من "صحاري الطعام" إلى "الغابات الغذائية": توفير الغذاء الصحي بطريقة مبتكرة لذوي الدخل المحدود في أتلانتا

من "صحاري الطعام" إلى "الغابات الغذائية": توفير الغذاء الصحي بطريقة مبتكرة لذوي الدخل المحدود في أتلانتا

1 دقيقة قراءة
كيف يمكن تحويل المناطق النائية محدودة الدخل والتي تفتقر للغذاء الصحي، إلى مناطق منتجة للغذاء معتمدة على ذاتها؟ حل مبتكر من مدينة أتلانتا.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

كيف يمكن تحويل المناطق النائية محدودة الدخل والتي تفتقر للغذاء الصحي، إلى مناطق منتجة للغذاء معتمدة على ذاتها؟ حل مبتكر من مدينة أتلانتا.

يعيش بعض سكان المدن في الولايات المتحدة في مناطق تعرف بـ"صحاري الطعام"، وهي مناطق تفتقر إلى الطعام الصحي والمغذي ويقطنها سكان من ذوي الدخل المحدود. ويعاني قاطنو تلك المناطق عادةً من مشاكل صحية ناتجة عن نقص التغذية أو تناول الأطعمة غير الصحية، كمشاكل السمنة المفرطة وأمراض السكري والقلب. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى ندرة المجمعات التجارية أو مراكز التسوق في تلك المناطق، مما يجعل الوصول إلى الأغذية الطازجة والصحية كالخضار والفواكه وأنواع اللحوم أمراً في غاية الصعوبة.

وتعتبر ظاهرة "صحاري الطعام" أحد التحديات الحضرية التي تواجه الولايات المتحدة. ففي مدينة أتلانتا وحدها، يعيش 22.3% من السكان في مناطق محدودة الدخل لا يتوفر فيها الغذاء الصحي، وفقاً لبيانات دائرة الأبحاث الاقتصادية في وزارة الزراعة الأمريكية. وفي تقرير صادر عن وزارة الزراعة، يعيش واحد من كل أربع أشخاص في أتلانتا في أحياء تصنّف كصحاري طعام أو مناطق لا يتوافر فيها متاجر لبيع الغذاء الطازج.

ولهذا السبب تنبهت أتلانتا إلى أهمية إعادة النظر في أنظمة إنتاج الغذاء ونقله واستهلاكه لتأمينه بشكل مستدام لسكانها. وللتصدي لهذه الظاهرة، برزت مبادرة "الغابات الغذائية"، وهي مناطق زراعية ذات أراضٍ مشجرة متعددة الطبقات تزرع فيها أشجار الفواكه والمكسرات والخضار والبقول وكروم العنب والشجيرات المتنوعة والأشجار المعمّرة وغيرها. وتمثل هذه الغابات نقلة نوعية لنموذج الزراعة الحالي. فخلافاً للزراعة التجارية، تتوزّع المزروعات في الغابات الغذائية على طبقات متعددة، إذ تحوي الغابة الغذائية أشجاراً مظللة، وأخرى صغيرة، وشجيرات، وغطاءً نباتياً أرضياً، وفطريات، ومنتجات تنمو عادةً في طبقة الجذور. وهي بذلك تحاكي الغابات الطبيعية في شكلها.

وتتعاون وزارة الزراعة الأمريكية مع الحكومات والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الربحية بهدف زيادة مساحة الغابات الغذائية وحمايتها نظراً لما لها من أهمية في تحقيق الأمن الغذائي للسكان والتوازن البيئي في المنطقة. وقد تم اعتماد مبادرة الغابات الغذائية في أتلانتا لتأمين غذاء صحي وطازج لـ85% من السكان بحلول عام 2022.

وبدأت تلك المبادرة عندما طلب مكتب حاكم ولاية جورجيا تمويلاً من وزارة الزراعة الأمريكية لإنشاء غابة غذائية تمتد على سبعة فدادين جنوب شرق مدينة أتلانتا. ويعتبر هذا المشروع أحد أركان استراتيجية أوسع للتصدي لظاهرة صحاري الطعام في الولاية. وقد دعمت الوزارة هذا المشروع التجريبي من خلال توفير 50% من التمويل اللازم لتنفيذه، وكان الهدف الرئيسي للمشروع هو إيجاد حل لـ"صحراء الطعام" في منطقة "براونز ميل" في أتلانتا، حيث يعيش أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر. وأتاح هذا الاستثمار أمام المجتمع المحلي فرصة للحفاظ على الأراضي ذات الأهمية الثقافية والتاريخية واستغلالها في الوقت نفسه للحصول على غذاء طازج وصحي.

ولم يكن التجاوب مع المبادرة محصوراً بالجهود الحكومية فقط، بل شهدت إقبالاً كبيراً من قبل المجتمعات المحلية والمتطوعين. وأدى ذلك التجاوب الإيجابي إلى تعزيز التواصل بين الجهات الحكومية المعنية وسكان المنطقة. كما تضمنت إقامة فعاليات تطوع متعددة ومهرجانات لاستصلاح المناطق الحرجية والأراضي المجاورة للمجاري المائية ومواقع النزهات كأراضٍ لغابات غذائية. ولدى تنفيذ المشروع برزت بعض التحديات التي سرعان ما تم تفاديها بالعمل التطوعي، ومنها جودة الأراضي الزراعية التي يتم تحويلها إلى غابات غذائية، حيث أن بعض تلك الأراضي كانت في حالة مُهملة تكثر فيها النباتات الطفيلية والدخيلة واحتاجت بالتالي إلى تدابير أولية لإعدادها للزراعة.

وقد لاقت المبادرة أيضاً إقبالاً من المدراس الحكومية في أتلانتا، فمثلاً تم إنشاء برنامج "من المزرعة إلى المدرسة" الذي اتخذ من تلك الغابة الغذائية موقعاً تعليمياً يساهم في تثقيف الطلاب حول زراعة المحاصيل والأشجار المثمرة ويزيد من وعيهم للتطوع لدعم المجتمعات المحلية.

ولضمان استدامة الغابات الغذائية تحتاج السلطات والمجتمعات المحلية إلى تطويرها ومراقبتها بشكل دائم. ولإدارة هذه العملية تم إنشاء "مختبر المدن الحيوية" وهو منصة إلكترونية تتضمن مصادر عدة لابتكاراتٍ تستطيع المجتمعات المحلية الاستفادة منها للتعرف على فوائد الغابات الغذائية المقامة في المناطق الحضرية وكيفية إعداد المشاريع الزراعية والمجتمعية المستدامة. وتساهم هذه المنصة الإلكترونية في مساعدة المهنيين وصناع السياسات وخبراء التخطيط المدني والجمهور على الاطلاع على أحدث العلوم وإدراك قيمة الاستثمار في الغابات الغذائية والمبادرات المجتمعية واتخاذ خطوات عملية لبناء برامج غابات غذائية أكثر فعالية وكفاءة.

سوف توفر الغابة الغذائية في منطقة "براونز ميل" محاصيل زراعية متنوعة متاحة للسكان على مدى السنوات القادمة. وستعتمد تلك الغابة أسلوب "الحراجة الزراعية" (agroforestry)، أي الزراعة التي تجمع بين الأشجار والمحاصيل الزراعية في قطعة أرض واحدة، لإنتاج أراضٍ ذات إنتاجية أعلى. كما تعتزم المجتمعات المحلية إضافة أشجار مثمرة من التراث البيئي للمنطقة، كأشجار ثمرة البابايا، فضلاً عن توفيرها للفواكه والخضروات الطازجة، والتصدي لظاهرة "صحاري الطعام". وإضافة لكل ما سبق، تساهم الغابات الغذائية في تطوير بؤراً للحياة البرية ومساحات خضراء يتنزه فيها الناس ويمارسون فيها الأنشطة الرياضية والاجتماعية.

ومن الجدير بالذكر أن الغابة الغذائية في أتلانتا ليست الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، فقد تم إنشاء عشرات المساحات الخضراء المنتجة للغذاء في ولايات عدة أخرى. فمثلاً توجد غابة غذائية في مدينة سياتل تبلغ مساحتها 1.75 فدان، وأخرى في ولاية إنديانا تبلغ مساحتها فدان واحد. ولكن تعتبر الغابة الغذائية في أتلانتا حتماً من أكبر المبادرات في الولايات المتحدة للتصدي لظاهرة "صحاري الطعام".

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right