مع تفاقم مشكلة بطالة الشباب، رأت حكومة جنوب أفريقيا أنّ الأمر يستدعي منظوراً جديداً عند تصميم برامج التوظيف، بحيث لا تتوقف عند حدود المشكلة المباشرة، بل تمهّد الطريق للتنمية الاجتماعية والنموّ الاقتصادي طويل الأمد.
البطالة أكثر من مجرّد إحصائيات، إنّها نسيجٌ معقّد من الصعوبات الشخصية والفرص الضائعة والإمكانات المدفونة، وهذا التعقيد هو ما يجعل مقارباتِها متعدّدة، فهي ليست مسألة توفير وظائف فحسب، بل وبناء أملٍ للأفراد والمجتمعات.
في جنوب أفريقيا، بلغت معدّلات البطالة بين الشباب مستوياتٍ مقلقة، ثم جاءت جائحة كوفيد-19 عام 2020 لتزيد المشكلة تعقيداً. ولم يكن التحدّي ينتهي عند تقديم الإغاثة الفورية للعاطلين عن العمل وتأمين وظائف قد تكون مؤقّتةً أو غير ملائمةٍ لقدراتهم، بل كان يتمثّل بمنحهم آفاقاً للعمل المستدام وطويل الأجل الذي يحقّق تطلُّعاتِهم. والحقيقة أنّ نماذج الخدمات العامة المُعتمَدة تقليدياً في البلاد لم تكن كافيةً لمعالجة الطبيعة متعدّدة الأوجه لهذه الأزمة، مما استلزم اتباع نهجٍ جديدٍ قد يلبّي احتياجات الشباب المباشرة والبعيدةَ على حدٍّ سواء.
لهذا، أطلقت حكومة البلاد مبادرة التحفيز الرئاسيّ للتوظيف في العام 2023، وذلك بالتعاون مع مختلف الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التعليمية مع شركاء من القطاع الخاص.
بميزانية تقارب 5.5 مليار دولارٍ أمريكيّ، ترمي هذه المبادرة الشاملة إلى توفير 1.2 مليون فرصة عملٍ قيّمةٍ للشباب في قطاعاتٍ متعدّدة، وعلى نحوٍ يصبّ في تحقيق الازدهار الشامل لجنوب أفريقيا.
لفعل ذلك، تناولت المبادرةُ العديدَ من التحديات من خلال استراتيجياتٍ مبتكرةٍ وشراكاتٍ استباقيةٍ وممارساتٍ مستدامة. على سبيل المثال، اختار الفريقُ الاستفادة من المساعدات الدولية وإعطاء الأولوية للاستثمارات الداخلية لاجتياز القيود المالية. كما تركّز جزءٌ من الجهود لضمان الوصول العادل إلى الفرص الوظيفية ومعالجة التفاوتات الإقليمية.
شملت المبادرات الرئيسية توظيف 600,000 شاب في وظائف مساعدين في المدارس، وتطوير أدوات تعليمية رقمية لتزويد المهتمين بالمهارات ذات الصلة، وتدريب النساء على العمل كمساعدات قانونيات للتعامل مع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى إطلاق تطبيقٍ خاصٍ على الهاتف المحمول لمساعدة الراغبين في العثور على فرص عمل مناسبة بالقرب منهم.
علاوةً على ذلك، أدخلت المبادرةُ ممارساتٍ مستدامة مثل إسناد الأفضلية للتقنيات الخضراء ومصادر الطاقة المتجددة، وذلك للحدّ من الأثر البيئيّ وضمان الاستمرارية على المدى الطويل.
كما وُضع إطارُ عمل شاملٌ لتتبّع الآثار التي حقّقها البرنامج فيما يخصّ حياة المشاركين والاقتصاد والتنمية الاجتماعية وتقييم كلّ ذلك، مما يسمح بالتحسين المستمر واتخاذ قرارات مستنيرة.
وقد تلقى المشاركون تدريباً في قطاعات متعددة، بما في ذلك المهارات الرقمية والمعرفة الخاصة بالصناعة في مجالات مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، لتعزيز قابليتهم للتوظيف.
لم يخلُ تنفيذ البرنامج من التحديات، من بينها ضمان ارتباط فرص التوظيف بمهارات المشاركين وقدرتها على تقديم خبرة عملية ذات مغزى.
كما كان ضمان استدامة البرنامج إلى ما بعد فترة التمويل الأولية عقبةً كبيرةً أخرى، يُضاف إليها تحدي دعم انتقال المشاركين إلى وظائف دائمة في القوى العاملة التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تطلب الأمر تخطيطاً دقيقاً لتطوير إطار عمل شاملاً لرصد فعالية البرنامج وتقييمها وتحديد مجالات التحسين.
كما واجه البرنامج أيضاً تحدي التنسيق الفعال مع أصحاب المصلحة المتعددين المشاركين في تنفيذه، الأمر الذي يُعدّ جوهرياً لبناء تعاونٍ مثمرٍ وتعميق أثره وتحقيق الكفاءة في إدارة الموارد، خاصةً بالنظر إلى التباينات الحادة في معدّلات البطالة وأسبابِها بين مناطق البلاد وأقاليمها المختلفة، وهي تبايناتٌ لا يمكن اجتيازُها إلّا بضمان توفير الوصول العادل إلى الفرص للجميع دون استثناء.
عادت هذه المبادرة بآثارٍ إيجابيةٍ على الأفراد والمجتمعات المحلية. بلغة الأرقام، استطاعت أن توفّر مصادر دخلٍ فوريةً لـ 1.2 مليون شابٍ وشابّةٍ سيبنون من خلالها خبراتٍ مهنيةً متنوّعة، كما أنّها قدّمت الدعم للمنظومة التعليمية وصقلت مهارات المشاركين في التقنيات الرقمية الحديثة، ونجحت في تقديم مساعدةٍ فريدةٍ لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعيّ بأشكاله المختلفة.
أما بالنسبة للأهداف البعيدة، فالمبادرة تَعِد بنقل المستفيدين منها إلى وظائف دائمةٍ تتعزّز فيها النتائج التعليمية التي وصلوا إليها، وتزداد القدرة على التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعيّ.
من الجدير بالذكر، أنّ هذه الجهود أثبتت فعالية خطط التوظيف الحكومية في معالجة أزمات البطالة واسعة النطاق، وسلّطت الضوء على دور التنسيق بين الشركاء وأهمية الرصد والتقييم المستمرَّين في سعي الحكومات لتحقيق أثرٍ أصيلٍ في الأفراد والمجتمعات والاقتصادات.
المراجع:
- https://govinsider.asia/intl-en/article/how-south-africa-created-over-one-million-meaningful-jobs-at-the-height-of-the-pandemic
- https://www.context.news/rethinking-the-economy/how-can-johannesburg-create-inner-city-jobs-when-covid-money-ends?utm_source=twitter&utm_medium=social&utm_campaign=kim-harrisberg-context
- https://www.stateofthenation.gov.za/employment-stimulus-dashboard











