مدينة ألمانية تتيح لسكانها التحكم بإنارة الشوارع

مدينة ألمانية تتيح لسكانها التحكم بإنارة الشوارع

1 دقيقة قراءة
في رحلة الاقتصاد الألماني للتحرر من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أطلقت إحدى البلدات الألمانية مشروعاً لخفض استهلاك الطاقة عبر تفعيل مصابيح إنارة ذكية وإشراك السكان في ضبط إنارة الشوارع.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في رحلة الاقتصاد الألماني للتحرر من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أطلقت إحدى البلدات الألمانية مشروعاً لخفض استهلاك الطاقة عبر تفعيل مصابيح إنارة ذكية وإشراك السكان في ضبط إنارة الشوارع.

منذ وضْع الأهداف الإنمائية للألفية، نشأت العديد من منهجيات الحوكمة والإدارة العامة، أبرزُها النهج الذي يتمحور حول المواطن، بمعنى بناء واقع مشترك وشعور بأنّ كلّ مواطنٍ معنيٌّ بتصميم سياسات بلده وتطويرها لا مجردَ التكيف معها.

ومع تزايد النمو السكاني والتوسّع الحَضَري وأنماط الحياة المعاصرة، تتنامى الحاجة إلى هذه المقاربات، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ 55% من سكان العالم يستقرون في المدن، نسبةٌ ستزداد بمعدل الثلثين بحلول العام 2050، ما يعني تحدياتٍ أكبرَ في قطاع الطاقة، نظراً لتأثر مصادر الوقود الأحفوريّ بالأحداث العالمية والتضخم المستمر في أسعاره وأثره البيئيّ، ما دفع الحكومات الأوروبية للعمل صوبَ أشكال أفضل وأكثر كفاءة لاستخدام الطاقة.

ولأنّ تحقيق هذه الغايات مسألة تراكمية، أو بالأصح تكاملية، فإنّ التوفير يبدأ من استخدام المصابيح الصغيرة. ذلك هو المفهوم الذي انطلق منه المجلس المحلي لبلدة "باد هرسفلد" الألمانية الصغيرة التي يسكنها 30 ألف مواطن، بعد أن تلقّى المجلس الكثير من المطالبات بترقية أنظمة إنارة الشوارع وجعلِها أكثرَ حساسية فيما يتعلّق بالطقس والسلامة المرورية وتوفير الطاقة والحماية من الحشرات والتلوث الضوئي، فلم يعد كافياً استبدالُ تقنيات الإضاءة القديمة عالية الاستهلاك بمصابيح الصمامات الثنائية الباعثة للضوء أو مصابيح الليد "LED" التي تعد من الخيارات المفضلة لخفض استهلاك الطاقة.

لكي تؤسّسَ لدى سكانها إحساساً بالأمان وتقلّلَ الإنفاق العام والأثر البيئي، تعاونت البلدة مع "دويتشه بنك" وشركة "مايكروسوفت" لإطلاق نظامٍ ذكيٍّ لا مركزيّ لإنارة الشوارع، وذلك ضمن مشروع شامل بقيمة حوالي 800 ألف يورو يهدف لتحديث أعمدة الإنارة عبر المدينة.

تضمّن المشروع ترقيةَ 154 عموداً وربطَها بأجهزة الاستشعار ووحدات التحكّم التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لضبط الإنارة بناءً على عوامل عدة كحركة المرور والإضاءة المحيطة والظروف الجوية، كما تضمّنت الجهود تطويرَ تطبيق ذكيّ يمكن للمواطنين تنزيلُه على هواتفهم الذكية واستخدامُه للتحكم بإنارة الشوارع، حيث يستطيعون تعديل إعداداتها حسب تفضيلاتهم الشخصية، مثل إطفاء ضوء قويّ مقابلٍ لنافذة غرفة النوم أو زيادة سطوع آخر يضيء شارعاً في ليلة معتمة. بهذا، يمكن تشغيلُ كلّ عمود إنارة بشكل فرديّ، وربطِه بوحدة التحكّم للإبلاغ عن أيّ عطل أو خلل، وتزويدُه مستقبلاً بخدمات ذكية أخرى.

أجرى الفريق التنفيذي ورشات عمل للخروج بخوارزمية تعلّم آليّ تعمل في الوقت الفعلي ليكون بمقدور البرمجيات التي تشغّل كلّ عمود إنارة أن تفهم متطلّبات السكان وتتذكّر تفضيلاتهم وتطبِّقَها بشكل تلقائيّ.

وكانت سلطات المدينة قد جربت لسنوات ابتكارات مختلفة لتطوير إنارة الشوارع، وتبنّت عدة تقنيات، مثل ضبط "درجة حرارة اللون" بين اللون الأبيض المحايد وذاك الأصفر الذي يشيع استخدامُه في الشوارع العامة. بهذا، ستختلف درجةُ الإنارة وسطوعُها في حديقة عامة عمّا قد نراه في شارع حَضَري مزدحم. كما قامت المدينة في العام 2019 بتركيب أجهزة استشعار لرصد مستويات الضوضاء ونِسَب الملوّثات في الهواء ورصد تدفّق حركة المرور، وذلك استعداداً لأحد المهرجانات السنويّة الذي يستمر لأسبوع ويستقطب عشرات الآلاف من الزوار.

وفي سياق مشابه، تختبر سلطات البلدة نظاماً متطوراً يساعد طواقم الطوارئ على الاستجابة في غضون 10 دقائق، بناءً على بياناتٍ حية لحركة المرور. وفي حين يبدو هذا شبيهاً بما يقوم به نظام تحديد المواقع العالمي، فهو يتضمن ميزة إدماج إشارات المرور بحيث يمكن لفِرَق الاستجابة تغييرُ الاشارة من حمراء إلى خضراء واختصارُ وقت الانتظار. وبعد مرورهم، ستتولى خوارزميات الذكاء الاصطناعي إعادةَ حركة المرور إلى ما كانت عليه.

ليست هذه التجربةَ الأولى للإنارة الذكية، حيث سبق أن استخدمتها مدن عديدة، ففي العاصمة الكورية، سيؤول، تقوم هذه الأعمدة بعدة وظائف أخرى كمراقبة الطقس وتوفير الاتصال بالإنترنت، كما تتضمن مآخذ لشحن الهواتف الذكية، تخطط الحكومة لاستخدامها مستقبلاً في شحن الطائرات المسيّرة.

أما في شيكاغو الأمريكية، فقد طرحت السلطات أنظمة الإنارة الجديدة على السكان قبل البدء في تركيبها، لضمان أن تكون الفئة المستهدفة في مشاريع التطوير جزءاً من تنفيذها، ولا سيما المجتمعات المهمشة والأقليات.

ربما يفتح هذا ابتكار بلدة "باد هرسفلد" الباب للفوضى، بدءاً من السلوكيات المؤذية وليس انتهاءً بإثارة الخلافات بين سكان شارعٍ واحد. ولئلّا يحول هذا التحدي دون نجاح المشروع، أضاف الفريق التقنيّ إعدادات تمنع المستخدمين من اتخاذ إجراءات تهدد الأمن أو تهدر الطاقة، فخلال مرحلة إثبات المفهوم، اقتصرت التجارب على عدد محدود من المشاركين، كما تم تزويد كل نظام بإعدادات نموذجية يمكنه العودة إليها، حيث يتم إلغاء تفعيل التطبيق لمدة عشر دقائق لكي يتسنى للمستخدم تجربةُ خياره، ولمنعه من التبديل السريع بين درجات مختلفة من السطوع.

حتى أنّ الفريق التقني يتطلّع إلى ما هو أبعد من هذا، فهو يخطط لتطبيق ذكي يتضمن ملف تعريف شخصي لتفضيلات الإنارة لكل مستخدم، ليعدل له الاضاءة حيث يمر. وهو طموحٌ تراه البلدية بعيد المنال، وغيرَ ممكن إلّا بعد سنوات من التجارب والبحث والتطوير.

وبينما يعلن المجلس عن مناقصة لترقية 2000 عمود إنارة موزعة في بقية شوارع البلدة، من المأمول أن تشمل آثار هذه التقنية توفيرَ التكاليف، وزيادةَ السلامة في الشوارع، وحمايةَ الحياة البرية والتنوّع البيولوجيّ، والمتابعةَ المستمرة للظروف البيئية كدرجات الحرارة والضوضاء وجودة الهواء، وجمعَ البيانات عن النشاط البشريّ وحركة المرور وأنماط التنقّل وغيرها.

المراجع:

https://www.ui.city/en/news/blog-archiv/the-power-of-sustainability-in-the-palm-of-your-hands

https://www.uli.city/en/blog/blog-archiv/an-innovative-public-lighting-project-starts-in-bad-hersfeld,-germany

https://www.reuters.com/business/energy/dimmed-street-lights-shorter-showers-germany-leads-europe-energy-savings-drive-2022-07-22/

https://www.themayor.eu/en/a/view/german-city-lets-ai-control-traffic-lights-to-make-green-waves-for-first-responders-10931

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right