أونتاريو تخوض تجربة فريدة في مجال خدمات الرعاية الصحية: توفير آليات لتعزيز الوصول إلى بيانات السكان الصحية

أونتاريو تخوض تجربة فريدة في مجال خدمات الرعاية الصحية: توفير آليات لتعزيز الوصول إلى بيانات السكان الصحية

1 دقيقة قراءة
يتمثل هدف منصة Project Spark في ابتكار واجهة برمجة تطبيقية، أو لربما منح المطوّرين آلية فعالة لطلب المعلومات من قواعد البيانات الحكومية. يمكن تسخير المنصة ضمن نطاق واسع من الاستخدامات مثل تطوير تطبيق يتيح للأطباء إمكانية الوصول إلى التاريخ الطبي الكامل لأي مريض يزورهم للمرة الأولى.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تمتلك أقوى شركات التكنولوجيا في العالم رؤية لمستقبل قطاع الرعاية الصحية. سيكون عليك الذهاب إلى عيادة الطبيب والجلوس في غرفة الانتظار ثم شرح مشكلتك لشخص يرتدي معطف أبيض، ويبدو كل ذلك مألوفًا. لكن يبدأ التغيير في آلية علاج المشكلة، فبدلًا من الاعتماد على خبراته ومعارفه فقط، يلجأ الطبيب إلى استشارة منظومة خوارزمية مُدرّبة على تحديد أعراض ملايين المرضى وتشخيص حالاتهم وتحديد المخرجات المناسبة للعلاج. وبدلًا من الاعتماد على أخصائي الأشعة لقراءة صور الأشعة السينية، يمكن توظيف جهاز حاسوب خاص للكشف عن أي اختلافات وتحديد وجود أورام أو جروح، وهذا هو الهدف المنشود.

تجدر الإشارة إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نتحدث عنها والتي يتم تطويرها من قبل شركات عالمية مثل جوجل Google وآي بي إم IBM  لا تملك القدرة على قراءة الكتب والتقارير وحضور المحاضرات والقيام بالجولات، فهي بحاجة إلى ملايين الأمثلة الواقعية لفهم المتغيرات المختلفة بين مريض وآخر. وبشكل عام، تعتمد جودة الذكاء الاصطناعي على البيانات التي يُدرّب عليها، ولكن يصعب تطبيق هذه القاعدة على البيانات الطبية لا سيّما وأنها ذات طابع سري، حتى أن معظم الدول المتقدمة تتعامل معها على أنها معلومات طبية سرية محمية بقوانين حماية البيانات مثل قانون الخصوصية لحماية المعلومات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي ظل هذه التحديات، أصبحت الشركات المهتمة بتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية حريصة على إيجاد طرق مختلفة لجمع أكبر قدر ممكن من البيانات. فعلى سبيل المثال، عقدت جوجل شراكة مع مستشفيات جامعتي ستانفورد وشيكاغو لجمع 46 مليار نقطة بيانية حول زيارات المرضى. أما شركة فيريلي Verily، المملوكة أيضًا لشركة ألفابيت من جوجل، فقد لجأت إلى تعيين 10,000 موظف لإجراء دراسات صحية طويلة الأجل. وبدورها، أمضت شركة آي بي إم السنوات القليلة الماضية في شراء شركات طبية للحصول على بياناتها وجمع سجلات لأكثر من 300 مليون شخص.

يمكننا القول بأن هذه المنهجية التي تكون أكثر منفعة للشركات ذات المصادر الضخمة هي الطريقة الوحيدة للحصول على مجموعات كبيرة من البيانات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لما يتّسم به النظام الصحي الأمريكي من تباين وتفاوت ملحوظ. وكما تجري العادة، يحتفظ مزودو خدمات الرعاية الصحية بملفات المرضى الشخصية والتي لا يسمح بمشاركتها مع جهات طبية معتمدة أخرى إلا بناء على طلب المريض، وبذلك ليس هناك مكان واحد يحتوي على جميع البيانات الصحية. وبقدر مستوى الأمان الذي يحققه هذا الأمر؛ إلا أنه أقل فعالية فيما يتعلق بشؤون البحث والتحليل.

لنذهب إلى كندا، وبالتحديد إلى أونتاريو التي يبدو أنها وجدت الحل بفضل نظام الدفع الفردي لخدمات الرعاية الصحية.  يقوم هذا النظام بتجميع كافة المعلومات الصحية التي تنتجها مقاطعة أونتاريو والاحتفاظ بها في عدد من قواعد البيانات الرقمية الضخمة الخاضعة لسيطرة الحكومة. (ففي جميع الأحوال، يحق للحكومة متابعة الفواتير التي تدفعها) يمكن إيجاد منظومات مماثلة في مناطق أخرى في كندا مثل مقاطعة كيبيك. أما تورنتو التي باتت بمثابة مركز رئيسي للبحث في مجال الذكاء الاصطناعي، فهي تبذل جهدًا إضافيًا لتوفير هذه البيانات إلى الشركات.

وحتى الآن، لم يُسمح بدراسة هذه البيانات وتحليلها إلا للجهات الحكومية أو الباحثين الذين وقعوا شراكات مع الحكومة لدراسة أمراض معينة.  ومن جهتها، تعاقدت أونتاريو مع شركة MaRS Discovery District التي تعد بمثابة مزيج بين حاضنات أعمال التكنولوجيا وشركة WeWork، وكلّفتها ببناء منصة خاصة للشركات والباحثين المعتمدين تسمح لهم بالوصول إلى البيانات وأطلق عليها اسم Project Spark. بدأ المشروع الذي أطلقته شركة MaRS  بالتعاون مع شبكة جامعات كندا الصحية باستكشاف كيفية تبادل هذه البيانات بعد أن أبدت الجهتين رغبتهما أمام الحكومة لتوسيع نطاق الوصول إلى البيانات الصحية للباحثين والشركات التي تسعى لبناء أدوات مرتبطة بالرعاية الصحية.

يتمثل هدف منصة Project Spark في ابتكار واجهة برمجة تطبيقية، أو لربما منح المطوّرين آلية فعالة لطلب المعلومات من قواعد البيانات الحكومية. يمكن تسخير المنصة ضمن نطاق واسع من الاستخدامات مثل تطوير تطبيق يتيح للأطباء إمكانية الوصول إلى التاريخ الطبي الكامل لأي مريض يزورهم للمرة الأولى.  يمكن لسكان مقاطعة أونتاريو الوصول إلى سجلاتهم الصحية في أي وقت وأي مكان من خلال برمجية مماثلة، كما يمكنهم فهرسة مشاكلهم الصحية بحسب زمن حدوثها.

يوجد في الوقت الحالي 100 شركة تنتظر دورها للوصول إلى البيانات التي تتضمن السجلات الصحية لما يصل إلى 14 مليون من سكان أونتاريو (لم تكشف MaRS عن هوية هذه الشركات). يعتبر الوصول إلى بيانات عالية الجودة لملايين المرضى بمثابة منجم ذهب مجاني لشركات التكنولوجيا. وفي الوقت الحالي، يركز المشروع على تطوير البرمجيات للمرضى والكادر الطبي.

وفي حديثه عن هذه المنصة، يقول جو غرينوود مدير مشروع Spark لدى MaRS: «دائمًا ما تأتي البيانات إلينا، وليس بالضرورة أن يتم تمريرها او تبادلها مع جهات أخرى. وهنا يأتي دور هذه المنصة التي تحاول الاستفادة من كونها تملك هذا المصدر الثابت والغني بالمعلومات بينما تخضع المستخدمين لنموذج حوكمة مناسب». 

بفضل هذه المنظومة، يتم تدوين كل مرة يتواصل فيها أي شخص يعيش في أونتاريو مع أي جهة من قطاع الرعاية الصحية للخضوع لفحص روتيني أو حجز موعد مع طبيب مختص أو فحص طبي.

لا يعد هذا تحدي كبير خلال المرحلة الأولى من المشروع التي لم تبدأ بعد ولم يتم تحديد إطار زمني لها. فالأفراد القادرين على تحديد ما إذا كانت البيانات حساسة أم لا هم الأطباء والمرضى والممرضين والمختصين. وفيما يتعلق بالأبحاث والأشخاص من خارج المستشفى أو عيادة الطبيب، فلا تزال شركة MaRS  تعمل على تحديد كيفية التعامل مع البيانات الحساسة التي قد ترد على هؤلاء الأفراد.

إذا كنت من الأشخاص المهتمين بدراسة الوضع الصحي لسكان أونتاريو، فما عليك سوى الوصول إلى السجلات الطبية القيّمة التي تجيب على جميع أسئلتك.  السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تكرّس جوجل نخبة من أفضل العقول للبحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي المرتبطة بالرعاية الصحية، وما السبب الذي يجعلها تخصص ما يزيد على 100 مليون دولار لإجراء دراسة صحية قائمة بـ 10,000 موظف؟ وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن قيمة سوق خدمات الرعاية الصحية في العالم تصل إلى 6.5 تريليون دولار، ومع ذلك فما زال غير قادر على ابتكار البرمجيات المطلوبة.

ولهذا السبب تلجأ MaRS  للعمل مع باحثين مثل أولئك الذين يحاولون بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي الكفيلة بمساعدة الأطباء بالتعاون مع معهد أونتاريو للعلوم التقييمية السريرية للمطالبة بمنح نطاق أكبر من البيانات مجهولة المصدر حول سكان أونتاريو الذين يلبّوا فئة معينة. إذا رغبت بإجراء بحث عن كل شخص أصيب بالزهايمر خلال الأربعين سنة الماضية في أونتاريو، ستكون البيانات المطلوبة على بعد تفويض.

على صعيد آخر، سيكون لهذه البيانات المتاحة للتبادل دور إيجابي في تعزيز وسائل الراحة وتيسير الأمور بالنسبة لسكان المقاطعة. وبالرغم من أن البيانات الصحية موجودة في قواعد بيانات ضخمة، إلا أن إجراءات الوصول إليها تتطلب من الشخص تقديم طلب بالحصول على سجلاته الصحية ليتم إرسالها للطبيب كما هو الحال في الولايات المتحدة. سوف يُثمر هذا المشروع المنفصل عن إتاحة الفرصة لبناء برمجيات تلتزم بقانون خصوصية المعلومات الصحية وتسمح في الوقت نفسه للأطباء استخراج التاريخ الطبي الكامل لمرضاهم.

يجب على أي شخص يرغب بالوصول إلى بيانات المرضى في أونتاريو التواصل مع خدمات تقييم الاعتمادات الدولية ICES. وتقول ليزا جاكيمينين، طبيبة أسرة تعمل في خدمات تقييم الاعتمادات الدولية منذ 20 عامًا بأن أحد المخاطر المترتبة على إتاحة هذه البيانات لعدد كبير من الأشخاص هو الافتقار لإمكانية التحكم بكيفية تحليلها واستخدامها.

وتضيف ليزا: «الأطباء قلقون من أن يتم استخدام هذه البيانات لغايات الأبحاث التسويقية. وأعتقد أن هذا الأمر سيكون مزعجًا للغاية بالنسبة للأطباء إذا استخدمت البيانات لأغراض تحقيق الربح، هذا أمر مقلق وغير مقبول. يقدمون هذه البيانات وفي اعتقادهم أنها ستُستخدم لتحسين قطاع الرعاية الصحية، ولكن أين الحد الفاصل بين تحسين قطاع الرعاية الصحية وتحقيق أرباح في شركة ما؟ أحيانًا تخيم حالة من عدم الوضوح والضبابية في هذا الشأن».

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right