن البرمجيات الشبيهة التي تتفاعل مع الكلمات المفتاحية والكلام المنطوق بلغةٍ مثاليةٍ فقط، حيث يستطيع معالجة اللغة الطبيعية وإجراء محادثات عفوية تجعله مريحاً للمستخدمين، ريثما يجلب لهم أحدث المعلومات من حوالي 700 موقع إلكتروني، كما أنّه متاح على نطاقٍ واسعٍ ويمكن تبنّيه من قِبل مقدّمي الخدمات بسهولة.
استطاعت المنصة أن تجذبَ اهتمام 10 آلاف مشاركٍ من العقول الشابة، حيث توافد هؤلاء من مختلف أنحاء واترلو، لا ليكونوا متفرّجين سلبيّين، بل ليشاركوا باعتبارهم مبدعين نشطين يحلمون ويبتكرون ويشكّلون عالمَهم، مسترشدين بالمشاركين الأكبر سناً، الذين شاركوا ما لديهم من قصصٍ عن التجارب والأخطاء والنجاحات.
وهذا يحملنا إلى مشروع الإعداد للمستقبل، المستند إلى ثلاث قيمٍ رئيسية، وهي إعداد العاملين مع الشباب لتهيئة بيئةٍ تسمح بالفشل أحياناً، وتقديم الإرشاد والتمويل للشبّان ليستطيعوا تحويل أفكارهم إلى واقع ملموس، والنموّ الدائم عبر مهاراتٍ يحتاجها الشباب لنقل أفكارهم إلى مجتمعاتهم، كالثقة والتواصل والمرونة.
في مرحلةٍ مبكّرة، أدرك فريق مختبر الابتكار أنّهم سيواجهون تحدّي الابتكارات الجوفاء، لا من المحتوى العلميّ أو الفكريّ، بل من الشعور الإنسانيّ الصادق. وللتغلّب على هذا التحدي، حرصوا على أن يكون التعاطف ركيزة أساسية لمشاريعهم، بحيث لا يقتصر أيٌّ منها على الأفكار التي يحملُها عنوانُه، بل يتعدّاها ليعزّز الروابط بين الشبان ومجتمعاتهم.
تعدّدت الآثار التي حقّقها مختبر الابتكار، وكذلك التي يبشِّر بتحقيقها، فبعد مشروع الرعاية مثلاً، حظي اليافعون بالوصول اليومي إلى الغذاء الصحي والمحلي واكتسبوا مهاراتٍ كثيرة، فمن ممارسات البستنة والعادات الغذائية الصحية ومحو الأمية الغذائية، إلى تعلُّم التعاون والمشاركة وإثراء معرفتهم بخبرات الأكبر سناً.
أما روبوت الدردشة، فهو يتصدّى لتحدّي العثور على البرامج والخدمات المحلية باستخدام التكنولوجيا المتقدِّمة، ما يلغي حاجة المؤسسات إلى تحديث القوائم يدوياً ويضمن حصول المستخدمين على أحدث المعلومات.
بدوره، ألهم منهج الابتكار الاجتماعيّ العقولَ الشابة لتفكّر وتلهم وتقدّم حلولاً لمجتمعاتها، وعزّز ثقافةَ حل المشاكل، وأعدّ الشبابَ ليكونوا عناصر فاعلة في التغيير الإيجابي.
المراجع: