لنقل عمل أجهزة إنفاذ القانون إلى مستوى جديد، خاضت إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا الأمريكية رحلةً طويلةً للبدء باستخدام المسيّرات في عملها، فترسلها إلى مواقع الحوادث قبل عناصر الشرطة كي تجمع المعلومات الهامة والأدلة الجنائية وتدعم اتخاذ القرار.
منذ أن ظهر اختراع المسيّرات، وجد فيها البعض وسيلةً لتصوير الأماكن من علوّ أو لإيصال بعض المواد الغذائية أو الدوائية إلى مناطق نائية، فيما يجادل آخرون بأنّ أهمّ ما فيها قدرتُها على التوجّه إلى المواقع الخطيرة حيث لا يمكن التضحية بإرسال البشر.
المقصود بعبارة "المواقع الخطيرة" هنا لا يقتصر على أرضٍ مرّ بها زلزال أو غابةٍ التهمها حريق، بل يشمل أيضاً مسارح الجرائم أو نقطةً يُحتجَز فيها رهائن أو يتجمّع فيها مهرِّبو الممنوعات أو منطقةً فُقِد فيها طفل. وقد تكون الحالات أبسط بكثير، كأن يتلقّى الضابط المناوب مكالمتَين في وقتٍ واحد، ويضطرّ للاستجابة لإحداهما فقط. مواقف صعبة يعرفها المجتمع الأمريكيّ جيداً لأنّه شهد العديد منها، وفي أحيان كثيرة، لم يستطع عناصر الشرطة الوصولَ في اللحظة المناسبة أو تخفيف حدّة التصعيد أو إنقاذَ الضحايا أو الدخول إلى أبنيةٍ قد تتضمّن متفجّرات أو أسلحة نارية.
في مقاطعة سان دييغو، طوّرت إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا برنامجاً مبتكَراً يستخدم المسيّرات في الاستجابة لحالات الطوارئ وتزويد الضباط بما يلزم لاتخاذ الإجراء المناسب. تتولّى هذه الإدارة مسؤولية حماية أكثر من 270 ألف إنسان من سكان المدينة، الذين اعتادوا على رؤية 29 طائرةً بدون طيار تحلّق فوق منازلهم لـ10 ساعاتٍ كلّ يوم.
تعود بوادر هذا المشروع إلى تشكيل الإدارة ما أسمته لجنة النُّظم الجوية ذاتية القيادة لتدرسَ آفاق استخدام التكنولوجيا لترقية عمليات السلامة العامة ووضع الممارسات والسياسات المثلى. وركّز عمل اللجنة على تأسيس الثقة وحفظ الحريّات المدنية والخصوصية مع زيادة الأمان.
وبعد أن وصلت اللجنة إلى مسوّدةٍ للخطة، نشرتها عبر وسائل الإعلام، وأقامت المناقشات مع العامة في المنتديات وعلى موقعها الرسميّ وعبر وسائل التواصل الاجتماعيّ والبريد الإلكترونيّ، للاطلاع على آرائهم ومخاوفهم، خرجت منها بقاعدةٍ أساسيةٍ لا يمكن التراجع عنها، وهي أن تحظر سياستُها استخدامَ المسيَّرات للمراقبة العامة أو عمليات التفتيش الدورية.
وبعد سنواتٍ حصرت خلالَها إدارة الطيران الفيدرالية عملَ المسيّرات في نطاق رؤية المشغِّلين، حصلت إدارة شرطة تشولا فيستا على أول استثناءٍ لإرسال الطائرات إلى ما يسمّى "أبعد من مرمى البصر"، ما يعني تمكينَها من قطع رحلاتٍ أعلى لمسافاتٍ أطول. وفيما بعد، انضمّت مئات الهيئات الحكومية إلى برنامج "المسيّرات كفِرَقٍ للاستجابة الأولى"، حيث يتمّ إرسالُها إلى مواقع المتصلين بخدمة الطوارئ أثناء المكالمة.
لهذا الغرض، زُوِّدت الطائرات بكاميراتٍ تستطيع تسجيل مقاطع فيديو عالية الدقة، وهي مرتبطةٌ لاسلكياً بمركز العمليات، حيث تُعرض تلك اللقطات مباشرةً على شاشة المسؤول المناوب وعلى هواتف المستجيبين والمشرفين أينما كانوا، إذ يتميّز هذا البرنامج بكونه استباقياً لا رجعياً.
في سيناريو افتراضي، قبل أن تدخل قوات الشرطة إلى أيِّ موقعٍ مشبوه، يمكن الاستعانة بطائرةٍ بدون طيار لتقومَ بجولةٍ أعلى المكان وتبيِّنَ أماكن وجود المعتدين أو الضحايا أو المواد الخطيرة، وتساعد الضابط المسؤول على تحديد أولويات المهمة أو التواصل مع العناصر الموجودين على الأرض وتزويدهم بالمعلومات والخطوات القادمة.
وحين تقع جريمتان متزامنتان، ولا يوجد سوى ضابطٍ واحد، وكانت الأولى عملية سطوٍ مسلَّحٍ مثلاً، والثانية حادثة نشلِ حقيبة، يمكن للضابط التوجّه إلى موقع السطو وإرسال مسيَّرةٍ لتعقّب النشّال خلسة.
أما في الأوضاع بالغة الخطورة، فيمكن استخدام مسيّرةٍ تطير على ارتفاعٍ يفوق 130 متراً بحيث لا ينتبه أحدٌ تقريباً إلى وجودها.
ومن الجدير بالذكر أنّ 1500 من إدارات الشرطة في الولايات المتحدة تستخدم المسيَّرات في عمليات البحث والإنقاذ ومطاردة المشتبه بهم وتوثيق مسارح الجرائم. ومن المتوقّع أن تسمح بها إدارة الطيران الفيدرالية بشكلٍ كاملٍ في الفترة المقبلة.
ما يزال هذا المفهوم في مراحله الأولى، لذلك تتعدّد التحديات أمامه، أبرزُها تعقيد البيئة الحضرية إلى درجةٍ قد تجعل التحكّم بالمسيّرات صعباً.
لتحقيق فاعليتها الحقيقية، تحتاج المسيّرات إلى بنيةٍ تحتيةٍ مناسبةٍ ولوائح سلامةٍ صارمة، خاصةً بالنظر إلى مخاوف نسبةٍ لا يُستهان بها من الجمهور، حيث يرى هؤلاء أنّ نقلةً من هذا النوع تحتاج إلى وقتٍ أطول ونقاشاتٍ أكثر شمولاً وضماناتٍ أكثر موثوقيةً للحفاظ على خصوصية الناس وحرياتهم.
على المقلب الآخر، تعمل هذه المسيّرات في تشولا فيستا منذ 3 سنوات، لعبت خلالَها دور المستجيب الأول في أكثر من 8400 حادثة منفصلة توزّعت بين أعمال الشغب والعنف المنزليّ وحوادث السيارات، كما ساعدت في القبض على أكثر من 950 مطلوبٍ للعدالة، وسجّلت لقطاتٍ مهمةً أُعيدَ استخدامها خلال المحاكمات الجنائية ما حسَّن معدّلات الإدانة.
وقد بلغ متوسّط وقت استجابة المسيّرات للمكالمات ذات الأولوية القصوى 3.9 دقيقة، مقارنةً بـ6.3 دقيقة وصل إليها متوسط سرعة وحدات الشرطة. أما في حالات الأولوية من المستوى الثاني، فبلغ متوسط وقت الاستجابة 6.2 دقيقةً مقارنةً بـ10.5 دقيقة لوحدات الشرطة. تشير الأرقام إلى أنّ مشغِّلاً واحداً فقط يمكنه مساعدة المسيّرات على التحقُّقَ من رُبع المكالمات الواردة إلى قسم الشرطة دون إرسال أيّ فريق، ما يعني الحفاظ على الموارد وتوفير التكاليف التشغيلية وزيادة كفاءة أجهزة إنفاذ القانون وسلامة عناصر الشرطة وحماية المجتمع.
المراجع:
- https://www.chulavistaca.gov/departments/police-department/programs/uas-drone-program
- https://www.westerncity.com/article/chula-vistas-high-flying-first-responder-reduces-costs-and-response-times-improves-de
- https://www.technologyreview.com/2023/02/27/1069141/welcome-to-chula-vista-where-police-drones-respond-to-911-calls/