تمثّل شبكة أعمدة الإنارة الذكية التي عمدت سلطات العاصمة الكورية سيؤول، إلى نشرها، طريقةً مبتكرةً ومنخفضة التكلفة لتحسين المظهر الحضري للعاصمة وتعزيز سلامة سكانها ورفاههم الاجتماعي. فإضافة لعملها كمصابيح للشوارع وأجهزة استشعار بيئية ونقاط لتزويد السكان بشبكة "الواي فاي"، تخطط السلطات إلى الاستفادة من هذه الأعمدة بطرق مبتكرة، كمحطات شحن للطائرات بدون طيار والمركبات الكهربائية، في إطار تعزيز مكانة سيؤول كأحد أهم المدن الذكية في العالم.
تسعى العديد من المدن الذكية حول العالم إلى تبني أحدث الابتكارات والتكنولوجيا التي تعود بالمنفعة على سكانها وتسهم في خفض التكاليف على الجهات الحكومية. ومع نموّ الحاجة إلى تطوير بنى تحتية في الشوارع تواكب متطلبات المدن الذكية، لجأت سيؤول إلى اعتماد أعمدة إنارة ذكية متعدّدة الوظائف، حيث تدمج عدة استخدامات في مكان واحد، ما يسهم في استغلال المساحات الصغيرة المتوفرة في أرجاء العاصمة بشكل أكثر كفاءة وتحسين المظهر العام للشوارع. وتتيح هذه الأعمدة تقديم عدة وظائف في آن واحد بعملها كمصابيح الشوارع، وإشارات المرور، وأجهزة استشعار بيئية، وعدّادات لقياس مستوى الازدحام، ومنصات لشحن للهواتف الذكية، ونقاط اتصال بشبكة "الواي فاي"، وكاميرات مراقبة، وتقنيات للكشف عن تجاوزات صف السيارات وغيرها. وفي أخر مبادرة لتطوير هذه التقنية، أضافت السلطات المعنية في سيؤول استخدامين جديدين إلى القائمة، وهما تجهيز الأعمدة بتقنيات لشحن المركبات الكهربائية وأخرى للطائرات بدون طيار، وذلك في سياق خطة المدينة لمراقبة الكوارث وجهود الإنقاذ باستخدام الطائرات بدون طيار.
انطلقت عملية تركيب الأعمدة الذكية في بداية عام 2021، حيث بدأت بنشر 26 عاموداً في ست مناطق مختلفة من المدينة. ومن المقرّر أن تستكمل هذه العملية حتى يتمّ تركيب 216 عاموداً ذكياً بحلول نهاية العام، علماً بأنّه تمّ تعديل وظائف كلّ منها مع احتياجات الموقع الذي تُقام فيه.
ففي منطقة حديقة "هانغانغ" (Hangang) مثلاً، سيتمّ تركيب أعمدة ذكية مزوّدة بكاميرات مراقبة، التي من المتوقع أن تعزّز سبل الاستجابة للطوارئ من خلال قدرتها على الكشف عن الأصوات غير المألوفة، بحيث تدور الكاميرا فور صدور أي صوت غير مألوف إلى الناحية التي صدر منها لتصوير المشهد. كما ستضيف المدينة أيضاً إلى الأعمدة مصابيح التنبيه الذكية التي تصدر أصواتاً أشبه بصفارات الإنذار لتتيح للناس طلب النجدة والحصول على المساعدة عند اللزوم. وتمهيداً لعملية التوسّع في المشروع، عملت سلطات سيؤول على تركيب عشرة نماذج من الأعمدة الذكية المرنة، بحيث يمكن تفعيل الوظائف فيها وفقاً لاحتياجات البيئة المحيطة. ومن أهم ما يميز المشروع أنه ذو تكلفة منخفضة، حيث صرحت منطقة "سيونغ دونغ" في سيؤول أنها حققت وفورات تراوحت ما بين 12% و21% خلال تطبيق المشروع.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر وجود هذه الأعمدة في شوارع سيؤول ومقدرتها على شحن المركبات الكهربائية عاملاً لدفع كوريا الجنوبية نحو تحقيق الأهداف البيئية التي وضعتها لنفسها، خصوصاً أن الحكومة تواجه تحديات كثيرة في هذا المجال نظراً لاعتماد البلاد على الوقود الأحفوري وخصوصاً الفحم ما يجعل مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن البلاد مرتفعة دولياً.
وفي سياق تنفيذ المشروع، وضعت سلطات سيؤول مبادئ توجيهية لبناء الأعمدة الذكية وتشغيلها لكلّ نموذج منها بغرض تفصيل خطط التركيب والصيانة، وحدّدت فيها معايير دمج مرافق الطرقات وتطويرها في مختلف أرجاء المدينة للمحافظة على المظهر الحضري وتحسينها بما يناسب حركة المشاة. كما تشير هذه المبادئ إلى ضرورة إجراء مسح أولي أثناء مرحلة التخطيط في الموقع المراد إنشاء الأعمدة الذكية فيه لتحديد طريقة تطوير عامود ذكي واحد تُدمج فيه كل الوظائف المطلوبة.
وبعد وضع هذه المبادئ التوجيهية، نظّمت سيؤول جلسات خاصة عبر الإنترنت لتقديم ملخص عن تجربتها في هذا الصدد، وعرض نموذج معياري من الأعمدة الذكية، وخطط تشغيلها للحكومات المحلية الكورية في المدن التي أبدت اهتماماً بالمشروع، وذلك لدعم تطبيق تجارب مماثلة في مختلف أنحاء البلاد. ووفقاً للسلطات المعنية بتحويل سيؤول إلى مدينة ذكية، فإنّ مشروع الأعمدة الذكية باختصار يمثل مرفقاً أساسياً من شأنه أن يوفّر خيارات سلسة ومنخفضة التكلفة لتزويد المدينة وسكانها بالعديد من الخدمات مع المحافظة على المظهر الحضري.
المراجع:
