تشكل مسألة النفايات البلاستيكية في أستراليا تحدياً كبيراً يحتاج إلى ابتكار متجدد يواكب حجم التهديد الذي تفرضه على البيئة وصحة البشر. ولذلك تبنت الهيئة الوطنية الأسترالية للعلوم نموذجاً جديداً قائم على التقنيات الذكية، كالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وإعادة النظر في استخدامات المواد البلاستيكية وإعادة تدويرها.
تستقبل محيطات العالم يومياً كمياتٍ مَهولةً من البلاستيك الذي يقتحم الأنظمة الغذائية للكائنات البحرية ليشقَّ طريقَه إلى موائد المستهلِكين مجدداً، والذي من شأنه أن يدمّر النظام البيئي للبحار والمحيطات، وفق السيناريو الأسوأ لتقديرات أبحاث تغير المناخ. وأمام هذا الوضع، حشدت الهيئة الوطنية الأسترالية للعلوم الجهودَ لتقليل النفايات البلاستيكية بنسبة 80% خلال عقدٍ من الزمن، بالتعاون بين عدة شركاء لحماية البيئة وتنمية الاقتصاد.
ينتهي المطاف بملايين الأطنان من المواد البلاستيكية المُصنَّعة كالأكياس والعبوات ذات الاستخدام الواحد في الأسطح المائية الطبيعية كالأنهر والبحار والمحيطات، حيث تستغرق وقتاً طويلاً للتحلل مقارنة بالمواد الأخرى. ورغم أنّ الأشعة فوق البنفسجية وحركة الرياح والأمواج قد تعجّل عملية التحلل، فإنّ هذه المواد تبقى عبئاً بيئياً غالباً ما ينجم عن سوء إدارة النفايات.
على مستوى عالميّ، تستخدم صناعة البلاستيك 90 مليار طن من المواد الأولية سنوياً. وبعد انتهاء العمر الافتراضي لهذه المنتجات، يُعاد تدوير 9% منها فقط، أما ما تبقى فيُترك ليخلِّفَ آثاراً جسيمة على صحة الإنسان والبيئة، من إيذاء الحياة البحرية وقتلِها، ونقل الملوِّثات الكيميائية والأنواع الحية الدخيلة، إلى جانب الأضرار الاجتماعية والاقتصادية كعرقلة حركة الملاحة وتقييد النشاط السياحيّ. وتشير التقديرات في هذا السياق إلى أنّ قرابة 8 ملايين طن من البلاستيك يصبّ في محيطات العالم سنوياً، بينما يستقرّ 14 طناً من اللدائن الدقيقة في قيعانها.
ينتج الأستراليون وحدهم قرابة 67 مليون طن من النفايات كل عام، يصبّ قسم كبير منها في المجاري المائية. وحيث تلتقط مصائد الملوّثات النفايات في مصارف مياه الأمطار، فإنّها تحتاج للصيانة المستمرة التي تستهلك الوقت والتمويل. وأمامَ التوقعات بتضاعف الإنتاج العالمي للبلاستيك بحلول العام 2030، ومع قرار حظر تصدير النفايات الأسترالية، تضخمت الحاجة لمعالجة تحدي النفايات البلاستيكية.
بوصفها الهيئة الوطنية الأسترالية للعلوم، تتجه منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية "سي سايرو" صوبَ إعادة تصور مستقبلٍ جديدٍ للبلاستيك، فاعتمدت على تمويل يفوق 37 مليون دولار لتطوير برنامج بحثيّ مكوّن من 12 مهمة يهدف لمقاربة قضية النفايات البلاستيكية في البلاد.
"مهمة البلاستيك" هي واحدة من تلك المهام التي جمعت "سي سايرو" مع شركاء آخرين مثل مايكروسوفت والمعهد المَلَكيّ الأستراليّ للكيمياء. تسعى المهمة إلى تعديل سلسلة التوريد بالكامل، حيث سيتم توظيف الحلول التكنولوجية الرامية إلى وضع حد لتسرب النفايات البلاستيكية إلى الأماكن الطبيعية.
قد تبدأ الحلول من إعادة النظر باستخدامات الأكياس البلاستيكية، وتحسين التصميم والمواد المستخدمة ولوجستيات التوريد. كما يمكن التوجه لطرق جديدة في استعمال البلاستيك وتصنيعه وإعادة تدويره بابتكار منتجات جديدة وزيادة قيمتها.
بالتزامن مع هذه الجهود، يجري العمل على تطوير حلول أكثر تقدُّماً، باستخدام الذكاء الاصطناعيّ مثلاً، للكشف عن النفايات البلاستيكية في المجاري المائية، وتطبيق أنظمةٍ محسَّنةٍ لمراقبة النفايات، مع توظيف تقنية التعلُّم الآليّ واستخدام أجهزة الاستشعار التي تجمع البيانات لرصد النفايات وتصنيفها وتحديد النقاط التي تستدعي التدخل الحكومي لمنع وصول النفايات البلاستيكية إلى الممرات المائية. يتكامل هذا المشروع مع الكاميرات التي تستخدمها المجالس المحلية عند مصارف مياه الأمطار للغرض نفسه. وعلى الصعيد البحثيّ، يستخدم العلماء هذه التقنيات لتحليل الرحلة التي تقطعها النفايات البلاستيكية. وبناء على النتائج، يقترحون الخطوات الممكن اتخاذُها لتعديل مسار هذه الرحلة. ففي بلدة "هوبارت" مثلاً، تعمل المدينة مع منظمة "سي سايرو" لتطوير شبكة استشعار مستقلةٍ تقدِّم التقارير الحية عن كمية النفايات المرصودة.
وفي السياق نفسه، تسعى "سي سايرو" إلى وضع معايير واضحةٍ تنظُم عمليات إعادة التدوير وتحدِّد أفضل الممارسات القادرة على تقليل التلوث، وهذا يشمل سلامة الأغذية للمنتجات المُعاد تدويرُها، لإرشادِ المستهلكين بما يمكن استخدامُه مجدداً، وإعلامِهم بالمواصفات الفنية للعملية. وفي تعاون المنظمة مع المعهد المَلَكيّ للكيمياء، تشاركت المنظمة مع مبادرته لإدارة البلاستيكيات لإيجاد طرق لإطالة عمر المواد البلاستيكية وإعادة تدويرها على نحو أكثر استدامة.
بالتوازي مع هذا البرنامج، تعمل "سي سايرو" مع مختلف فئات المجتمع للأخذ بيدها صوب التعافي من تَبِعات جائحة كوفيد-19، وذلك ضمن برنامج آخر، يتناول بعضاً من أكبر التحديات التي تواجه أستراليا، ويسعى لتحقيق نتائج إيجابية وتوليد فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
سيعمل استبدال الوسائل التقليدية لرصد النفايات بالذكاء الاصطناعيّ على تسريع استجابة السلطات ويحسّن جودة المياه. في حين ستقدِّم البيانات قاعدةً مرجعيةً تُبنى عليها استراتيجيات إدارة النفايات المستقبلية بعد تقييم فاعلية الإجراءات الحالية، إذ ستبني فهماً أعمقَ للتلوث البلاستيكي بأسبابِه ومواطنِه وكيفية تشكُلِه، لتدعمَها أدوات النمذجة بتحسينها للعمليات واحتواء الضرر البيئي. أما استخدامُ شبكة أجهزة الاستشعار المحدّثة عند مصائد النفايات، فسيضمن تقديمَها أفضل أداءٍ ممكن، كما سيحسّن الصيانة التشغيلية، ويرفع معدّلات السلامة. فيما ستنشأ تدريجياً من خلال إعادة التدوير أنواع جديدة من المنتجات والتصاميم بما يولّد فرص عمل جديدة عبر قطاعات عديدة.
وعلى نطاقٍ أوسع، تصبُّ هذه الجهود في إطار أهداف الأمم المتحدة للاستدامة، وتسهم في دفع الاقتصاد الدائريّ الذي ترى فيه السلطات فرصةً اقتصادية كبرى تقوم على إدماج مفهوم الدائرية في الإنتاج والاستهلاك وتعظيم منفعة الموارد والاستخدام الفعّال للطبيعية منها. وفي أستراليا، تحوز هذه الموارد قيمتَها بحالتها الخام فقط، ما يجعل الاقتصاد الدائري ركيزةً لضمان الازدهار المستقبلي للبلاد.
المراجع:
https://www.csiro.au/en/News/News-releases/2020/CSIRO-and-partners-take-aim-at-ending-plastic-waste
https://www.csiro.au/en/research/environmental-impacts/sustainability/Circular-Economy