كيف بنَت الصين أكبر شبكة شحن مركبات كهربائية في العالم

كيف بنَت الصين أكبر شبكة شحن مركبات كهربائية في العالم

1 دقيقة قراءة
لأنها تطمح إلى تحويل قطاع النقل إلى منظومة صديقة للبيئة، تعمل الصين لجعل 40% من أسطولها البريّ كهربائياً. لتحقيق ذلك، أقرّت سياسات الدعم للمنتِجين والمستهلِكين، وتؤسس اليوم محطات الشحن في سائر البلاد، وتسعى لتعزيز المساواة بين المناطق الحَضَرية والريفية في مواكبة هذا التحوّل الثوري.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لأنها تطمح إلى تحويل قطاع النقل إلى منظومة صديقة للبيئة، تعمل الصين لجعل 40% من أسطولها البريّ كهربائياً. لتحقيق ذلك، أقرّت سياسات الدعم للمنتِجين والمستهلِكين، وتؤسس اليوم محطات الشحن في سائر البلاد، وتسعى لتعزيز المساواة بين المناطق الحَضَرية والريفية في مواكبة هذا التحوّل الثوري.

يرتبط تطور الدول ونموُّها الاقتصادي برفاه مواطنيها وامتلاكهم لوسائل الراحة. وفي الدول المتقدِّمة، يعني هذا أن يحصل كلُّ مواطنٍ على عملٍ لائقٍ ومسكنٍ مريحٍ وأعلى درجات الرعاية الصحية وأجود الخدمات، وأن يحظى كذلك بحرية التنقُّل عبر سيارته الخاصة.

في الصين، أحد أقوى اقتصادات العالم وأسرعِها نمواً، تُرجِمَ هذا التوجُّه إلى قرابة 300 مليون سيارة تجوب طرقات البلاد يومياً. وفي حين يعد ذلك تجربة نقلٍ أفضل للمواطنين ودولةً تتمتّع بأكبر سوقٍ للسيارات في العالم، فهو ينطوي على مشكلات عديدة، أبرزها تلوّث الهواء الذي بلغ مستوياتٍ تنذر بالخطر، خاصةً في مراكز المدن، وكذلك التلوّث الضوضائيّ. فكلاهما يؤثران على صحة السكان والكوكب، نظراً للآثار المدمّرة التي تسبِّبُها انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ، لا سيما فيما يتعلّق بقضايا تغيّر المناخ.

ولأنّ الحكومة الصينية قد تعهّدت بجملة إجراءات لتحقيق الحياد الكربونيّ بحلول العام 2060، فلا يمكنها بحال من الأحوال الاستمرار في اعتمادها المفرط على الوقود الأحفوري.

كدولٍ عديدة، قرّرت الحكومة الصينية استبدال السيارات التقليدية بأخرى كهربائية. إلا أن المسألة لم تكن بهذه البساطة، فالمركبات الكهربائية أعلى تكلفةً بكثير، ما دفع الحكومة لتقديم إعاناتٍ ماليةٍ وقروضٍ سخيّة لتمكين مواطنيها من شرائها. لكن، حتى هذا الحل لم يكن نافعاً، نظراً لارتفاع أعداد المشترين وفروق الأسعار.

من جانبٍ آخر، لا بدّ من مراعاة عنصر الكفاءة، فبينما يستطيع سائق سيارة تقليدية التزوُّد بالوقود خلال 5 دقائق، يحتاج سائق المركبة الكهربائية للانتظار ليلةً كاملةً لشحن البطارية.

وأمام مشهدٍ يبدو أشبه بالمعضلة، جرّب صنّاع السياسات في الصين طريقة تفكيرٍ مختلفة، فبدلاً من التركيز على المستهلِكين، لماذا لا يجرِّبون التعاون مع المنتِجين أيضاً؟

من هنا، بدأت خطة رفع الدّعم التدريجيّ واستبداله بقانونٍ جديدٍ يُلزِم مصنِّعي السيارات بتخصيص نسبةٍ ثابتةٍ من مبيعاتهم للسيارات الكهربائية.

خلال العام، تكسب الشركة مجموعة نقاطٍ كلّما أنتجت مركبةً كهربائية، وتختلف هذه النقاط وفقاً لمجموعة معقّدة من المعايير، كنطاق السرعات والمسافات التي تستطيع قطعَها وكفاءة الطاقة والأداء وغيرِها. وفي حال أخفقت الشركة في جمع الحدّ الأدنى من النقاط المطلوبة منها، فقد تواجه عقوباتٍ مالية.

كما طالبت الحكومة هذه الشركات بدعم الإنتاج المحليّ واستخدام البطاريات التي تُنتِجُها الشركات الصينية المُدرجة على القائمة البيضاء، وهذا في مقابل الدعم الحكوميّ.

ولأنّ هدف الصين البعيد هو أن تشكِّل المركبات الكهربائية 40% من إجماليّ مبيعات السيارات بحلول العام 2030، فإنّ المتطلّبات والمعايير ستصبح أكثر صرامةً وتعقيداً كلّ عام.

بالطبع، تحتاج هذه النقلة إلى تغييراتٍ كبيرةٍ في البنى التحتية، فالهدف الصيني يعني وجودَ 20 مليون مركبةٍ كهربائيةٍ في البلاد في غضون عامين، ولا بدّ لها من محطات شحن. هذا ما يعمل عليه تحالف شحن السيارات الكهربائية، الذي تعمل ورَشُهُ ليل نهار على بناء مئات آلاف محطات الشحن في أرجاء البلاد. فأنشأت خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 1.7 مليون محطة، بعد أن كان عددُها أقلّ من 30 ألفاً، علاوةً على تركيب 2.6 مليون جهاز شحنٍ منزليّ خلال العام الفائت وحدَه. ومن الجدير بالذكر أنّ 40% منها هي أجهزة شحن سريع تستطيع ملء بطارية المركبة خلال 20 دقيقة فقط.

وقد راعى هذا النهج الشمولية، ففرضت الحكومة وجود مقبس موحّد في كلّ المحطات، ويمكن للسائقين شحن مركباتهم في أيّ محطة دون بطاقة أو اشتراك، حيث تتيح الآلية الدفع عبر تطبيقاتٍ إلكترونية.

في نقطةٍ معينة، تتداخل هذه الجهود مع المشروع الحكوميّ لإنعاش الريف، ذلك أنّ اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح أرادت إنشاء أكبر شبكة محطّات شحنٍ في العالم، لكن بشكلٍ تدريجيّ لتتمكّن من استيعاب النمو المأمول للمركبات الكهربائية، وهذا يتطلّب أيضاً أن تُقام هذه المحطات في مختلف المقاطعات والقرى، لا أن تتركّز في العاصمة والمناطق الساحلية المكتظّة. على سبيل المثال، يجب على المشاريع العمرانية الحديثة أن تراعي هذا التطور وتوفّر محطات شحن ومواقف خاصة في كلّ مجمّع سكنيّ يجري بناؤه. كما تقتضي الخطة تزويد محطات خدمات الطرقات السريعة بمعدّات للشحن السريع، خاصةً في المناطق ذات نِسَب التلوث المرتفعة، وتخصيص 10% من مواقف السيارات في المباني العامة الجديدة للشحن.

لاستغلال طبيعة المجتمع الصينيّ ورغبة الفئة الشابة بامتلاك سيارات صديقة للبيئة، تقدّم الحكومات المحلية في المقاطعات والمدن المختلفة تسهيلاتٍ كثيرةً، مثل تخفيض تكلفة رخص القيادة أو لوحات السيارات واستثناء المركبات الكهربائية من إجراءات تقييد حركة المرور التي تتخذها الصين منذ سنوات لمكافحة التلوث. كما يتيح السوق خياراتٍ متنوِّعةً باختلاف تفضيلات المستهلِكين واحتياجاتهم وأنماط حياتهم، من السيارات متناهية الصِّغَر إلى شديدة الفخامة.

يبدو أنّ هذه الإجراءات تؤتي ثمارَها، إذ تشير أرقام اتحاد السيارات الصينيّ إلى أنّ المواطنين اشتروا حوالي 3 ملايين سيارة كهربائية أو هجينة، وهذا يعني 15% من حركة سوق السيارات الإجمالية. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 77% بحلول العام 2040.

كما أن انتشار محطات الشحن ولّد اطمئناناً لدى المواطنين وزاد ثقتهم بصلاحية هذه المركبات للاستخدام الدائم. فبعد أن كانت الصين أكبر منتجي البطاريات فقط، هي اليوم تصنِّع المركبات نفسها وتصدِّرُها للعالم.

المراجع:

https://www.grid.news/story/global/2023/01/31/how-china-built-the-worlds-biggest-ev-charging-network-and-left-the-us-far-behind/

https://people.climate.columbia.edu/projects/view/732

https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-10-22/this-chinese-province-has-three-times-more-ev-chargers-than-all-of-the-us

https://www.wired.com/story/china-ev-infrastructure-charging/

https://www.igi-global.com/article/standardization-in-china/176445

https://www.protocol.com/bulletins/china-infrastructure-plan-ev

https://www.bbc.com/news/business-62825830

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس مستفادة من تجربة كيب تاون في تجنب أزمة المياه

تحرصُ المدن الكبرى على التخطيط والاستثمار لضمان توفير أهم مورد طبيعي لسكانها، وهو المياه، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ، الذي يؤثر سلباً على صعيدين. فهو يؤدي إلى شح المياه، وهو أيضاً يساهم في تعجيل التضخم السكاني بسبب الهجرة المتنامية لسكان القرى والأرياف نحو المدن، مع تراجع الظروف المناخية المناسبة التي تعتمد عليها الزراعة في بعض المناطق. في هذا السياق، تشكل مدينة كيب تاون حالة بارزة تستحق الدراسة في مواجهة هذا التحدي.

 · · 8 مايو 2024

نظم الإنذار المبكر: دروس من اليابان والصين لمواجهة الكوارث الطبيعية

في ظل الزيادة المتنامية في حدة ووتيرة الكوارث الطبيعية حول العالم خلال العقود الماضية، خاصة تلك المرتبطة مباشرة بتغير المناخ، أطلقت الأمم المتحدة في العام الماضي مبادرة "الإنذار المبكر للجميع" كإطار عمل لضمان حماية كل إنسان من خلال نشر نظم الإنذار المبكر بنهاية عام 2027. وبينما تتضافر الجهود لوضع الخطط وكيفية التعامل مع التحديات الكبيرة التي ستواجه هذه المبادرة، هناك تجارب مبتكرة ومتقدمة ثبت نجاحها في كل من اليابان والصين في هذا المجال، من شأنها المساهمة في تصميم استراتيجيات ونظم الإنذار المبكر حول العالم، ودعم مبادرة الأمم المتحدة بأفضل الممارسات.

 · · 8 مايو 2024

فرنسا تقدم علامة وطنية لمكافحة هدر الطعام

بدافع الالتزام البيئيّ والمسؤولية الاجتماعية، تسعى الحكومة الفرنسية لاحتواء ظاهرة هدر الغذاء عبر تثقيف المستهلكين بوصفهم مفتاح حلّ المعادلة، وسنّ قوانين تلزم المؤسسات بالتبرّع بالأغذية الفائضة، ومنح العلامة الوطنية للجهات التي تبذل جهداً أكثر تفانياً في رحلة مكافحة الهدر.

 · · 21 أبريل 2024

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right