لقد تصدر تحد تلوث الهواء أجندات العديد من الحكومات حول العالم، نظراً لما تشير إليه الدراسات حول أثره السلبي المباشر على صحة البشر، حيث قامت دراسة حديثة في المملكة المتحدة بالكشف عن أثر تلوث الهواء الكبير على تدهور الصحة النفسية. وبغية التصدي لهذا التحدي البيئي، أطلقت العاصمة الإيرلندية، دبلن، بالشراكة مع شركة "غوغل" (Google)، مشروعاً مبتكراً لقياس جودة الهواء بشكل يغطي جميع شوارع المدينة.
وفي سياق الجهود الهادفة إلى التصدي للتحدي المتمثل في تلوث الهواء في المدن وآثاره السلبية على البيئة والسكان، اتخذت المملكة المتحدة عدّة خطوات نحو خفض مستوى التلوث الهوائي وذلك من خلال إجراء البحوث ووضع ميزانيات لتعزيز المبادرات الخاصة بتحسين جودة الهواء وإطلاق برامج لتوعية المعنيين. ومن أهم الوسائل التي اتبعتها في قياس جودة هواء المدن هي إنشاء شبكات مكونة من أجهزة استشعار موزعة على عدة أبنية ذات مواقع استراتيجية تعمل على جمع المعلومات حول مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون وغيرها من الغازات الضارة، بالإضافة إلى إحصاء عدد ذرات الغبار والجسيمات الأخرى العالقة في الجو.
ولكن المدن قد تتكبد تكاليف باهظة لنشر أجهزة استشعار تغطي جميع أحيائها وشوارعها، خصوصاً في العواصم والمدن الكبرى. ولذلك توجهت دبلن نحو استخدام ابتكار مختلف عن أجهزة الاستشعار المثبتة، حيث استعانت بمركبات متجولة تجوب الشوارع واحداً تلو الأخر لتكوين صورة شاملة عن جودة الهواء في المدينة. وقد جاء ذلك في إطار حملتها لإيجاد حلول للتحديات الناجمة عن تلوث الهواء وتغير المناخ معاً ضمن برنامج "دبلن الذكية"، حيث تعاون مجلس مدينة دبلن مع شركة "غوغل" التي كانت بدورها قد أطلقت مشروعاً ضخماً لدراسة جودة الهواء ونوعية الملوثات المنتشرة فيه في عدّة مدن حول العالم.
وعملياً يتضمن المشروع خطة لتسيير سيارات كهربائية خاصة لا تتسبب في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومجهزة بكاميرات "غوغل" المخصصة لمسح المساحات بصرياً، بالإضافة إلى أجهزة استشعار مثبتة في مقدمتها لقياس جزيئات "ثاني أوكسيد النيتروجين" و"أوكسيد النيتروز" و"ثاني أوكسيد الكربون" و"أول أوكسيد الكربون" والجزيئات الصغيرة العالقة في الهواء و"غاز الأوزون"، حيث أن جميع هذه العناصر تعتبر مضرّة بصحة الإنسان والمناخ عندما تتواجد بنسب عالية. ومن ثم تعمل المنصة الإلكترونية على تحليل مستوى كثافة هذه الغازات في الهواء. كما زُودت السيارات بمعدات خاصة لقياس معدلات "غاز الميثان" بهدف تحديد مصادر انبعاثه أو تسربه في شوارع دبلن.
وفي نهاية المطاف، يتم إرسال جميع هذه البيانات من السيارات إلى سحابة "غوغل" حيث يتم تحليلها بشكل أكثر تفصيلاً من قبل فريق العلماء المشارك، فيما يتولّى فريق عمل "غوغل" وضع خريطة مفصلة تكشف عن نسبة تلوث الهواء في كل شارع في المدينة. ويتم عرض هذه النتائج بما تشمله من البيانات والتحليلات المعمقة على موقع خاص لتستفيد منها "برامج النقل الذكي" المحلية والعالمية والهادفة لخفض الانبعاثات الملوثة والتخطيط لوسائل النقل النظيفة أو الأقل ضرراً على البيئة.
وتحقيقاً للهدف الذي وضعته دبلن للمبادرة، ستتوفر جميع هذه البيانات والتحليلات أمام صناع القرار والجهات الأكاديمية والعلمية والمنظمات غير الربحية والسكان لتكوين صورة أوضح حول مستويات تلوث الهواء في دبلن، ولتشجيع جميع الأطراف على المساهمة في إيجاد الحلول، خصوصاً في الشوارع والأحياء ذات نسب التلوث العالية. ويأمل مجلس مدينة دبلن في أن تساعد هذه المعلومات في رفع مستوى وعي سكان المدينة وتغيير سلوكياتهم نحو نمط حياة أكثر صداقة للبيئة.
ولضمان صحة البيانات التي يتم جمعها، تقوم سيارات "غوغل" بزيارة كل شارع مرتين على الأقل لأخذ قياسات ملوثات الهواء فيه. وستستمر هذه العملية التي بدأت في شهر مايو من العام 2021 لمدة سنة كاملة. وتعتبر هذه المبادرة هي الأولى من نوعها بالاعتماد على سيارات "غوغل" لقياس انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء في إيرلندا.
وكما جاء في تصريحات مجلس مدينة دبلن، كانت هناك دائماً حاجة ملحة إلى قياس مستويات التلوث في الهواء في كل شارع وحي، لكي يتسنى للمجلس التخطيط لمعالجة هذا التلوث بشكل فعّال. حيث أن المبادرات التي تعتمد على الابتكار التكنولوجي الذي يضمن الحصول على البيانات الدقيقة يمكنها أن تساعد صناع القرار في اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة لما فيه مصلحة المدينة وسكانها، مما يشمل إيجاد حلول بديلة مثل الطاقة الشمسية أو القيام بحملات تشجير لزيادة المساحات الخضراء في مناطق معينة في المدينة.
ومن الجدير بالذكر أن مجلس مدينة دبلن والسلطات المحلية فيها، كانت قد انضمت في العام 2020 إلى الحملة العالمية الداعية إلى الالتزام بتطبيق المعايير القياسية المتعلقة بجودة الهواء والتي أوصت بها "منظمة الصحة العالمية" (WHO) وذلك بحلول العام 2030. وبهذا المضمون تعتبر مبادرة قياس جودة الهواء بالتعاون مع "غوغل" خطوة ناجحة لمساعدة دبلن في تحقيق التزاماتها الوطنية والدولية في مجال البيئة والصحة العامة.
المراجع: