يتفق الخبراء أن ذروة إنتاج النفط عالمياً قد اقتربت، ومن بعدها سيبدأ الانخفاض التدريجي في معدلات إنتاج النفط تبعاً للتحرك الدولي الهادف إلى تقليص انبعاثات الكربون والحد من العوارض البيئية المصاحبة. وكانت اسكتلندا إحدى الدول التي اتخذت إجراءات عدة في هذا الصدد، حيث عدلت سياساتها الحالية وأدخلت قوانين جديدة تعزز استخدام وسائل الطاقة النظيفة.
ومن أهم التغييرات التي تبنتها الحكومة الاسكتلندية في عام 2013 هي طرح وثيقة "إطار سلوكيات اسكتلندا منخفضة الكربون" Low Carbon Scotland، وضّحت فيها سبل الانتقال إلى مرحلة تكون فيها معدلات انبعاث كربون منخفضة. ثم راجعت في العام 2018 هذا الإطار بما يتماشى مع قانون تغير المناخ في اسكتلندا للعام 2009، وخلصت إلى ضرورة إشراك الجميع من القطاع الخاص وأفراد المجتمع في وضع خارطة طريق لمستقبل يعتمد أساساً على مصادر طاقة متجددة.
وتتضمن مبادرة "اسكتلندا منخفضة الكربون" إمكانات كبيرة حيث تقوم بتوليد الطاقة باستخدام توربينات الرياح والمد والجزر ، كما وضعت الحكومة خططاً مستقبلية تستهدف الاعتماد على مصادر طاقة متجددة في توليد 100% من احتياجات الكهرباء، مع هدف مرحلي يتمثّل في أن تتمكن هذه المصادر بحلول العام 2030 من أن تغطي 50% من استهلاك الطاقة بجميع أشكالها في البلاد.
واستجابةً للطلبات المتزايدة على الطاقة المتجددة، عملت اسكتلندا في العام 2017 على تركيب نظام مبتكر على مستوى العالم لتوليد الطاقة في جزر أوركني Orkney الاسكتلندية، ضمن ما أطلق عليه اسم مبادرة Surf 'N' Turf، وهي مبادرة لحصد الكهرباء المولّدة من طاقة الرياح والمد والجزر في أوركني لإنتاج الهيدروجين الذي يستخدم لاحقاً لتوليد الكهرباء والحرارة.
تتمتّع جزر أوركني بظروف مواتية لتشغيل أنظمة إنتاج الهيدروجين التي تعمل بطاقة الرياح وطاقة المد والجزر نتيجة لوفرة الرياح والأمواج العاتية في بيئتها المحلية، بالإضافة إلى كثرة تقلّبات المد والجزر. بيد أنّ البعد الجغرافي لجزر أوركني عن البر الرئيسي لاسكتلندا يشكل تحدياً خاصاً، ينتج عنه ارتفاع تكاليف تخزين الطاقة، ونقلها، وما يتبعه من خدمات لوجستية. وبالحصيلة تتردى إمكانيات استغلال الرياح والمد والجزر كمصادر طاقة متجددة، إذ أن جزر أوركني يمكنها توليد المزيد من الكهرباء لولا تلك العوائق الجغرافية.
ومن هنا تحديداً جاءت فكرة مبادرة Surf 'N' Turf، للتعامل مع الطاقة الزائدة واستغلالها في صنع الهيدروجين وتخزينه ونقله، لاستخدامه لاحقاً عند الطلب في المعامل والمنازل أثناء حالات الطوارئ، أو عندما ينخفض مستوى توليد الطاقة النظيفة بشكل عام.
وتعدّ تجربة جزيرة أداي Eday نموذجاً مثالياً عن هذه المبادرة. فهذه الجزيرة موطن لـ150 شخصاً يمتلكون توربينات رياح بسعة 900 كيلوواط، تديرها شركة يعود ربحها لصالح جميع سكان الجزر. لكن البُعد الجغرافي لهذه الجزيرة يحد من كمية الطاقة المرسلة إلى الشبكة. وسرعان ما اتضح لدى سكان الجزيرة أن الطاقة الزائدة التي تولّدها هذه التوربينات لا يتم استغلالها بشكل فعال مما دفعهم إلى تبني مبادرة Surf 'N' Turf.
استخدمت مبادرة Surf 'N' Turf محللاً كهربائياً يحوّل طاقة الرياح وطاقة المد والجزر الزائدة عن الحاجة في الجزيرة إلى هيدروجين يمكن نقله من الجزيرة إلى جزيرة "مينلاند" القريبة من البر الرئيسي للبلاد على متن السفن.
تقوم جمعية الطاقة الاسكتلندية، مع شركائها من المركز الأوروبي للطاقة البحرية ومجلس جزر أوركني، وشركتين للطاقة المتجددة. بالإشراف على هذا المشروع فيما استقطبت المبادرة دعماً بقيمة 1.46 مليون جنيه إسترليني من كونسورتيوم الطاقة المحلية الاسكتلندية و صندوق مجابهة تحديات الطاقة المحلية التابع للحكومة الاسكتلندية.
والسؤال هنا كيف تجري هذه العملية؟ بعد أن يجري توليد الطاقة من توربينات الرياح والمد والجزر داخل جزيرة "إداي" وخارجها، يستخدم محلّل كهربائي، في تحويل جزء من هذه الطاقة إلى هيدروجين يتم تخزينه في خزانات خاصة. ثم يُشحن الهيدروجين إلى ميناء مدينة كيركوال في جزيرة مينلاند. وعلى رصيف كيركوال، يُعاد تحويل الهيدروجين مرة أخرى إلى طاقة كهربائية باستخدام منظومة خلايا وقود. يمكن لهذه الطاقة أن تَشحن بطاريات العبّارات والمركبات الكهربائية، وأن تزوّد المنازل، بل ومباني الميناء، بالطاقة.
لكنْ ظهرت أثناء التنفيذ تحديات عدّة، تمثّل أحدها في الحاجة إلى تثبيت مستوى الجهد الكهربائي لخلايا الوقود. فنظراً إلى أن خلايا الوقود ذات مستوى جهد منخفض ومتأرجح، كان من الضروري استخدام محول تيار صمم بشكل خاص لتحقيق استقرار الجهد الكهربائي، وزيادته إلى مستواه المعتمد في نظام الطاقة العام، لضمان كفاءة دمج خلايا الوقود في النظام.
حققت مبادرة Surf 'N' Turf نجاحاً كبيراً في اسكتلندا وساهمت في تعزيز سياسات الدولة نحو مستقبل يعتمد على الهيدروجين الأخضر كبديل عن الطاقة الباعثة لثاني أكسيد الكربون. وفي نفس الوقت قدمت المبادرة حلاً مبتكراً لمجتمع جزر "أوركني" ساعدهم على تحقيق استغلال أمثل للطاقة التي تنتجها مواردهم الطبيعية. وجدير بالذكر أن توربينات جزيرة "أداي" تم تشغيلها قبل تسعة أعوام، في العام 2012، وستظل تعمل، وتحصد الهيدروجين وعائداته لمدة 20 عاماً أخرى على الأقل، مستفيدةً من موقعها شديد الرياح.
مراجع:
https://www.surfnturf.org.uk/index.php
https://www.aradex.de/uploads/pics/20180227_aradex_Referenzbericht_surf-n-turf_EN_Mail_01.pdf