لتدعيم منظومة الاستجابة للكوارث، بدأت سلطات مدينة أوستن الأمريكية العملَ لتأسيس شبكة من المراكز لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ والتي تقدّم المأوى والاحتياجات الأساسية للسكان قبل الكوارث وأثناءَها وبعدَها، لبناء مقاومة المجتمعات المحلية في وجه آثار تغيّر المناخ.
منذ أن أصبح تغيُّر المناخ حقيقة واقعة، باتت الكوارث الطبيعية أكثر قسوة وتواتراً من أيّ وقتٍ مضى، ولما تحدثه هذه الكوارث من ضرر، احتلت خططُ بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ مكاناً رئيسياً في أجندات الحكومات الساعية لحماية مواطنيها وتعزيز قدرتهم على الصمود والتعافي.
تتعاظم مسؤولية هذه الحكومات في البلدان التي نالت حصةً أكبر من آثار تغيّر المناخ، كالولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد اليوم ظواهر جوية بتواترٍ وشدّةٍ يعرّضان مزيداً من الأرواح للخطر، لا سيما في ولاية تكساس التي حملَ لها القرن الماضي ارتفاعاً بمقدار 2.2 درجة مئوية في متوسط درجات الحرارة الدنيا والقصوى، مع شُحٍّ متزايدٍ في المياه، وخاصةً في المدن، فهي تشهد اليومَ ظواهر جوية متناقضةً علاوةً على قسوتِها. ففي مدينة أوستن، لم تكد موجة الحر التاريخية تنتهي في العام 2011 لتتبعَها فيضانات في العامين 2013 و 2015، ثم عاصفة شتوية في العام 2020، فحرائق الغابات من جديد، إلى أن جاءت العاصفة الجليدية "أوري" في شتاء 2021 لتعصفَ بالولاية بأكملها وتعطِّل قسماً كبيراً من بناها التحتية.
يزداد الأمر تعقيداً بالنظر إلى محدودية المشاركة المجتمعية في العمل المناخي، ناهيك عن الصعوبات المتعلقة بوضع السياسات الجديدة في هذا الصدد.
لهذا، أطلقت الحكومة المحلية لأوستن مشروع إنشاء شبكة من مراكز التكيف مع تغير المناخ الموزّعة حول المدينة، وذلك بميزانية 3 ملايين دولار مُقدّمة من الحكومة الفيدرالية عبر قانون خطة الإنقاذ الأمريكية وبالتعاون مع مديرية المدارس ومقاطعة ترافيس، إلى جانب منظمات تطوّعية ودينية ومؤسسات من القطاع الخاص.
تأتي هذه الخطوة ضمن نهجٍ قائمٍ على إشراك الناس في إيجاد الحلول، بدلاً من الاكتفاء بالدور الذي تلعبه الحكومة الفيدرالية. وهكذا، يأتي مركز التكيف مع تغير المناخ ليكون ملجأً آمناً مزوّداً بمصدر طاقةٍ احتياطيّ، ويحتوي على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والاستخدامات الأخرى، ويُقام في نقاط قريبةٍ من التجمُّعات السكنية، حيث يتم اختيار المواقع المناسبة لاستيعاب منظومة ألواح شمسية وبطاريات لتخزين الطاقة وخزانات لجمع مياه الأمطار، بمراعاة عوامل متعددة كالمخاطر المناخية ومؤشرات الضعف الاجتماعيّ، وباعتماد الإنصاف الاجتماعي معياراً أساسياً لاتخاذ القرار.
وقد تشاركت عدة كياناتٍ حكومية لاختيار 6 مراكز لاحتضان التجربة الأولية، بما فيها مكتب الاستدامة، وإدارة الأمن الداخلي والطوارئ، إلى جانب لجنةٍ استشاريةٍ من السكان المحليين وممثّلي قطاعات الصحة والتعليم والخدمات وغيرها، على أن يتم تخصيص نصف مليون دولار لتدريب الطواقم التي سيرأسها مسؤول يشغل منصباً مُستَحدثاً يُعرف بـ"الرئيس التنفيذيّ للتكيف مع تغير المناخ"، وستكون مهمته تنسيق العمل مع الإدارات ومساعدة المدن على التواصل وبناء الجاهزية ضدّ الكوارث.
ولإرشاد السكان إلى هذه المراكز وتعريفِهم بها، أنشأ الفريق موقعاً إلكترونياً خاصاً يضمُّ معلومات أساسيةً عن المراكز، كموقعها وخدماتها وجداول أنشطتها مع تحديثاتٍ دائمةٍ لحالتها. كما سيتم ربطُ الموقع بخطوط الاتصالات الخاصة بمكتب الأمن الداخليّ وإدارة الطوارئ.
وإلى جانب الدعم الذي تقدِّمه هذه المراكز خلال الكوارث وأثناءَها وبعدها، يمكن الاستفادة منها لاستضافة أنشطة مجتمعية أخرى في الأيام العادية.
سيشهد هذا العام تجربة المراكز الستّة الأولى، حيث سيتم استخدامُها لأغراضٍ كالتدفئة أو التبريد أو تقديم المعلومات أو توزيع الأطعمة والمياه أو الإيواء في حالات الطوارئ. بعدئذٍ، ستبدأ المرحلة الثانية التي ستبني على نتائج المرحلة التجريبية لاختيار المواقع الأنسب لتوسيع الشبكة ووضع بروتوكولاتٍ قياسيةٍ وتدريباتٍ خاصةٍ تنظم العمل في المراكز. وفي المرحلة الأخيرة، ستبحث أوستن آفاقَ استخدام المراكز في الحالات غير الطارئة عبر بناء الشراكات مع المنظمات الخارجية لإنشاء مراكزها الخاصة.
في هذه الأثناء، أعدَّ المكتب المركزيّ لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ استبياناً وقام بتحميله على موقعه الرسمي وتوزيعه على مختلف المؤسسات المحلية لتحديد تلكَ المهمة بتخصيص جزء من مساحتها لإقامة مركز من مراكز التكيف. كما يسعى الفريق إلى إقامة شراكاتٍ أكبرَ لزيادة الموارد وتوسيع الوصول إلى السكان وتبادل المعارف والخبرات.
لكنّ إنشاء المراكز لا يمكن أن يكون كافياً، ففي حالات الطوارئ وما يصاحبها من هلعٍ وغياب للمحاكمات المنطقية، تصبح الفوضى أمراً متوقّعاً، وخاصةً في ظلِّ نقص الموظّفين. ولتفادي حدوث ذلك، عزّز المكتبُ الرئيسيُّ المواردَ البشرية بإدراج وظيفتَين جديدتَين وإقامة شراكة مع الأوساط الأكاديمية عن طريق جامعة تكساس، واستضافة ورش العمل لمشاركة المعارف والتدريبات ومناقشة التحديات والآثار.
من شأن هذه المراكز أن تعزِّرَ الروابط المجتمعية وتزوّد الناس باحتياجاتهم الأساسية عند وقوع الكوارث. ولأنّ الهدف الأقصى هو بناء قدرة المجتمع ككل على التكيف مع تغير المناخ، وخاصة الفئات الأضعف، تتطلّع سلطات أوستن إلى إنشاء 30 مركزاً بحلول العام 2025، ومشاركة التجربة مع غيرها من المدن.
المراجع:
https://climatexas.tamu.edu/files/ClimateReport-1900to2036-2021Update
https://agupubs.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1029/2020EF001552
https://www.texastribune.org/2022/05/18/climate-change-texas/
https://community-powered-workshop.squarespace.com/resilience-hub-network
https://www.austintexas.gov/resiliencehubs
https://www.smartcitiesdive.com/news/resilience-hubs-network-austin-arpa/631979/
https://www.smartcitiesdive.com/news/austin-chief-resilience-officer-laura-patino/624337/
https://www.smartcitiesdive.com/news/chief-resilience-officer-cities-fight-climate-change/603529/