تكنولوجيا مبتكرة لمعالجة تلوث الهواء في كوريا الجنوبية

تكنولوجيا مبتكرة لمعالجة تلوث الهواء في كوريا الجنوبية

1 دقيقة قراءة
بعد أن وضعت الهواء النظيف كواحدٍ من أولوياتها الوطنية، بدأت كوريا الجنوبية اتخاذ إجراءاتٍ عاجلةٍ لحماية صحة مواطنيها من التلوث، كالتعامل بصرامة مع مسبِّبات التلوث، وزيادة الغطاء النباتيّ، والتخلّي تماماً عن محرّكات الديزل، والانتقال إلى منظومة نقلٍ مستدامة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

بعد أن وضعت الهواء النظيف كواحدٍ من أولوياتها الوطنية، بدأت كوريا الجنوبية اتخاذ إجراءاتٍ عاجلةٍ لحماية صحة مواطنيها من التلوث، كالتعامل بصرامة مع مسبِّبات التلوث، وزيادة الغطاء النباتيّ، والتخلّي تماماً عن محرّكات الديزل، والانتقال إلى منظومة نقلٍ مستدامة.

في العصر الحالي، تحوّل تنفُّس الهواء النقيّ إلى ميزةٍ غير يصعب على معظم البشر التمنع بها، بعد أن بلغ التلوث مستوياتٍ تنذر بالخطر وذلك خصوصاً في المدن. ونظراً للمشكلات الصحية الناتجة عن تلوث الهواء، تعمل الحكومات حول العالم للتحرر منه.

في هذا الواقع، يُعدّ تلوّث الهواء أكثر الأزمات البيئية إلحاحاً، والمشكلةَ التي تتسبّب بأكثر من 7 ملايين حالة وفاة مبكّرة كلّ عام. لإيضاح الأمر أكثر، وصفُ الهواء النقيّ بالميزة يعني أنّ 90% من البشر يتنفّسون هواءً غير نقيّ، ويواجهون خطر الإصابة بالربو وأمراض القلب وسرطان الرئة. وكما يؤثّر في صحة البشر، يؤثر التلوّث في صحة الكوكب، وتعد الكثير من مسبّباتِ تلوث الهواء مسبّبات لتغيُّر المناخ أيضاً.

بديهياً، تزداد هذه الظاهرة حدةً في البيئات الحَضَرية، وتبدو أشدّ وطأةً في بعض البلدان منها في سواها، فهي تتناسب طرداً مع نمط حياة السكان وطبيعة الاقتصاد. لهذا، شهدت كوريا الجنوبية مثلاً واحداً من أعلى معدّلات تلوث الهواء العالمية، خاصةً في العاصمة سيؤول التي شهدت بين العامين 2009 و2013 أعلى متوسطٍ لتركيز الجسيمات الجوية العالقة بالهواء مقارنةً بمثيلاتها من العواصم الكبرى كباريس ولندن. ويقدّر الخبراء أنّ هذا التلوّث يقبع خلف 16% من الوفيات التي شهدتها المدينة في العام 2010 وحده، في حين بلغ مستوى المواد الجسيمية التي يقلّ قطرُها عن 2.5 مايكرومتر ضعف المستوى الموصى به عالمياً، وهي مواد تتغلغل في أعماق الرئتين والقلب والأوعية الدموية، وتشكّل كبرى المخاطر المُحيقة بصحة الإنسان.

ومع أنّ حالة الإغلاق التي صاحبت انتشار جائحة كوفيد-19 قد خفّضت تركيز ملوّثات الهواء الكوريّ بنسبة 27%، فهذا لا يلغي الظاهرة التي يسميها الكوريون بالغبار الناعم أو الأصفر، ولا يلغي العواصف الترابية التي تضرب كوريا حاملةً معها جزيئاتٍ ضارةً كالكبريت وأول أكسيد الكربون وغيرها من المواد المسرطِنة. وهذا لا يمسّ كوريا وحدها، بل ويشمل سائر منطقة شرق آسيا التي تعيش في حاجةٍ ماسةٍ إلى حلولٍ تنقذ مستقبلها.

لهذا، أخذت السلطات الكورية على عاتقها التزاماً جدياً بالحدّ من تلوث الهواء مستفيدةً من تفوّقها التكنولوجيّ. رؤية مهّدت الطريق لولادة العديد من الابتكارات النوعية.

بدايةً، وضعت الحكومة الكورية ما أسمته "الخطة الشاملة لإدارة الغبار الناعم"، وهي تنشد مجموعةً من الأهداف الطموحة، أبرزُها تقليل انبعاثات المواد الجسيمية التي يقلّ قطرُها عن 2.5 مايكرومتر بنسبة 35.8% بحلول العام 2022.

من ضمن الإجراءات، وضعت الحكومة لائحةً بالمناطق التي تضمّ المدارس أو دور الحضانة أو رعاية المسنّين، وصمّمت تدابير مكثّفة للسيطرة على الانبعاثات فيها وتحويلها إلى مناطق نظيفةٍ بأسرع ما يمكن. ثم فرضت قيوداً على استخدام المركبات ذات المحرّكات القديمة، وألزمت المنشآت التي تتسبّب بالكثير من الانبعاثات بساعات عملٍ معينةٍ لا يمكن تجاوزُها. كما أطلقت الحكومة خطة لزرع الأشجار المتجاورة على ضفاف الأنهار بهدف توجيه الهواء إلى قلب المدينة.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت العاصمة أنّ القطاع الحكومي وشبكة النقل العام سيكونان خاليين تماماً من محرّكات الديزل بحلول العام 2025.

ولحماية مستقبل البلاد، قرّرت السلطات تركيب أجهزةٍ خاصةٍ لتنقية الهواء في الفصول الدراسية في كلّ أرجاء البلاد وتخصيص مبالغ دعمٍ لاستخدام غاز البترول المسال في الحافلات المدرسية، حيث يعد أقل ضرراً بالبيئة.

ولأنّ الروبوتات جزءٌ لا يتجزأ من المشهد الكوريّ، فقد بدأت تلك المزوّدة بتقنية الاتصال من الجيل الخامس بجولات مسحٍ للمجمّعات الصناعية لمراقبة جودة الهواء وإرسال البيانات الحية لتتكامل مع تلك التي تجمعها الأقمار الصناعية. على سبيل المثال، تعمل 6 روبوتات على مدار الساعة ضمن مجمِّع صناعيٍّ أُسِّسَ في سبعينيات القرن الماضي، وهي مصحوبةٌ ببرج تحكّمٍ وأجهزة استشعارٍ موزّعةٍ و20 محطةً لمراقبة الهواء، كما يمكنها الكشف عن أيّ حادثٍ أو اندلاع حريقٍ أو انبعاث دخان. ومع تراكم هذه المعلومات تتحوّل إلى قاعدة بيانات ضخمةٍ يمكن الرجوع إليها.

وبينما تتابع الروبوتات الأثر البيئيّ على الأرض، ستعمل منظومة الطائرات بدون طيار على قياس جودة الهواء من الهواء نفسه، ومراقبة نِسَب الانبعاثات والجسيمات في قطاعي البناء والصناعة وعلى السواحل، حيث يمكن لكلٍّ منها أن تغطّي مساحة تصل إلى 4 كيلومترات. وبمجرد أن ترصد أيّ من هذه الأجهزة الذكية كثافةً مرتفعةً للملوّثات في أيّ نقطة، ترسل إخطاراً فورياً لمركز التحكّم ليتّجه المفتّشون ويتحقّقوا من حالة الموقع والتزام إدارتِه بالأنظمة واللوائح، وفي حال ضبط أي انتهاك، سيواجه القائمون على المنشأة الغرامات أو العقوبات الإدارية، أو حتى المساءلة القانونية.

وقد وعدت وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بتزويد السكان ببياناتٍ حيةٍ ومباشرةٍ عن جودة الهواء وعن 7 أنواع رئيسيةٍ من الملوّثات، وخاصةً بعد أن استغنت كوريا عن الأقمار الاصطناعيّة الأجنبية وأطلقت قمرها الخاص في العام 2020.

وتحاول كوريا التعاون مع الدول المجاورة التي تجمعها بها تقاطعات كثيرة مثل الصين، حيث بادرت كوريا باقتراح مشروعٍ مشتركٍ للحد من الغبار وإجراء تجربة الأمطار الاصطناعية لتخفيف مستوى الجسيمات.

إلى جانب تأسيس منظومةٍ متكاملةٍ لمراقبة جودة الهواء في مختلف أنحاء كوريا، تعلِّق الحكومة آمالاً كبيرةً على هذه المشاريع، وتتطلّع إلى زيادة المساحات الخضراء بنسية 30% بحلول العام 2030، والتمتّع بمنظومة نقلٍ مستدامةٍ بالكامل، وهواءٍ نقيّ، كما تتطلّع إلى مغادرة قائمة العواصم الأكثر تلوّثاً والانضمام إلى قائمة المجتمعات الأكثر صحةً والأطول عمراً.

المراجع:

https://tomorrow.city/a/seoul-air-quality-improvement

https://www.ccacoalition.org/en/news/south-korea-launches-first-satellite-global-constellation-monitor-air-quality

https://www.unep.org/news-and-stories/story/these-five-cities-are-taking-aim-air-pollution

https://m.me.go.kr/eng/web/index.do?menuId=464

https://www.unep.org/news-and-stories/story/five-cities-tackling-air-pollution

https://www.unep.org/news-and-stories/story/unep-partners-local-korean-governments-combat-air-pollution

https://www.ajudaily.com/view/20210215160939838

https://www.straitstimes.com/asia/east-asia/south-korea-pushes-for-artificial-rain-project-with-china-to-fight-particulate

https://www.smartcitiesworld.net/air-quality/air-quality/south-korean-capital-deploys-drones-to-fight-air-pollution-7226

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

كيف بنَت الصين أكبر شبكة شحن مركبات كهربائية في العالم

لأنها تطمح إلى تحويل قطاع النقل إلى منظومة صديقة للبيئة، تعمل الصين لجعل 40% من أسطولها البريّ كهربائياً. لتحقيق ذلك، أقرّت سياسات الدعم للمنتِجين والمستهلِكين، وتؤسس اليوم محطات الشحن في سائر البلاد، وتسعى لتعزيز المساواة بين المناطق الحَضَرية والريفية في مواكبة هذا التحوّل الثوري.

 · · 15 مايو 2023

توربينات الرياح العائمة ... دولٌ تجلب الطاقة من أعالي البحار

للاستفادة من مورد رياحٍ سخيّ تتيحُه مناطق المياه العميقة، بدأت دول كالولايات المتحدة وفرنسا واليابان بتركيب منصاتٍ عائمةٍ وسط البحار، تعلوها توربينات تولِّد الكهرباء من الرياح، مثبّتةً على قواعد مختلفة الأشكال، وفق الميزانية والعمق وتقدير الطاقة المولّدة.

 · · 25 أبريل 2023

مدن الدقائق الخمس عشر ... مدن اختارت حياة محلية مستدامة

لإعادة بناء المدن بشكلٍ أفضل، يلقى مفهوم "مدن الدقائق المحددة" رواجاً واسعاً من بوغوتا إلى برلين، ومن شنغهاي إلى سياتل.

 · · 25 أبريل 2023

ابتكارات جديدة لتعزيز الاستدامة في ميناء بوسان

بحثاً عن وسيلةٍ لحماية البيئة بدلاً من تدميرها، بدأت هيئة ميناء بوسان الكوريّ تنفيذ مشروعَين مبتكَرَين للاستفادة من زخم الحركة في الميناء الحيويّ، فاتجه الأول إلى توليد الطاقة من الضغط الناشئ عن شاحنات نقل البضائع التي لا تهدأ، وتوجّه الثاني إلى الاستفادة من ركام عمليات البناء في المدينة وإعادة تدويرِها كجزءٍ من مشاريع البناء والتوسيع في الميناء الضخم.

 · · 12 أبريل 2023

كوبنهاغن تختبر نظام إعادة تدوير عبوات الوجبات الجاهزة

أمام انتشار ثقافة الوجبات الجاهزة بعبواتها البلاستيكية، احتاجت سلطات العاصمة الدانماركية لنشرِ ثقافةٍ لا تقلّ عنها تأثيراً، ثقافة تراعي البيئة وتشرك الناس في إعادة تدوير مخلفاتهم.

 · · 12 أبريل 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right