خطة لبناء أول جزيرة طاقة صناعية في العالم قبالة السواحل البلجيكية

خطة لبناء أول جزيرة طاقة صناعية في العالم قبالة السواحل البلجيكية

1 دقيقة قراءة
للاستفادة من الإمكانيات الضخمة التي تَعِدُ بها رياح بحر الشمال، بدأت الحكومة البلجيكية ببناء المشروع الأول من نوعه أوروبياً وعالمياً، وهو جزيرةٌ صناعيةٌ لتوليد الطاقة النظيفة ومشاركتها مع الدول المجاورة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

للاستفادة من الإمكانيات الضخمة التي تَعِدُ بها رياح بحر الشمال، بدأت الحكومة البلجيكية ببناء المشروع الأول من نوعه أوروبياً وعالمياً، وهو جزيرةٌ صناعيةٌ لتوليد الطاقة النظيفة ومشاركتها مع الدول المجاورة.

كشفت جائحة كوفيد-19 الكثير من الثغرات ونقاط الضعف، حتى لدى أكثر الحكومات نجاحاً وكفاءةً، وفي الدول التي يُعرف عنها أنها تحتضن مستويات المعيشة الأفضل عالمياً، كالدول الأوروبية التي شهدت أزماتٍ متتالية من تردٍّ اقتصاديٍّ وارتفاعٍ في معدّلات البطالة، إلى جانب الضغط الكبير الذي ترزح تحته المنظومات الصحية. كلّ هذا في وقتٍ تسعى فيه هذه الدول جاهدةً للإيفاء بالتزاماتها حول تغيُّر المناخ.

كانت الخطوة الأولى التي قامت بها المفوضية الأوروبية في صحوتها من الجائحة هي تقديمُ الدعم للدول الأعضاء لتمويل خطط الانتعاش وبناء المرونة وتحقيق التحوّل الأخضر والرقمنة. وقد بلغت حصة بلجيكا 5.9 مليار يورو، وُزِّعَت على 165 استثمارٍ و35 عمليةٍ إصلاحية، يركز نصفُها على المناخ.

وضمن سلسلة الاستثمارات الهادفة لتحويل بحر الشمال إلى محطةٍ كبيرةٍ للطاقة الخضراء، وبتمويلٍ بلغ 100 مليون يورو، أنجز المشغّل الحكوميّ لنقل الطاقة في بلجيكا، والذي يُعرف بمجموعة "إيليا"، خطة بناء الجزيرة الاصطناعية الأولى للطاقة، والتي ستحمل اسمَ "جزيرة الأميرة إليزابيث" تيمناً بالوريثة الشابة للعرش البلجيكيّ.

تقع الجزيرة في بحر الشمال على بعد 45 كيلومتراً قبالة الساحل، وستغطي قرابة 5 هكتارات. يسمى هذا الموقع الاستراتيجي "منطقة الرياح البحرية البلجيكية الثانية"، ويتميز برياحٍ قويةٍ دائمةٍ وعمقٍ منخفض، كما أنّه قريبٌ من المناطق الصناعية التي تستهلك الكثير من الطاقة.

على الجزيرة، ستُقام شبكة برية عالية الجهد لتوزيع الكهرباء، حيث ستبلغ استطاعتُها القصوى 3.5 غيغاواط، وسيتم نقلُ جزء منها إلى اليابسة عبر كابلاتٍ خاصةٍ للتيار الكهربائيّ المباشر تمتدّ لـ 60 كيلومتر.

لبناء الجزيرة، سيبدأ الفريق الجيوتقنيّ بإنشاء حلقةٍ من الهياكل الخرسانية المسماة بالقيسونات في قاع البحر، ليتم ملؤها بالرمال، وهي عبارة عن حُجراتٍ تغوص في البحر وتسمحُ بطرح المياه خارجَها، وتُستخدم في بناء السدود والجسور وإصلاح السفن.

على السطح، سيتم إرساء البنى التحتية الكهربائية وبناء المحطات الفرعية للتيار المتردد، بالإضافة إلى ميناء صغيرٍ ومهبطٍ للطائرات المروحية التي ستحمل فِرَقَ الصيانة من الجزيرة وإليها. كما سيحيط بالجزيرة جدارٌ عالٍ يحميها من الأمواج القوية والأمطار والفيضانات.

ستعمل هذه التجهيزات على جمع الكهرباء المولَّدة من طاقة الرياح، ثم ستقوم بتحويل مستويات الجهد الكهربائيّ لنقلها بالقدر الأدنى من خسائر الشبكة، حيث ستتّجه الكهرباء المولّدة من المشاريع المتعددة المقامة في بحر الشمال لتجتمع عند نقطة مركزية قبل نقلها إلى البر الرئيسي. كما ستتيح الشبكة خيار تحويل الكهرباء إلى هيدروجين وستُزوَّد بتقنيات احتجازه وتخزينه.

في المرحلة التالية، سيتم تمديد خطوط الطاقة التي ستجعل الجزيرة مركزاً لموصِلات الطاقة المختلطة بين بلجيكا وكلٍّ من المملكة المتحدة والدانمارك. وهذه الموصِلات هي كابلات تُستخدم بشكلٍ أساسيّ في نقل الكهرباء والغاز بين دولة وأخرى.

وتلعب الحكومة الفيدرالية دوراً جوهريا ًفي تطوير منظومة طاقة الرياح، وقد وضعت جدولاً زمنياً لإنجاز مشروع جزيرة الأميرة إليزابيث، حيث يجري الآن العمل على إعداد مناقصة تنفيذ المشروع ودراسة الأثر البيئيّ واستصدار التصاريح، وهذا ما يُفترَض إنجازُه بحلول نهاية العام 2023. وفي العام التالي، ستنطلق أعمال البناء التي ستستمر لعامين، لتبدأ بعدَها عمليات الإنشاء والتشغيل للبنى التحتية الكهربائية، والتي ستستمر حتى العام 2030.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا النوع من المشاريع يحظى باهتمامٍ متزايدٍ في دولٍ أوروبيةٍ متعددة كهولندا وألمانيا والدانمارك، وقد استضافت الأخيرة اجتماعاً لرؤساء حكومات دول بحر الشمال حيث وقعوا اتفاقية تعاونٍ تهدف إلى توليد ما لا يقلّ عن 65 كيلوواط من طاقة الرياح بحلول العام 2030، ثم رفع هذا الرقم إلى 150 ميغاواط خلال الأعوام الـ 20 التي تلي ذلك.

ولتأدية دورها الكامل في هذا السياق، أنشأت بلجيكا 8 مشاريع لطاقة الرياح البحرية، حيث تنامى الطلب عليها بنسبة 13.3%، فباتت تولِّد 2.262 ميغاواط، لتتكاملَ مع 2408 ميغاواط من منظومات طاقة الرياح الأرضية.

ومع أنّ الهدف الأول من هذه المشاريع هو حماية البيئة، فقد أفصحت مؤسسة الطبيعة والبيئة عن مخاوفَ من أنّ هذه الجزر الاصطناعية برمالها ستسبب اضطراباتٍ للنُّظم البيئية، وقد تؤثّر على الحياة البحرية وتعطّل مسار العمليات الطبيعية بما قد يرافقها من تسرُّباتٍ وإضاءةٍ وتلوّث ضوضائيّ. لهذا، بذلت مجموعة "إيليا" جهوداً مضاعفةً لاحتواء الآثار البيئية، وأسّست فريقاً من الخبراء لبحث سبل إنشاء موائل جديدة حول الجزيرة وضمنَها، وهذا ما يُسمى حلول التصميم الطبيعيّ الشامل.

على المقلب الآخر، فإنَّ الكثير من مكوّنات هذه البيئة قد يمثّل خطراً على الكابلات والأنابيب الممتدة لآلاف الكيلومترات، إذ تخطّط الحكومة البلجيكية لتأمين كلّ هذه الكابلات عبر سنّ القوانين واستخدام أنظمة المراقبة والطائرات بدون طيار وتتبُّع القوارب الأجنبية التي تدخل المياه الإقليمية وإجراء اختبارات السلامة المنتظمة.

إلى جانب توليد الطاقة النظيفة، ستكون هذه الجزيرة أول حلقةٍ في سلسلة الطاقة البحرية التي تطمح الدول الأوروبية إلى إنشائها، كما ستؤدي موصِلات الطاقة البينية وظيفةً مزدوجة، وستتيح لبلجيكا الاستفادة من مزارع الرياح البحرية التي بنتها غيرُها من الدول ذات المساحة البحرية الأكبر، ما يعني تسهيل التبادل الدوليّ للكهرباء وتعزيز أمن الطاقة، وهذه خطوة مهمة صوب تحقيق الحياد الكربونيّ.

المراجع:

https://www.elia.be/fr/actualites/communiques-de-presse/2021/01/20210107_belgium-s-electricity-mix-in-2020

https://www.elia.be/en/infrastructure-and-projects/infrastructure-projects/princess-elisabeth-island

https://www.rechargenews.com/wind/belgium-plans-worlds-first-artificial-energy-island-linked-to-offshore-wind-by-2026/2-1-1327950

https://ec.europa.eu/info/business-economy-euro/recovery-coronavirus/recovery-and-resilience-facility/belgiums-recovery-and-resilience-plan_en#belgiums-recovery-and-resilience-plan

https://www.offshorewind.biz/2021/10/20/belgiums-largest-offshore-wind-farm-officially-inaugurated/
https://www.euractiv.com/section/energy/news/germany-denmark-netherlands-and-belgium-sign-e135-billion-offshore-wind-pact/
اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس مستفادة من تجربة كيب تاون في تجنب أزمة المياه

تحرصُ المدن الكبرى على التخطيط والاستثمار لضمان توفير أهم مورد طبيعي لسكانها، وهو المياه، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ، الذي يؤثر سلباً على صعيدين. فهو يؤدي إلى شح المياه، وهو أيضاً يساهم في تعجيل التضخم السكاني بسبب الهجرة المتنامية لسكان القرى والأرياف نحو المدن، مع تراجع الظروف المناخية المناسبة التي تعتمد عليها الزراعة في بعض المناطق. في هذا السياق، تشكل مدينة كيب تاون حالة بارزة تستحق الدراسة في مواجهة هذا التحدي.

 · · 8 مايو 2024

نظم الإنذار المبكر: دروس من اليابان والصين لمواجهة الكوارث الطبيعية

في ظل الزيادة المتنامية في حدة ووتيرة الكوارث الطبيعية حول العالم خلال العقود الماضية، خاصة تلك المرتبطة مباشرة بتغير المناخ، أطلقت الأمم المتحدة في العام الماضي مبادرة "الإنذار المبكر للجميع" كإطار عمل لضمان حماية كل إنسان من خلال نشر نظم الإنذار المبكر بنهاية عام 2027. وبينما تتضافر الجهود لوضع الخطط وكيفية التعامل مع التحديات الكبيرة التي ستواجه هذه المبادرة، هناك تجارب مبتكرة ومتقدمة ثبت نجاحها في كل من اليابان والصين في هذا المجال، من شأنها المساهمة في تصميم استراتيجيات ونظم الإنذار المبكر حول العالم، ودعم مبادرة الأمم المتحدة بأفضل الممارسات.

 · · 8 مايو 2024

فرنسا تقدم علامة وطنية لمكافحة هدر الطعام

بدافع الالتزام البيئيّ والمسؤولية الاجتماعية، تسعى الحكومة الفرنسية لاحتواء ظاهرة هدر الغذاء عبر تثقيف المستهلكين بوصفهم مفتاح حلّ المعادلة، وسنّ قوانين تلزم المؤسسات بالتبرّع بالأغذية الفائضة، ومنح العلامة الوطنية للجهات التي تبذل جهداً أكثر تفانياً في رحلة مكافحة الهدر.

 · · 21 أبريل 2024

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right