الفلبين تتبنى نهج الاقتصاد الدائريّ لإدارة نفاياتها البلاستيكية

الفلبين تتبنى نهج الاقتصاد الدائريّ لإدارة نفاياتها البلاستيكية

1 دقيقة قراءة
تواجه الفلبين أزمة تلوّثٍ حادةً بسبب النفايات البلاستيكية التي تهدّد بحرَها وسياحتَها وسبلَ عيش أبنائها. لذا، تمكنت بدعم المنظمات الدولية من تطوير برامج لجمع العبوات وإعادة تدويرها ونشر المراكز المتنقّلة التي تستلم النفايات من السكان مقابل حوافز تشجّعهم على تبنّي نهج الاقتصاد الدائريّ.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تواجه الفلبين أزمة تلوّثٍ حادةً بسبب النفايات البلاستيكية التي تهدّد بحرَها وسياحتَها وسبلَ عيش أبنائها. لذا، تمكنت بدعم المنظمات الدولية من تطوير برامج لجمع العبوات وإعادة تدويرها ونشر المراكز المتنقّلة التي تستلم النفايات من السكان مقابل حوافز تشجّعهم على تبنّي نهج الاقتصاد الدائريّ.

في سعي الناس الدائم خلف الكفاءة والتوفير، خرجوا باختراعاتٍ كثيرةٍ تنامت بوتيرةٍ جنونيةٍ وغيّرت شكل الحياة، ومنها البلاستيك الذي لم يدخل مرحلة الإنتاج التجاريّ حتى أواسط القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، ازداد استخدامه 20 مرة بإنتاجٍ تراكميٍّ بلغ 8.3 طنٍّ متريٍّ بين عامَي 1950 و2015.

لكنّ هذه الزيادة لم تكن حميدة، فللبلاستيك دورةُ استخدامٍ أوليةٌ قصيرة، وحين تنتهي، يفقد 95% من قيمته. وحتى محاولات تجميعه وإعادة تدويره لا تغطّي أكثر من 68% من الكمية الإجماليّة.

ولأنّ قسماً كبيراً من النفايات تصل في النهاية إلى المحيط، وبالنظر إلى خاصيات البلاستيك من حيث التحلّل، فالنفايات البلاستيكية تقلّل إنتاجية النظم الطبيعية الحيوية وتهدّد معيشة الملايين الذين يعتمدون على الموارد البحرية مصدراً للدخل. وهذا ينطبق على 63 مليون فلبينيٍّ تنتج بلادُهم أكثر من 2.7 مليون طنٍّ من النفايات البلاستيكية، تصبّ 20% منها في المحيط، فتُلحِق أشدّ التأثير بالمياه المصنَّفة كمراكز التنوُّع البيولوجيّ للأسماك الشاطئية البحرية، وكأنّ ما يسبِّبه تغيّر المناخ لا يكفي، فـ 74% من الفلبينيين يتجمّعون في مناطق معرّضة للكوارث الطبيعية، وقد تعرّضوا بالفعل لـ 565 كارثةً منذ العام 1990، فاقت فاتورتُها الإجمالية 23 مليار دولار.

 هذا متوقَّعٌ في أحد أسرع الاقتصادات الآسيوية نموّاً، فهو يرتبط بنموّ عدد السكّان وارتفاع دخلهم وزيادة الإنفاق والاستهلاك إلى جانب الافتقار للقوانين الناظمة وصعوبة سنِّها وإنفاذها.

ولأنّ الفلبين عبارةٌ عن أرخبيلٍ يضمّ أكثر من 7600 جزيرة، فحكوماتها المحلية مفوَّضةٌ بالأعمال الإدارية والخدمية كجمع النفايات الصلبة، وهذا صعبٌ في المناطق المزدحمة.

تشير التقديرات إلى أنّ حوالي 80% من البلاستيك في المحيطات يأتي من مصادر برية، وأنّ أحد مصادره الرئيسية هي الأنهار، ومعظمُها آسيوية. وبين المرتبات العشر الأولى، يبرز نهر باسيج الذي يساهم بقرابة 39 ألف طنٍّ من البلاستيك الذي يصبّ في المحيطات سنوياً، ففيه يلتقي 27 رافداً ملوّثاً بالنفايات الصناعية والمنزلية.

اليوم، تعاون برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ مع حكومة اليابان ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية لإطلاق مشروعٍ يدعم الحكومات المحلية الفلبينية لمقاربة هذا التحدّي في مدن كيزون ومانيلا وكالوكان وكوتاباتو وباسيج التي بدأت حكومتُها بجمع النفايات البلاستيكية عبر مراكز إعادة التدوير المتنقّلة التي تستقبل المواطنين فتأخذ منهم النفايات البلاستيكية والورقية والزجاجية، وتقدّم لهم مواد تموينيةً كالأغذية والمنظّفات، وترسل المواد ذات الاستخدام الواحد لتدخل في صناعة منتجاتٍ أخرى كمقاعد المدارس الحكومية.  وتعمل المراكز المتنقِّلة أيضاً على التوعية بأهمية فرز النفايات المنزلية وطرائق فعل ذلك.

كما وفّر المشروع التجهيزات اللازمة لإعادة التدوير كأجهزة صهر البلاستيك، إلى جانب التدريبات التي تستهدف المؤسسات الأكاديمية والخاصة والمجتمع المدنيّ، والتمويل المقدَّم للشركات الصغيرة والمتوسّطة لزيادة كفاءة إنتاجها والأخذ بيدها صوب الأسواق العالمية.

ويجري العمل حالياً على تطوير منصةٍ رقميةٍ تجمع أصحاب المصلحة لتبادل المعارف والخبرات وإطلاق المبادرات والبرامج المشتركة، حيث يتضمّن المشروع جمع البيانات عالية الجودة لتمكين قياس الأداء والتقدّم في تحقيق الاقتصاد الدائريّ.

وفي مدينة كويزون، تدعم الحكومة الزراعة الحَضَرية لتحسين إدارة النفايات العضوية، حيث تعمل المزارع لإنتاج محاصيل متعدّدةٍ وإعادة تدوير النفايات القابلة للتحلّل لصناعة الأسمدة وإرسال النفايات البلاستيكية إلى منشأةٍ متخصِّصةٍ بمعالجتها. كما تعاونت سلطات كويزون مع برنامج "من نفايات إلى مكتسبات"، حيث تشجِّع المقاطعات على تسليم المواد القابلة لإعادة التدوير للحصول على نقودٍ أو نقاطٍ تُستخدم لسداد رسوم بعض الخدمات البلدية كالكهرباء.

وعموماً، تلتزم الفلبين بأهداف اتفاقية باريس وتعتزم خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 75% بحلول العام 2030، ولهذا، اختارت الاقتصاد الدائريّ كأحد تدابير التخفيف الرئيسية، واعتمدت قانون المسؤولية الموسّعة للمنتجين، الذي يسمح بمساءلة الشركات المصنِّعة بشأن التأثير البيئيّ لمنتجاتها طيلة دورة حياتها، ويفرض على الشركات الكبيرة الالتزامَ بحدٍّ أقصى من العبوات البلاستيكية المنتَجة.

كانت جائحة كوفيد-19 تحدياً كبيراً أخّر نموّ هذه المشاريع، فبسبب الضغوط التي فرضتها، عجزت السلطات عن إحداث المزيد من مراكز جمع النفايات، فتوقّفت عند المركز التاسع عشر، لكنّ الحكومات المحلية تحاول تعويض ذلك باختيار مواقع استراتيجية كحديقة الحيوان التي تجتذب أعداداً كبيرةً من السياح في العاصمة.

وحتى المراكز تواجه تحدّياتها الخاصة، فهي تحتاج موارد كثيرةً من معدّاتٍ وأيدٍ عاملة، وهذا تحدٍّ آخر للسلطات في مناطق مرتفعة الكثافة السكانية وسريعة النمو كباسيج. يُضاف هذا إلى تحدّي تطوير البنى التحتية المرتبط بعقباتٍ ماليةٍ ولوجستية.

وبالطبع، كلّ هذه المبادرات ستكون عديمة النفع ما لم تُصاحَب بثقافةٍ أصيلةٍ لدى السكان، وهذا تحدٍّ مديد يحتاج لزرع مفاهيم جديدةٍ بين الناس.

لاجتياز هذه التحديات، لا بدّ من المبادرات التعليمية والتحفيزية التي تُشعِر أبناء المجتمع بأنّهم جزءٌ من القرار والتغيير، إلى جانب التعاون والتنسيق بين المنظّمات الحكومية وغير الحكومية لحشد التمويل والخبرات والجهود على الأرض، فالاقتصاد الدائريّ يحقّق سلسلةً من الفوائد كتوليد فرص العمل والاستثمارات الخضراء وضمان تحوّلٍ عادلٍ للطاقة النظيفة.

وعبر تحسين إدارة النفايات في المناطق الحَضَرية وتحديث التشريعات وترقية نُظُم البيانات، تقطع الفلبّين عتبةً جديدةً في طريق التنمية المستدامة والشاملة.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

رؤية "صفر نفايات": حالة إدارة النفايات المبتكرة في كيل

في ظل تفاقم ظاهرة التغير المناخي، تبنت مدن العالم مجموعة من الحلول للتعامل مع مشكلة النفايات، ومع ذلك بقيت تلك الحلول جزئية، قصرت عن معالجة المشكلة بشكل كامل. فما تزال مكبات النفايات تلوث التربة والمياه الجوفية، والمحارق تبث غازات الاحتباس الحراري، والفضلات تلوث البحار. لكن مدينة "كيل" الألمانية قطعت شوطاً كبيراً في مسارها لأن تصبح مدينة خالية كلياً من النفايات، أو ما يسمى بمفهوم "صفر نفايات"، وذلك من خلال تطوير استراتيجية شاملة في إدارة النفايات تعالج جميع جوانب انتاج، وإعادة تدوير، وتراكم النفايات، وتساهم في تحويل المشكلة إلى فرص اقتصادية مستدامة.

 · · 24 يونيو 2024

سانتياغو تعالج قضية جودة الهواء عبر تكنولوجيا النقل العام المُحسّنة

لتحسين بنية نقلٍ متهالكةٍ تفاقِم التلوث، بدأت مدينة سانتياغو بتشيلي رحلةً تحويليةً تشمل رفدَ أسطولِ النقل بحافلاتٍ حديثةٍ وصديقةٍ للبيئة، وتطويرَ حلول نقلٍ مبتكرة تهدف لتحسين مستوى الحياة اليومية لسكانها.

 · · 24 يونيو 2024

شكلٌ جديدٌ للشحن الحَضَريّ، حلولٌ رائدةٌ لمدنٍ أكثر استدامة

لمواجهة تحدٍّ بيئيٍّ متصاعدٍ يفرضه الشحن الحضريّ، تعمل حكومات مدنٍ عديدةٍ مثل روزاريو وبوغوتا وكوتشي وشيملا وباناجي على لعب دورها الحقيقيّ عبر التكنولوجيا الذكية والتخطيط الحضريّ المستنير وتشجيع الممارسات المستدامة وتصميم السياسات وسنّ القوانين وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وغيرها. وذلك لبناء مستقبلٍ أكثر استدامة.

 · · 5 يونيو 2024

دروس مستفادة من تجربة كيب تاون في تجنب أزمة المياه

تحرصُ المدن الكبرى على التخطيط والاستثمار لضمان توفير أهم مورد طبيعي لسكانها، وهو المياه، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ، الذي يؤثر سلباً على صعيدين. فهو يؤدي إلى شح المياه، وهو أيضاً يساهم في تعجيل التضخم السكاني بسبب الهجرة المتنامية لسكان القرى والأرياف نحو المدن، مع تراجع الظروف المناخية المناسبة التي تعتمد عليها الزراعة في بعض المناطق. في هذا السياق، تشكل مدينة كيب تاون حالة بارزة تستحق الدراسة في مواجهة هذا التحدي.

 · · 8 مايو 2024

نظم الإنذار المبكر: دروس من اليابان والصين لمواجهة الكوارث الطبيعية

في ظل الزيادة المتنامية في حدة ووتيرة الكوارث الطبيعية حول العالم خلال العقود الماضية، خاصة تلك المرتبطة مباشرة بتغير المناخ، أطلقت الأمم المتحدة في العام الماضي مبادرة "الإنذار المبكر للجميع" كإطار عمل لضمان حماية كل إنسان من خلال نشر نظم الإنذار المبكر بنهاية عام 2027. وبينما تتضافر الجهود لوضع الخطط وكيفية التعامل مع التحديات الكبيرة التي ستواجه هذه المبادرة، هناك تجارب مبتكرة ومتقدمة ثبت نجاحها في كل من اليابان والصين في هذا المجال، من شأنها المساهمة في تصميم استراتيجيات ونظم الإنذار المبكر حول العالم، ودعم مبادرة الأمم المتحدة بأفضل الممارسات.

 · · 8 مايو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right