روتردام تستخدم التكنولوجيا الذكية لإنقاذ المدينة من الغرق

روتردام تستخدم التكنولوجيا الذكية لإنقاذ المدينة من الغرق

1 دقيقة قراءة
لتحويل موقعها الجغرافيّ المحاذي للبحر إلى نقطة قوة، رسّخت مدينة روتردام الهولندية مكانتها كمختبرٍ للإدارة الذكية للمياه، حيث تدمج التكنولوجيا والتصميم الأخضر لتخضير أسطح بيوتها وتحويلها إلى حدائق في مواجهة مخاطر الفيضانات.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لتحويل موقعها الجغرافيّ المحاذي للبحر إلى نقطة قوة، رسّخت مدينة روتردام الهولندية مكانتها كمختبرٍ للإدارة الذكية للمياه، حيث تدمج التكنولوجيا والتصميم الأخضر لتخضير أسطح بيوتها وتحويلها إلى حدائق في مواجهة مخاطر الفيضانات.

عبر التاريخ، استقرّ الناس على الشواطئ للاستفادة مما تقدِّمه البحار من موارد اقتصاديةٍ ومواقع استراتيجية يمكن الدفاع عنها، فنشأت المدن الساحلية التي أخذت في الاتساع لاستيعاب النمو السكانيّ المتزايد في بيئةٍ مرحِّبةٍ تحمي السكان والموائل الطبيعية على حدٍّ سواء.

لكنّ هذه المدن هي خطُّ دفاعِ البشريةِ الأوّلُ في وجه آثار تغيّر المناخ، ففي حين تميّزها سماتٌ جغرافية خاصة، تواجهها مخاطر فريدة، كما هو حال مدينة روتردام الهولندية التي يقع 90% منها تحت مستوى سطح البحر، والتي– على حدِّ وصف أبنائها– شكَّلتها المياه من البحر والنهر والسماء وباطن الأرض، وتركتها تعاني بسبب جريان الأمطار الغزيرة وتداعي شبكة التصريف، فحتى الخزانات التي يفترض أن تكون جزءاً من الحل تتحول أحياناً إلى جزءٍ من المشكلة حين تمتلئ وتفيض.

ولأنّ موقع روتردام فيه من الخصوصية ما يكفي للإنتاج الابتكارات المبدعة، حيث احتضنت المدينة العديد من التجارب الذكية لإدارة المياه، مثل الحدائق التي تمتص المياه والبِرَكِ الاصطناعية التي تحتجزها، لكنّ كلّ هذا لم يعد كافياً، لذا بدأت سلطات المدينة البحث عن حلٍّ لإيجاد مساحةٍ إضافيةٍ تراعي التراث المعماريّ الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية.

أمام هذا الواقع، أطلقت حكومة روتردام مبادرةً سبّاقةً لتقديم الدعم الماليّ للسكان وأصحاب العقارات في القطاعين الحكوميّ والخاص للانضمام إلى شبكة الأسطح الخضراء والزرقاء، لتكون مساكنُ الناس وأماكنُ عملهم حاجزَ حمايةٍ لهم.

يبني هذا الحلّ على سمةٍ تتميز بها روتردام عن سائر المدن الهولندية، ففي حين تنتشر الأسطح الجلمونية مثلثة الشكل في معظم أنحاء البلاد، اختارت روتردام الأسطح المستوية التي تشكِّل – مجتمعةً – قرابة 14 مليون مترٍ مربّعٍ يعيش تحتَها 650 ألف نسمة.

يمكن لهؤلاء تركيبُ أسقف خضراء فوق منازلهم، ما يعني تغطية المبنى جزئياً أو كلياً بالنباتات التي تمنع تسرُّب المياه إلى داخل المبنى. خطوة قام بها آلاف السكان محوِّلين أسطح بيوتهم إلى حدائق إسفنجية، في حين اختار غيرُهم الحلّ الأزرق الذي يقوم على تجهيز الأسطح بخزّاناتٍ حافظةٍ للمياه مزوَّدةٍ بصمّامات تصريفٍ إلكترونيةٍ يمكن فتحُها أو إغلاقُها عن بُعد أو– في أكثر نُسَخها تطوّراً– عبر تطبيقٍ خاصٍ يتم تحميله على الهواتف الذكية. ومن خلال هذا الحل، يكون كلّ خزانٍ مرتبطاً بالبقية ومبرمجاً لتصريف المياه أو تخزينها تلقائياً بحسب توقعات الطقس. وللحصول على هذه التوقعات، قامت الحكومة بتركيب رادار الطقس فوق أعلى أبنية المدينة، وهو شديد الحساسية لدرجة أنّه قادرٌ على الكشف عن الأمطار على بُعد 16 إلى 20 كيلومتر.

بعد أكثر من عقدٍ من العمل، تبنّت وزارة الاستدامة رسمياً برنامج الأسطح متعددة الوظائف، وهو يشمل أيضاً خيار الأسطح الصفراء التي تولّد الطاقة النظيفة من أشعة الشمس. واليوم، أطلقت حكومة روتردام مهرجاناً باسم "أيامٌ على السطح"، وهو مجموعةٌ من الفعاليات الاجتماعية والحفلات الموسيقية والمعارض الفنية التي تُجرى على أسطح الأبنية لتنبّه الناس إلى الإمكانيات غير المُستغلّة في هذه المساحات.

بصورة عامة، تتخذ سياسات المناخ في هولندا طابع الاستجابة الطارئة، إذ تتسابق السلطات المحلية على إطلاق مشاريع المدن الذكية، ففي حين تسعى روتردام لتحقيق التكيُّف، تركّز العاصمة أمستردام، على الاقتصاد الدائريّ، وتتجه مدن أخرى لتأسيس منظومة نقلٍ منخفضة البصمة الكربونية أو لتحقيق التحوّل الكامل إلى الطاقة النظيفة والمستدامة أو لبناء المقاومة أو تضع لنفسها أهدافاً أخرى. لذا، تحرص الحكومة المركزية على وجود استراتيجيةٍ للتواصل بين المدن والأوساط الأكاديمية والمؤسسات البحثية والقطاع الخاص لمشاركة التجارب والأفكار والتحديات.

أبرز هذه التحديات هو نشر المشاريع على نطاقٍ واسع، فما من بندٍ في القوانين الوطنية يلزم المقاولين بتصميمٍ معيّنٍ للأسطح، والحكومة – التي تملك قلةً قليلةً من المباني – تدرك أنّ التوقيت الأفضل لتخضير السطح هو أثناء تشييد المبنى، أو على الأقلّ أثناء تجديده. وفي الوقت الراهن، تقدّم الحكومة دعماً مالياً بقيمة حوالي 350 دولار لكلّ مترٍ مكعّب من المياه يجمعها السقف الأخضر. ولزيادة الإقبال، أطلقت المدينة منصةً إلكترونية وخرائط تفاعليةً تتيح للسكان التحقّقَ من ملاءَمة أسطح بيوتهم للمواصفات الأساسية من المساحة وقوة التحمّل والمتانة، واختيارَ السطوح الخضراء أو الزرقاء أو الصفراء، ومعرفة مبلغ الدعم الذي يمكنهم الحصول عليه.

إذا كُتِبَ لها النجاح، ستقدّم تجربة روتردام نموذجاً ممتازاً للاستدامة الحضرية، حيث توفّر الأسطح الخضراء غطاءً نباتياً إضافياً وتنوعاً بيولوجياً متزايداً، بينما ستعزّز الأسطح الزرقاء الأمان من الفيضانات وتخزّن حوالي 10 مليون لتر من المياه، في حين ستولّد الأسطح الصفراء الطاقة المستدامة الصديقة للبيئة التي ستكفي لإنارة 27 ألف منزلٍ هولنديّ.

المراجع:

https://www.corporateknights.com/built-environment/rotterdam-uses-smart-tech-to-save-city-from-drowning/

https://amsterdamsmartcity.com/updates/project/resilio-amsterdam-blue-green-roofs

https://www.fastcompany.com/90755913/inside-rotterdams-quest-to-green-10-million-square-feet-of-rooftops

https://www.rotterdam.nl/english/multifunctional-roofs/

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025

أعضاء على رقاقة … ثورة في اكتشافِ الأدوية والرعاية الصّحيّة

سعياً إلى توفير أدوية أكثر أماناً وفعالية، أثمرت جهود العلماء ابتكاراً سُمي "الأعضاء على الرقاقة"، يقوم على محاكاة العمليات الحيوية على مستوى خَلَويّ، ويَعِد بسدّ الفجوة بين النظرية العلاجية والتطبيق السريريّ.

 · · 30 ديسمبر 2024

توربينات رياح تحصد طاقة الأعاصير في الصين

ابتكرت مجموعة مينج يانج الصينية تقنيةً متطوِّرةً تمكنها من تسخير أكثر ظواهر الطبيعة قسوةً لتوليد طاقةٍ نظيفةٍ ومتجددة، وهي منصّة توربيناتٍ متمركزة في المياه العميقة تحوِّل طاقة الرياح البحريّة إلى كهرباء حتى أثناء الأعاصير الشديدة.

 · · 30 ديسمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right