أوستن تواجه ظاهرة التشرّد بالابتكار الرقميّ

أوستن تواجه ظاهرة التشرّد بالابتكار الرقميّ

1 دقيقة قراءة
مع بدء انتشار جائحة كوفيد-19، أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالسماح للأفراد المفتقرين للحماية بأن يلزموا أماكنَهم لوقف انتشار الجائحة ولتسهيل الوصول إلى مقدِّمي الخدمات الصحية. آنذاك، ركّزت سلطات المدينة على إزالة النفايات حول المخيّمات وتزويدِ قاطنيها بالأساسيات الغذائية ومعدّات الحماية الشخصية من كماماتٍ وقفّازات وإقامة دورات مياهٍ وكبائنَ للنظافة الشخصية.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لمقاربة قضيةٍ اجتماعيةٍ ملحة، جمعت مدينة أوستن الأمريكية خبراء من مختلف هيئاتها الحكومية لتنسيق جهود إدارة مخيّمات المشرّدين وتلبية الاحتياجات الملحّة المتعلقة بالصحة والسلامة.

يمثِّل المسكن أحد أهم احتياجاتنا البشرية التي قد يُحرم البعضُ منها أو يخسرها لأسبابٍ اجتماعيةٍ أو اقتصاديةٍ أو بيئية، وهي في السيناريو الطبيعيّ تخرج عن إرادته وتدخله في دوامة التشرّد.

في الولايات المتحدة الأمريكية، يُسمى المشرّدون بـ "الفئة غير المرئيّة"، رغم أنّهم يمثّلون نِسَباً مقلقةً في معظم المدن، وقد تساهم عوامل كثيرةٌ في وصولهم إلى افتراش الأرصفة، مثل تفكُّك الأسرة أو فقدان التأمين أو تجاوز السنّ القانوني لنظام الرعاية الاجتماعية أو الإصابة بأمراض عقلية أو معاناة الإدمان. تتكامل هذه الحالات مع عوامل أخرى أكثرَ تجذُّراً كالفقر المتوارَث والعنصرية وفشل المنظومتَين التعليمية والجنائية وتعقيدات الحصول على المسكن والحفاظ عليه.

في مدينة أوستن، عاصمة مقاطعة ترافيس، بيَّن المسح السنوي الذي تجريه وزارة الإسكان والتنمية الحضرية بأنّ ما يزيد عن 2500 مشرّد يبيتون في الشوارع كلّ ليلة، ويقدِّر الخبراء نسبة المشرّدين في المقاطعة بقرابة 1%، يعيش قسمٌ كبير منهم في مخيّمات موزّعةٍ عبر المدينة، وهي ليست بالنسبة البسيطة، خاصةً وأنّ مركز هارفارد المشترك لدراسات الإسكان قد أشار إلى أزمةٍ حادةٍ في تكاليف السكن، نتيجة عجز متوسّط الدخل وسوق العقارات عن مواكبة الطفرة في أسعار الأراضي وأعداد السكان.

مع بدء انتشار جائحة كوفيد-19، أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالسماح للأفراد المفتقرين للحماية بأن يلزموا أماكنَهم لوقف انتشار الجائحة ولتسهيل الوصول إلى مقدِّمي الخدمات الصحية. آنذاك، ركّزت سلطات المدينة على إزالة النفايات حول المخيّمات وتزويدِ قاطنيها بالأساسيات الغذائية ومعدّات الحماية الشخصية من كماماتٍ وقفّازات وإقامة دورات مياهٍ وكبائنَ للنظافة الشخصية.

بعد انقضاء العام الأول من الأزمة، أطلقت المدينة مبادرةً لنقل قاطني المخيّمات إلى مساكن مؤقتة ريثما تُزيل الفِرَق الميدانية الخيام التي بات نصبُها جنايةً يعاقب عليها قانون الولاية، في حين عكفت لجنة ضمّت ممثلي 15 هيئة حكومية على وضع توصيات لتنسيق هذه الجهود.

وحيث خصّصت حكومة المدينة 84 مليوناً من ميزانيتها للعام 2023 لقضية التشرّد، فسوف تستثمر 6% منها في مشروعٍ يستهدف مخيّمات المشرّدين في الأماكن العامة. 

بناءً على توصيات اللجنة بوضع هيكل استجابة مركزيّ وتطوير وسيلة لمتابعة واقع المخيّمات، يتبنّى المشروع نهج تنسيق العمل للخروج بنتائج فعالة، ويستخدم أداةً جديدةً مزوّدة بقدرات التصوّر الجغرافيّ المكانيّ، ستعمل على مساعدة الناشطين على جمع معلومات كلّ مخيم، والوصول إلى الأفراد الذين يواجهون صعوبات تتعلق بالصحة والنظافة والسلامة، ومدّ قنوات الاتصال بين من يحتاجون المساعدة والهيئات التي ستقدِّمُها لهم.

وقد أفضت هذه الجهود إلى إنشاء فريق إدارة مخيّمات المشرّدين، الذي يتألف من 3 أقسام إلى جانب مجلسٍ قياديٍّ يحدد الأهداف ويضع الاستراتيجيات طويلة الأمد ويمنح موافقته على الأولويات وخطط الاستجابة والعمليات التي تقترحُها أقسام التخطيط والعمليات والسياسات.

يتولّى قسم التخطيط المراقبة الحثيثة لمخيّمات المشرّدين، ويستخدم الأداة التي تم تطويرُها لتصميم الخطوات المستقبلية، مع إعطاء الأولوية للصحة والسلامة ومراعاة التأثيرات الجانبية التي قد تلحق بالبنى التحتية والممتلكات والبيئة. 

وفي ضوء هذه المعطيات، يضع قسم العمليات الخطط التشغيلية، ويحدّد الاحتياجات والالتزامات والموارد الضرورية، وينفّذ الأعمال الميدانية من تنظيفٍ وإزالةٍ وإغلاقٍ للمخيمات.

ولتأخذ هذ الجهود شكلاً منظّماً على مستوى المدينة ككل، يصمم قسم السياسات البروتوكولات الخاصةَ بالعمل في ضوء الاحتياجات التي يحدّدها الفريق القياديّ. 

بالتزامن مع هذا، تعمل سلطات المدينة مع مطوِّرين تقنيين على إنشاء معرِّف رقميّ يعمل بتقنية "بلوكتشين"، يتيح للمشرّدين وسيلة آمنة لتخزين معلوماتهم الشخصية من وثائق رسميةٍ وأرقام ضمان اجتماعيّ وسجلاتٍ جنائيةٍ وطبية، والعودة إليها وقت الحاجة للحصول على خدمات الإسكان والتوظيف والرعاية الصحية وغيرها.

في السيناريو المعياريّ، يمكن للمستفيدين تحميلُ معلوماتهم على منصة رقمية، ليقوم التطبيق الذي يلعب دور "كاتب العدل الرقميّ" بالتحقق من صحتها قبل ترميزِها وحفظِها، ويتيح لمقدّمي الخدمات الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها فقط. 

كانت أوستن قد ساهمت بأكثر من 100 مليون دولار لتمويل مبادرة "تأمين المسكن"، وهي جزءٌ من قانون خطة الإنقاذ الأمريكية، وتهدف لإنشاء 1300 وحدةٍ سكنيةٍ ميسورة التكلفة لإيواء 3 آلاف نسمة بحلول نهاية العام 2024، كما وضعت المدينة هدفَ القضاء على التشرد أولويةً قصوى في خطتها الاستراتيجية التي تحدّد 5 عناصر رئيسيةً لهذا المسعى، وهي التوعية والإيواء، ومعالجة الفوارق الاجتماعية، وتقديم خدمات الإسكان والدعم، وتعزيز نظام الاستجابة، وبناء الالتزام المجتمعي لدى القطاعين الحكوميّ والخاص.

ستقدِّم هذه الأداة فهماً أفضل للظروف والمخاطر والاحتياجات في مخيّمات المشرّدين، ومن المأمول أن يحقق المشروع انخفاضاً في أعداد هذه الفئة وتراجعاً في حدّة المخاطر التي تتعرّض لها.

بدوره، سيتيح الحفظ الرقميّ للسجلات الشخصية الوصول المنظّم والآمن للبيانات والخدمات على حدٍّ سواء، وسيوفّر الكثير من التكلفة والوقت والجهد.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025

أعضاء على رقاقة … ثورة في اكتشافِ الأدوية والرعاية الصّحيّة

سعياً إلى توفير أدوية أكثر أماناً وفعالية، أثمرت جهود العلماء ابتكاراً سُمي "الأعضاء على الرقاقة"، يقوم على محاكاة العمليات الحيوية على مستوى خَلَويّ، ويَعِد بسدّ الفجوة بين النظرية العلاجية والتطبيق السريريّ.

 · · 30 ديسمبر 2024

توربينات رياح تحصد طاقة الأعاصير في الصين

ابتكرت مجموعة مينج يانج الصينية تقنيةً متطوِّرةً تمكنها من تسخير أكثر ظواهر الطبيعة قسوةً لتوليد طاقةٍ نظيفةٍ ومتجددة، وهي منصّة توربيناتٍ متمركزة في المياه العميقة تحوِّل طاقة الرياح البحريّة إلى كهرباء حتى أثناء الأعاصير الشديدة.

 · · 30 ديسمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right