مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

1 دقيقة قراءة
تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً
لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل
ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على
الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها
ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.
أدركت العاصمة الفنلندية التحدّي المتمثّل في اتساع الفجوة بين المناطق الحضرية من جهة، والمناطق الريفية
وضواحي المدن من جهة أخرى، وافتقار مجتمعات الضواحي إلى الموارد وشبكات العلاقات ونظم الدعم
الضرورية لريادة الأعمال والابتكار. كما أدركت أهمية الإمكانات الكامنة في أحياء ضواحيها من حيث
المساحات الواسعة غير المستغلة، وضرورة تحسين البنية التحتية فيها وتوفير سبل الرفاهية بهدف إنعاشها
وجعلها نقاط جذب حيوية شبيهة بوسط المدينة. فأطلقت بلديتها، بالتعاون مع الجهات المختصة وإحدى الشركات
الحكومية غير الربحية، مشروع "أحياء الابتكار في هلسنكي"، ودعت الشركات الخاصة للمشاركة به.
مقاربتُه الفريدة مقارنةً بمشاريع تنمية الضواحي الأخرى، جعلت هذا المشروع يتميّز على عدة مستويات، سواءٌ
في مستوى التعاون والمشاركة وتداول الآراء، أو في النهج المتّبع لعرض ومناقشة الحلول المبتكرة بما يتوافق
مع حاجة السكان، أو في اختبار المشاريع على أرض الواقع، ما أدى إلى إطلاق تسمية "المختبرات الحية" على
ضواحي هلسنكي. يسعى المشروع إلى الارتقاء بأحياء الضواحي لتغدو بيئةً مهيّأة لأن تحتضن الاستثمار،
وتستقبل الأنشطة المتعلقة بالابتكار، وتوفّر فرص عمل جديدة لسكانها، من خلال دعم مختلف مشاريع البنية
التحتية والخدمات فيها، لكن بشكل يحافظ على مساحاتها الخضراء وأجوائها الهادئة.
لهذا الغرض، شُيّدت "ورش عمل مؤقتة" على مساحات خالية في أحياء الضواحي التي شهدت إطلاق المشاريع
التجريبية، لتكون بمثابة مقر يلتقي فيه جميع المعنيين، بما يشمل الشركات والخبراء الحكوميين والباحثين
وممثلي أهالي الحي. تدوم هذه الورش طوال كامل فترة المشروع التي تمتدّ عادةً لبضعة أشهر، حتى اكتماله.
في هذه الورش يتم عرض فكرة المشروع واحتياجاته والتصاميم الأولية على المشاركين للتباحث فيه وعرض
آرائهم ومساهماتهم، إلى أن تكتمل الصورة النهائية للمشروع وتبدأ مرحلة تنفيذه. وعند التنفيذ تظلّ الورشة قائمة
للتباحث ومتابعة تقدم العمل. وبالطبع، فقد روعي في تصميم ورش العمل أن تكون مريحة وجذابة، يمكن
للسكان أن يستخدموها في أي وقت لجلساتهم أو للقاءات شخصية مع المشاركين الآخرين.
ولأن اختبار المبادرة في مشاريع تجريبية مدعومة بالبيانات له دور مهم في تحديد الحلول المبتكرة الأكثر فعالية
وتطوير حلول جديدة في المشاريع القادمة، فقد ترافقت أنشطة ورشة العمل منذ بدايتها مع ما يسمى بـ"التوأم
الحضري الرقمي"، وهي عبارة عن منصة رقمية تحتوي على كافة تفاصيل المشروع يتم تحديثها وفق ما يتفق
عليه المجتمعون، بحيث يمكنهم مناقشة المستجدات من خلالها. تضم المنصة بيانات وتحاليل ذات صلة،
ورسومات بيانية وموارد أخرى تمكّن المستخدم من عرض تطبيق لمحاكاة المشروع، بالإضافة إلى إنشاء
سيناريوهات جديدة وإجراء الاختبارات عليها.
تختلف الحلول التي يقوم بإعدادها القيّمون على المشروع باختلاف معالم الحيّ واحتياجاته وأولوياته، إذ تؤخذ
بعين الاعتبار أية وسائل حديثة تسهم في تطوير الحلول مستقبلاً. وعلى أرض الواقع، انطلقت المبادرة في
خمسة أحياء مختلفة في ضواحي العاصمة، أكملت بنجاح ما يقارب 20 مشروعاً شملت أعمال إضاءة شوارع،
وملاعب أطفال، ووسائل مواصلات عامة، وتحسينات في المساحات الخضراء والأماكن العامة. وهناك اليوم
نحو 100 مشروع آخر قيد الإعداد. وتركز المبادرة على تطبيق حلول مبتكرة تحسّن البنى التحتية القائمة
عوضاً عن استبدالها طالما أنها صالحة، ما يجعل مشاريعها عملية وسريعة التنفيذ. كما تركز المبادرة على رفع
مستوى جاذبية المتنزهات والمرافق الترفيهية العامة لتشجع الشباب على قضاء أوقات الفراغ في الهواء الطلق.
قدّمت تجربة هلسنكي الرائدة دروساً مهمة على صعيد تحقيق الإدماج الاجتماعي بين السكان، في المدينة
وضواحيها. فالاستراتيجية التي تطبقها ضمن مبادرة "أحياء الابتكار" و"المختبرات الحية" في الضواحي خدمت

أكثر من هدف. فهي من جهة، زادت جاذبية الضواحي للعيش والعمل، وحفزت على إقامة الأعمال والاستثمار
فيها، ما أدّى إلى انتعاش الضواحي وزيادة فرص العمل محلياً.
ومن جهة أخرى، شجعت المبادرة أنشطةَ الابتكار الرامية إلى أن تضم الضواحي في المستقبل مجمعات ابتكار
تساهم بدورها في تعزيز اقتصاد مدينة هلسنكي الذكية. ما يعني استفادة المدينة من طاقات بشرية وموارد
جغرافية كان مصيرها الإهمال، بتكلفة زهيدة نسبياً، نظراً لأن غالبية المشاريع هي ضمن إطار الابتكار في
تحديث البنية التحتية والخدمات القائمة بالفعل، وليست مشاريع تأسيسية.
فيما برهنت التوأمة الرقمية للمشاريع جدواها كأداة مثلى لإيضاح كل جوانب المشروع لجميع الأطراف المعنية
والإجابة عن مختلف استفساراتهم، فهي متاحة لهم في أي وقت يرغبون فيه في اختبار محاكاة المشروع وتكوين
تصور كامل عن مخرجاته.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

أعضاء على رقاقة … ثورة في اكتشافِ الأدوية والرعاية الصّحيّة

سعياً إلى توفير أدوية أكثر أماناً وفعالية، أثمرت جهود العلماء ابتكاراً سُمي "الأعضاء على الرقاقة"، يقوم على محاكاة العمليات الحيوية على مستوى خَلَويّ، ويَعِد بسدّ الفجوة بين النظرية العلاجية والتطبيق السريريّ.

 · · 30 ديسمبر 2024

توربينات رياح تحصد طاقة الأعاصير في الصين

ابتكرت مجموعة مينج يانج الصينية تقنيةً متطوِّرةً تمكنها من تسخير أكثر ظواهر الطبيعة قسوةً لتوليد طاقةٍ نظيفةٍ ومتجددة، وهي منصّة توربيناتٍ متمركزة في المياه العميقة تحوِّل طاقة الرياح البحريّة إلى كهرباء حتى أثناء الأعاصير الشديدة.

 · · 30 ديسمبر 2024

مشروع "روبو فود": روبوتات صالحة للأكل تفيد قطاعي الصحّة والبيئة

شراكةٌ بين عدّة مؤسساتٍ أكاديميةٍ وبحثية، أثمرت عن تجربةٍ فريدةٍ من نوعها، حيث لا تُصنَع الروبوتات من المعادن، بل من مواد عضويةٍ صالحةٍ للأكل، فتَعِدُ بثورةٍ في الرعاية الصحية المستدامة وحتى في التجارب الغذائية.

 · · 30 ديسمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right