حلول يابانية مبتكرة استعداداً لمواجهة ظاهرة التسونامي

حلول يابانية مبتكرة استعداداً لمواجهة ظاهرة التسونامي

1 دقيقة قراءة
بعد تسونامي، تعزز اليابان مرونة مدنها بالهندسة وآليات الإخلاء والتحذير. تترافق الكوارث الطبيعية بظواهر خطرة أخرى. تسونامي تُصاحبه زلازل وانهيارات. الجهود تشمل نقل المراكز وبناء السدود. الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتنبؤ والبنى التحتية النووية. الهدف هو الاستفادة من الطبيعة دون المساس بها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

بعد تجربة مأساوية مع كارثة التسونامي، تعمل حكومة اليابان منذ سنوات على تحسين مقاومة مدنها عبر الحلول الهندسية مثل التصميم المُحسَّن للأبنية والجدران الضخمة، كما تعمل على ترقية آليات الإجلاء وتحذير السكان من اقتراب الكارثة.

الكوارث الطبيعية غالباً لا تأتي فرادى، إذ تصاحبها وتنشأ عنها ظواهر أخرى لا تقلّ خطورةً. ولعل ظاهرة تسونامي خير مثالٍ على ذلك، فهذه الموجات المحيطية الهائلة قد ترافق الزلازل أو الانهيارات الأرضية أو حتى ثوران البراكين.

تحمل هذه الحوادث– على نُدرتها– آثاراً مدمّرةً حين تضرب منطقةً ساحليةً مأهولةً بالسكان، حيث ترتفع الأمواج لعشرات الأمتار حاملةً أطناناً من المياه تجرف كلّ ما يعترض طريقها. وهذا بالضبط ما حدثَ في العام 2011 شرقيّ اليابان، عقب زلزالٍ هو الأقوى في تاريخ البلاد، بلغت شدته 9 درجات، تَبِعه أعتى تسونامي، بأمواجٍ فاق ارتفاعُها 40 متراً ضربت عدة بلدات على ساحل المحيط الهادئ، وخاصة ضمن منطقة توهوكو. ولأنّ السلطات المحلية تلجأ لأنظمة الراديو لإخطار السكان بضرورة الإخلاء، أجرت وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات استبياناً في أعقاب التسونامي، لتجدَ أنّ 35% من المتضررين لم يسمعوا الإخطار عبر مكبرات الصوت.

وفي نقطةٍ ما شمال غرب المحيط الهادئ، يمتدّ خندق كوريل الخطر، وهو منخفض عميق وضيق ناتج عن تقارب صفيحتين تكتونيتين. وعلى امتداده، لا يمكن المخاطرة ببقاء سكان المناطق الساحلية في أماكنهم، ففي حال وقوع الإعصار، لن يكون أمامهم أكثر من 10 دقائق للتوجّه إلى أماكن آمنة، وهذا غير كافٍ في التجمّعات الكبيرة.

وأمام هذه التحديات، تكثّف حكومة اليابان جهودها للتأهب، فنفّذت عبر السنوات سلسلة من المشاريع أبرزُها نقل المراكز السكانية بعيداً عن السواحل قدر المستطاع، وتشييد السدود كسدّ فوداي الذي يمثّل خط دفاع يحمي البلدة من المياه الجارفة.

وبعد عقدٍ على الكارثة، وضعت خطة جديدة للسنوات العشر القادمة تهدف لتقليل عدد ضحايا أي زلزال قد يحدث على امتداد خندق كوريل بنسبة 80%. بدايةً، حدّدت الحكومة المناطق الأكثر عرضة للخطر، وهي عبارة عن 108 مناطق تتنوّع بين بلدة ومدينة وقرية موزَّعة على 7 محافظات.

من بين هذه المناطق، كانت مدينة تشوشي في محافظة تشيبا، التي تنشئ طرقاً خاصةً لإجلاء السكان، وأبراجاً يحتمون بها، حيث أن كلمة السر في تقليل الخسائر البشرية هي الاحتماء في مواقع مرتفعة. فيما تعاونت مدينة سينداي في محافظة مياجي مع شركات خاصة عالمية ومحلية لاستخدام التكنولوجيا في تأسيس اتصال موثوق وفعّال مع السكان، مثل استخدام طائرتين مسيّرتين من دون طيار، تتفوقان على المروحيات من حيث السرعة، وتستطيعان التحليق على ارتفاع 50 متراً لمسافة 8 كيلومترات، لحثّ الناس على مغادرة المواقع المعرّضة للخطر.

جاءت هاتان الطائرتان نتيجة اختبارات وجهود مكثّفة لتطوير شبكة اتصالات خاصة بهما وغير معرّضة للانقطاع حتى في حالات الكوارث، تحمل كلّ منهما كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتلتقط الصور لموقع الكارثة وترسلها إلى مركز الاستجابة للكوارث الواقع في قلب المدينة، ليتسنّى للمعنيين تقييم الأضرار في المناطق المنكوبة فوراً.

وقد احتضنت مدينة كاواساكي تجربة تكنولوجية أخرى، حيث تعاونت سلطاتُها المحلية مع مؤسسات خاصة وأكاديمية لتطوير استخدام الذكاء الاصطناعيّ للتنبؤ بإعصار تسونامي ووضع خطط الاستجابة. تقوم الفكرة على الجمع بين نموذجَي محاكاة، الأول هو إعصار تسونامي يقترب من المدينة، وهو يعتمد على حواسيب عملاقة تقدّم تمثيلاً دقيقاً لديناميكيات الفيضان بالاعتماد على البيانات التي تجمعها أجهزة الاستشعار البعيدة عن الشاطئ، والتي تقدّر مثلاً ارتفاع الموجة أو الوقت الذي تستغرقه للوصول إلى المناطق المأهولة. أما الثاني، فهو نموذج الإجلاء الذي يحاكي سلوكيات البشر في حالات كهذه ووتيرة حركتهم وطريقة تعاطيهم مع المعلومات والإرشادات، وذلك لتصميم خططٍ تراعي كلّ هذه المعطيات.

ولتأسيس قنوات للإنذار المبكّر لإجلاء السكان بسرعة، عملت الحكومة على تطوير أنظمة الإنذار الدولية التي يرافقها بث إذاعي وتلفزيوني وشبكة أكثر كثافة من مكبّرات الصوت. وفي المرحلة المقبلة، سيجري العمل مع أجهزة الشرطة والإطفاء لتبادل المعلومات حول الطرق غير السالكة ومواقع انتشار الحرائق أو انقطاع الكهرباء.

ولئلا تؤدي الكارثة إلى كوارث أخرى، تلتزم الحكومة منذ سنوات بتشييد المنشآت النووية بعيداً عن السواحل، وتصميمها بحيث تنتقل إلى الوضع الآمن بمجرد استشعار الزلزال.

تبقى الحلول الهندسية أكثر فاعلية، كترك الطوابق الأرضية من الأبنية خاليةً أو تزويدها بممتصات الصدمات الضخمة والجدران المنزلقة والأساسات المُدَعَّمة لتمكينها من تحمُّل الضغط والاهتزازات العنيفة.

وفي بعض الحالات، وجدت الحكومة الحلّ ببناء أسوارٍ يتجاوز ارتفاعُها 10 أمتار تحمي المناطق المكتظة بالسكان، أو بتصميم بواباتٍ ضخمةٍ مُعَدّةٍ لمقاومة الفيضانات، قد تعلو حتى 15 متراً، لتغيّر مسار الأمواج بعيداً عن البنى التحتية الحيوية والمراكز السكانية.

لكنّ ثمة احتمالاً بألا تجدي أيٌّ من هذه الجهود إذا اتسع نطاق الكارثة، كما أنّ التنبّؤ بهذا النوع من الكوارث غير ممكن علمياً، لهذا تركّز الحكومة اليوم على تصميم بنى تحتية سهلة الصيانة. وقد أظهرت التجربة أنّ الجدران البحرية غير فعالة في حماية المدن، غير أنها تولّد شعوراً بالاطمئنان لدى السكان. ويعدُّ هذا بالنسبة لحكومة اليابان سبباً كافياً لبقائها ضمن أهمّ تدابير الحماية، الآن على الأقل.

ستدعم الطائرات المسيّرة من دون طيار جهود الإنقاذ وتخفّف وطأة الكوارث، كما سيساهم تدعيم الأبنية زلزالياً في صمودها أمام الأعاصير وإن بدرجة محدودة. أما نماذج الذكاء الاصطناعيّ، فتؤمن قاعدةً مرجعيةً يمكن البناء عليها لوضع خطط إجلاء أكثر فاعلية وتقليل حالات الازدحام والذعر. كلّ هذه المحاولات ما هي إلا خطوات أولى تقطعها حكومة اليابان لحماية مواطنيها دون إعاقة مسار الطبيعة.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

فرنسا تقدم علامة وطنية لمكافحة هدر الطعام

بدافع الالتزام البيئيّ والمسؤولية الاجتماعية، تسعى الحكومة الفرنسية لاحتواء ظاهرة هدر الغذاء عبر تثقيف المستهلكين بوصفهم مفتاح حلّ المعادلة، وسنّ قوانين تلزم المؤسسات بالتبرّع بالأغذية الفائضة، ومنح العلامة الوطنية للجهات التي تبذل جهداً أكثر تفانياً في رحلة مكافحة الهدر.

 · · 21 أبريل 2024

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right