كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

1 دقيقة قراءة
في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

عبر التاريخ البشريّ، كانت الكراهية قوةً خفيةً تتربّص بالمجتمعات، تتجلّى في أفعالٍ ورموزٍ تترك ندباً لا تزول بسهولة. من النظرات الاستعلائية مروراً بالإهانات الهامسة وليس انتهاءً بالكتابات الصارخة على الجدران، يبدو أنّها تجد دائماً طرائق لتَصِمَ المزاج العام وتخدش شعور الناس بالأمان والانتماء.

الرسوم الجدارية، مع أنّها أحد أشكال التعبير الفنّي المحبّبة والمميزة، قد تكون أداةً لنشر الكراهية أو المشاعر والأفكار السلبية، وعبارة مسيئة على جدارٍ بارتفاع مترٍ واحدٍ قد تترك أثراً لا يمكن قياسُ عمقِه. هذه مشكلةٌ كبيرةٌ بالنسبة لأيّ حكومة، لا سيما تلك التي تدير حياة مجتمعاتٍ متنوّعةٍ وملوّنةٍ كالمجتمع الكنديّ، فظهور رموز الكراهية في الأماكن العامة يسبب تهديداً كبيراً لشعور الناس بالأمان والاحترام. وينطبق ذلك بصورةٍ خاصةٍ على أبناء المجتمعات المهمّشة أو الأجنبية أو الأقلّ حظوة، مثل ذوي البشرة السمراء وأبناء القبائل الأصلية والآسيويين عقب انتشار جائحة كوفيد-19. وإن لم تكن الرسوم ذات طابعٍ عنيف- ونسبة 56% منها ليست بهذا الطابع- يبقى تأثيرها كبيراً، لأنّها تقوض الانسجام بين المجتمعات وتكرّس الخوف والانقسام.

من المعروف أن تتبّعَ جرائم الكراهية أمر صعب، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى ارتفاعها في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، حيث تُظهر أحدث بيانات هيئة الإحصاء الكندية زيادة في جرائم الكراهية في جميع المقاطعات والأقاليم، إذ ارتفعت أرقام العام 2021 بنسبة 27% عن العام 2020.

لمدةٍ طويلة، أدركت سلطات مدينة إدمنتون ضرورة مقاربة هذه المشكلة المتنامية، فأنشأت شراكةً بين فريق علوم البيانات والأبحاث مع رابطة مكافحة الكراهية، لإنشاء أداة شاملة تساعد عاملي الخطوط الأمامية وتتجاوز حدود المدينة إلى السلطات القضائية الأخرى، بغية تمكينها من التعامل مع هذه الظاهرة.

من هذا التعاون، وُلد مشروع المنارة، وهو عبارةٌ عن نهجٍ متعدّد الأوجه والمستويات، يسمح بتتبّع أي تعبيرٍ عن الكراهية وتحليله في الوقت الحقيقيّ، مما يزوّد صناع السياسات وأصحاب القرار برؤى قائمةٍ على البيانات لإنشاء برامجَ مصمّمةٍ وفقاً للاحتياجات.

يمثّل المشروع جزءاً من استراتيجيةٍ شاملةٍ لمكافحة العنصرية، حيث تعمل المدينة دائماً على تحديث سياساتِها التي لم تَعُد تناسب المجتمع الحديث الآخذ في التوسّع، والمتوقّع أن يصل تعدادُ سكانه إلى مليوني نسمةٍ بحلول عام 2050.

يتضمّن المشروع تطبيقاً لجمع البيانات على الهواتف الذكية، وآخر على الويب لتصنيف الصور وتحليلها، إلى جانب لوحة معلوماتٍ تعرض الأنماط المكانية والزمانية.

وقد ساهمت رابطة مكافحة الكراهية بتسهيل الوصول إلى ما يسمى "الكراهية المُعلَنة"، وهي أكبر قاعدة بياناتٍ للرموز والمؤشرات المعروفة التي تدلّ على الكراهية. اتخذ مشروع المنارة من هذه البيانات أساساً لكلّ نتاجها الذي جرى تطويرُه خلال ستة أشهرٍ حتى دخل مرحلة التوسّع على نطاقٍ دوليّ.

لم يسلم تطوير مشروع المنارة من التحديات، فعملية تتبّع وتحليل رموز الكراهية وتجلّياتها المختلفة عمليةٌ معقّدةٌ تتطلّب خبراتٍ فنيةً كبيرةً وتعاوناً وثيقاً. حرص الفريق العامل على المشروع على تطوير أداةٍ تصلح "ذراعاً يمنى" لموظّفي الخطوط الأمامية، بمعنى أن يُتاح الوصول إليها واستخدامُها بيُسر.

من جانبٍ ثانٍ واجه الفريق تحدّي إدماج قاعدة بيانات "الكراهية المُعلَنة" الواسعة ضمن نظامٍ متماسكٍ وعمليّ، خاصةً أنّه كان يعرف أنّ تحدّياً كبيراً آخر كان ينتظره، وهو تثقيفُ 160 موظفاً يعملون في الخطوط الأمامية وتدريبُهم على استخدام هذه الأداة بفاعلية، حيث يعمل هؤلاء في إداراتٍ ومهامٍ متنوّعةٍ تتعدّدُ معها كفاءاتُهم وخبراتُهم، فمنهم من يعمل في مجال حفظ السلام أو في مجال إنفاذ القانون أو البلديات وغيرها.

منذ الخطوات الأولى، كان تفاني الفريق وشراكاتُه الاستراتيجية وتنسيقه عالي المستوى الوسيلةَ الأساسية للتغلب على هذه العقبات وسواها.

وقد كان لإدخال نظام المنارة تأثيرٌ عميق على مدينة إدمنتون. فمنذ تطبيقه، جرى توثيق أكثر من 60 نموذجاً جديداً لرموز الكراهية، بالإضافة إلى 250 صورة تاريخية كانت موجودة مسبقاً ضمن النظام. وتسمح البيانات الآنية التي يوفرها نظام المنارة ببناء فهمٍ شاملٍ لاتجاهات الكراهية والأماكن التي تنتشر فيها أكثر من غيرها، ما يعني تمكينَ استجاباتٍ أكثر مسؤوليةً وقراراتٍ سياسيةٍ أكثر فعالية.

أكّدت المبادرة أيضاً إمكانيات التكنولوجيا والشركات الاستراتيجية في الحدّ من الخطاب الرافض للآخر أو الخائف من الاختلاف وتعزيز المجتمعات الشاملة والمنفتحة.

وقد لفت نجاح هذه التجربة اهتمامَ المدن الكندية الأخرى، وحتى كياناتٍ دوليةً بارزةً مثل مكتب التحقيقات الفيدراليّ، فاستحقّت الأداة اسمَها، وأصبحت منارةً للأمل في احتواء خطاب الكراهية وتكريس قيم التسامح.

المراجع:

• https://apolitical.co/solution-articles/en/from-lightbulb-to-lighthouse-using-innovation-to-tackle-hate

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025

مدينة العمر المديد: كيف أعادت نيوكاسل تعريف الشيخوخة في البيئة الحضرية

يحتفي مشروع "مدينة الحياة المديدة" في نيوكاسل بكبار السن عبر إعادة تشكيل التصورات التقليدية حول الشيخوخة، من خلال بيئة حضرية ديناميكية وداعمة تمكّنهم من العيش بفاعلية واستقلالية. تعتمد هذه المبادرة على تكامل الابتكارات التكنولوجية، والتخطيط العمراني المستدام، والمشاركة المجتمعية، بهدف تعزيز جودة الحياة لكبار السن.

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right