لندن تشرع باختبار إشارات المرور التي تمنح الأولوية للمشاة

لندن تشرع باختبار إشارات المرور التي تمنح الأولوية للمشاة

1 دقيقة قراءة
للوصول إلى منظومة نقل آمنة بالكامل، أطلقت سلطات لندن تجربة مبتكرة عبر إشارات المرور الذكية التي تتغيّر أضواؤها وفقاً لحركة المرور واقتراب المركبات أو المشاة، فتختصر الوقت وتزيد معدّلات السلامة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

للوصول إلى منظومة نقل آمنة بالكامل، أطلقت سلطات لندن تجربة مبتكرة عبر إشارات المرور الذكية التي تتغيّر أضواؤها وفقاً لحركة المرور واقتراب المركبات أو المشاة، فتختصر الوقت وتزيد معدّلات السلامة.

يشكّل النقل جزءاً جوهرياً من الحياة المعاصرة، ولم يكن في وسع العالم أن يكون كما نعرفه لو لم تُتِح السيارات والشاحنات نقلَ الأفراد والبضائع من شارعٍ لآخر أو من دولة لأخرى.

وبقدر فوائد منظومة النقل تأتي سلبيّاتُها، فالازدحام والتلوث وحوادثُ الطرق تحدياتٌ تواجه كلّ حكومةٍ في العالم، ولعلّها أكثر جسامةٍ في المدن الكبرى كمدينة لندن، خاصةً في أعقاب انتشار جائحة كوفيد-19. فقد أظهرت الاستطلاعات أنّ 31% من سكان لندن أصبحوا يفضّلون المشي على استخدام وسائل النقل للذهاب إلى وجهاتٍ معيّنة، وأنّ 57% منهم اكتسبوا عاداتٍ جديدةً كالتنزّه أو ممارسة الرياضة. لكنّ تجربة السير في شوارع المدينة قد تكون مرهِقةً بوجود أنواع مختلفةٍ من الممرات والسيارات المركونة في كلّ مكان إلى درجةِ أنّ الوصول إلى الرصيف قد يكون صعباً. ولم تتجاوز الإجراءات الحكومية وضعَ علامات التباعد الاجتماعيّ الذي يصعب الالتزام به على أرصفة لندن الضيقة.

لكنّ المشكلة الأكبر هي الوفيات والإصابات المرتبطة بحركة المرور، ويبدو أنّ الاستراتيجيات الحكومية قد ركّزت خلال العقدين الفائتين على تخفيف أعداد السيارات أكثر مما فكّرت بتحسين تجربة المشاة، فحظرت حركة المركبات الملوِّثة في بعض المناطق، ونشرت كاميرات المراقبة لضمان الالتزام باللوائح.

ووفقاً للأرقام الحكومية، فقد قضى 868 شخصاً حتفهم أو أُصيبوا بجروحٍ خطيرة في حوادث الطرق في لندن خلال العام 2020 وحدَه، مقابل 1350 ضحيةً في العام 2019.

لا تدّخر سلطات لندن، وخاصة هيئة النقل، جهداً لتغيير هذا الواقع، وقد تبنّت البلدية "استراتيجية النقل" التي تضمّنت هدفاً طموحاً يحدّد العام 2041 موعداً ليكون معدّل السلامة المرورية 100%.

بالنسبة لسلطات لندن، كالكثير من نظيراتها، لا يمكن عَدُّ الوفيات أو الإصابات في قطاع النقل أمراً حتميّاً أو حتى مقبولاً. يمثّل هذا المفهوم حجرَ الأساس الذي انطلقت منه "الرؤية الصفرية لوفيات الطرق"، وهي استراتيجيةٌ شاملة تهدف لتأسيس شبكة نقلٍ آمنةٍ وصحية، وتُطبَّق اليوم في بلدان كثيرة بمشاركة السلطات البلدية والوزارات والكيانات المسؤولة عن تصميم شبكات النقل وبنائها وتشغيلها وإدارتها، إلى جانب أجهزة الشرطة والمواطنين.

تقوم خطة عمل "الرؤية الصفرية" على 5 عناصر، حيث تأتي السرعات الآمنة أولاً، بمعنى تحديد حدود السرعات الأكثر ملاءمةً وفقاً للقدرة الاستيعابية لشوارع المدينة ومدى ازدحامها، وتطبيقِها على نطاقٍ واسع. أما ثانياً، فتأتي الشوارع الآمنة التي ينبغي تصميمُها بشكلٍ يضع السلامة المرورية قبل أيّ اعتبارٍ آخر، فيتم مثلاً تحويل التقاطعات التي تكثر فيها التصادمات. بعدئذٍ، يُضاف عنصر المركبات الآمنة الذي سيحدّ من الحوادث الناشئة عن خللٍ في المركبات، عبر وضع "المعيار العالميّ لسلامة الحافلات"، والذي طبّقته لندن على أسطولِها بالكامل، إضافةً لمعيار "الرؤية المباشرة" الجديد الخاص بمركبات البضائع الثقيلة. ويحتلّ العنصر البشريّ المرتبة الرابعة بعنصر السلوكيات الآمنة الهادف إلى الحدّ من الأخطاء التي يرتكبها مستخدمو الطرقات، عبر حملات التوعية والتعليم وتدريبات السلامة للسائقين والمشاة والدرّاجين. أخيراً، يأتي عنصر الاستجابة بعد الحوادث، والتي يتمّ تحسينُها بتطوير آليات تبادل المعلومات وتعزيز العدالة وتأمين الرعاية الكاملة لضحايا الحوادث.

اليوم، تطبِّق هيئة النقل تجربةً جديدةً في 18 ممراً من ممرات المشاة في أماكن متفرّقة من المدينة، وتقوم الفكرة على إعطاء الأولوية للمشاة، فبدلاً من انتظار أن تضيء إشارة المشاة باللون الأخضر إيعازاً لهم بعبور الشارع، ستكون إشارة المشاة الخضراء هي الوضع الافتراضيّ، ولن يتحوّل لونُها للأحمر إلّا حين يرصد جهاز الاستشعار اقترابَ مركبة.

لاختيار مواقع التجربة، درست الهيئة عدة عوامل، كملاءَمة إشارات المرور للتكنولوجيا الجديدة، والكثافة المرورية، والقرب من النقاط التي يتردد عليها المشاة كمراكز التسوق ومحطات المواصلات العامة والمدارس. واليوم، يجري العمل لنيل التمويل الحكوميّ طويل الأجل ولاختيار المواقع المناسبة لزيادة الممرات تدريجياً خلال السنوات المقبلة.

وقد نفّذت الهيئة عبر السنوات مشاريعَ هادفةً مثل إنشاء ممرات خاصة للدراجات وإغلاق الطرق أمام السيارات وإرساء البنى التحتية الخاصة بالمشاة وإضافة 77 ممراً جديداً أو مُحَسَّناً للمشاة ما بين العامين 2016 و2020، كما تجري الورش جولاتِ تفقّدٍ دوريةً لأكثر من 1000 ممرٍ سنوياً.

وكانت الحكومة قد حدّثت القانون الوطنيّ للطرق السريعة بحيث يتحمّل السائقون مسؤوليةً أكبر في حفظ السلامة الطُّرُقية، كما فرضت رسوماً يوميةً على شركات التعهُّدات والبنى التحتية مقابل إشغالِها لأرصفة الشوارع المزدحمة في أوقات الذروة، وذلك لتشجيع المقاولين على جدولة أنشطة البناء بشكلٍ لا يصادر الأرصفة التي يجري توسيعُها منذ عامين أو رفدُها بأخرى مؤقتة لتمكين التباعد الاجتماعيّ.

وفقاً للبيانات التي تم جمعُها خلال التجربة، فقد زادت حصة الإشارة الخضراء بحوالي 56 دقيقةً يومياً، فاختصرت قرابة 80 دقيقة من الانتظار اليوميّ للمشاة، كما ارتفع التزام المشاة بالإشارات بنسبة 13%، بينما لم تُلاحَظ أية تغييرات على التزام السائقين. وقد تبيّن أنّ الإشارات لم تؤثّر على حركة المرور، باستثناء تغييراتٍ طفيفةٍ في المدة التي تستغرقُها بعض الرحلات، إذ أصبحت رحلات الحافلات أطولَ بـ9 ثوانٍ، وحركة النقل العامة أطولَ بـ11 ثانية، في حين شهدت بعض المواقع تحسناً في مدة رحلات السائقين والمشاة الذين منحتهم الإشارات الذكية تجربةً أكثرَ سلاسةً وسهولة، تخدم الهدف الأبعد بجعل شبكة النقلِ أكثرَ أماناً.

المراجع:

https://futuretransport-news.com/green-person-authority-pedestrian-priority-introduced-in-london/

https://tfl.gov.uk/info-for/media/press-releases/2022/february/new-tfl-data-shows-success-of-innovative-pedestrian-priority-traffic-signals

https://www.technologyreview.com/2022/06/29/1054565/london-traffic-lights-pedestrians/

https://tfl.gov.uk/corporate/about-tfl/the-mayors-transport-strategy

https://tfl.gov.uk/corporate/about-tfl/how-we-work/planning-for-the-future/healthy-streets

https://tfl.gov.uk/corporate/safety-and-security/road-safety/vision-zero-for-london

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025

أعضاء على رقاقة … ثورة في اكتشافِ الأدوية والرعاية الصّحيّة

سعياً إلى توفير أدوية أكثر أماناً وفعالية، أثمرت جهود العلماء ابتكاراً سُمي "الأعضاء على الرقاقة"، يقوم على محاكاة العمليات الحيوية على مستوى خَلَويّ، ويَعِد بسدّ الفجوة بين النظرية العلاجية والتطبيق السريريّ.

 · · 30 ديسمبر 2024

توربينات رياح تحصد طاقة الأعاصير في الصين

ابتكرت مجموعة مينج يانج الصينية تقنيةً متطوِّرةً تمكنها من تسخير أكثر ظواهر الطبيعة قسوةً لتوليد طاقةٍ نظيفةٍ ومتجددة، وهي منصّة توربيناتٍ متمركزة في المياه العميقة تحوِّل طاقة الرياح البحريّة إلى كهرباء حتى أثناء الأعاصير الشديدة.

 · · 30 ديسمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right