تمثل زحمة المرور أحد أهم التحديات التي تعاني منها المملكة المتحدة، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية. ومن أجل التغلب على هذه التحديات طورت حكومة "ويست ميدلاندز" (West Midlands) بالتعاون مع شركات المعلومات والاتصالات الخاصة حلاً مبتكراً يعتمد على تقنيات شبكات الجيل الخامس للاتصالات (5G) لمراقبة حركة المرور في الطرقات، والحصول على معلومات في الوقت الفعلي تساعد على توجيه السير بشكل أفضل لتفادي الاختناقات المرورية قبل حدوثها، كما يساهم الحل في تمكين السلطات من التخطيط الفعّال لمشاريع إنشاء البنى التحتية وشق الطرقات مستقبلاً.
تتوجه المملكة المتحدة نحو منهجية جديدة بالاعتماد على تقنيات شبكات الجيل الخامس للاتصالات لمعالجة التحديات الناجمة عن زحمة السير، حيث أتاحت الفرصة أمام السلطات المعنية لتبني ابتكارات وحلول تكنولوجية تعنى بتنظيم حركة الطرقات وتخفيف وطأة زحمة السير اليومية. ولتحقيق هذه الرؤية تعمل حالياً مؤسسة مواصلات "ويست ميدلاندز" (TfWM) التابعة للسلطة الموحدة لمنطقة "ويست ميدلاندز" (WMCA) بالإشراف على المشروع الذي تقوم بتنفيذه بالتعاون مع عدّة شركاء استراتيجيين من القطاع الخاص مثل شركة "دبليو إس بي" (WSP) للاستشارات، و"سيمنز" للتكنولوجيا، و"فودافون" للاتصالات.
وكخطوة أولى فقد تم اختيار عدد من الطرقات الرئيسية والتي تعد الأكثر ازدحاماً، بالإضافة إلى الشوارع المتفرعة منها في "ويست ميدلاندز" في إنجلترا، لتكون أول منطقة في المملكة المتحدة يُطبق فيها مشروع من هذا النوع يتبنى تقنيات رقمية ترتكز إلى بيانات يتم جمعها عبر شبكة من أجهزة الاستشعار الموزعة في الطرقات. وعلى الرغم من أن هذه الطرقات لا تشكل أكثر من 7% من إجمالي شبكة الطرق، إلا أنها تنقل أكثر من نصف حركة السير في المنطقة. هذا ما جعلها عرضة لازدحام السير والاختناقات المرورية.
وسيتم خلال المرحلة الأولى من المشروع تركيب شبكة من أجهزة الاستشعار وأجهزة الرادار والكاميرات المتصلة بشبكة اتصالات من الجيل الخامس في نقاط محددة على الطرقات. حيث تجمع هذه الأجهزة معلومات مفصّلة في الوقت الفعلي عن تدفق حركة السير وترسلها إلى مركز المراقبة لحركة المرور في "ويست ميدلاندز"، الذي يقوم بدوره باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على استمرار حركة السير بسلاسة والحد من الاختناقات المرورية. وبهذه الطريقة سيتمكن الفريق المكلّف بمتابعة حركة المرور بالتنبه إلى الأماكن التي تبدأ فيها المركبات بالتباطؤ في أي نقطة من الطريق وإدارة السير تبعاً لتفادي الازدحام المروري. وبهذا سيوفر المشروع لمسؤولي مركز المراقبة عدة خيارات متعلقة بإدارة حركة المرور، تشمل تحويل مسار الحافلات العامة عن نقاط الازدحام، أو إرسال الدوريات لتحويل السير إلى مسارات أخرى بشكل مؤقت، أو إرسال رسائل تحذيرية تنصح السائقين بتجنب سلوك الطرقات التي تشهد بوارد ازدحام مروري.
ومن ناحية أخرى، سيمكّن المشروع الدوائر المرورية من تطبيق تقنيات التوأمة الرقمية التي يتم من خلالها جمع مختلف البيانات والمتغيرات على الطرقات وتحليلها، لبناء نماذج حاسوبية يمكن اختبارها على أرض الواقع، للتحقق من صحتها قبل اعتمادها في تحسين حركة المرور. كما ستساعد هذه النماذج في تقديم فهم أدق للتغيرات الحاصلة على سلوكيات السائقين، خاصة في الوقت الذي يتم فيه رفع القيود على الحركة التي اتخذت بسبب جائحة كوفيد-19.
بالإضافة إلى هذه المزايا، فإن المشروع الجديد والذي تبلغ قيمته 5.8 مليون جنيه إسترليني (حوالي 8 مليون دولار أمريكي)، سيعزز قدرات الدوائر المرورية على التنبؤ والاستعداد لأي ازدحام في حركة السير قد ينتج عن الحوادث أو الأحوال الجوية الصعبة. ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي النظام الجديد إلى الاستغناء عن بعض الأساليب المعتمدة حالياً في إدارة المرور أو الحد من استخدامها، مثل نظام أنابيب الهواء المضغوط على الطرقات المستخدمة في قياس حركة السير، أو استخدام كاميرات المراقبة (CCTV) في الشوارع، أو نظام التعرف الآلي على أرقام لوحات السيارات (ANPR). حيث تتطلب هذه الوسائل التقليدية صيانة وتكاليف عالية مقارنة بتقنيات المشروع الجديد.
ومن الجدير بالذكر أن النظام الجديد قادر على جمع بيانات مفصّلة لا يمكن الحصول عليها من خلال الوسائل التقليدية، مثل البيانات المتعلقة بحركة المشاة والدراجات، فضلاً عن دوره في دعم المبادرات المستقبلية لتحسين خدمات المرور وتنظيم استخدام الوسائل الصديقة للبيئة، مثل الدراجات الهوائية أو "السكوتر الإلكتروني" (e-Scooters). كما سيتم تسخير النظام للاستفادة منه في جوانب متعددة أخرى، مثل دعمه بأجهزة استشعار خاصة لقياس مستويات الضجيج، أو نسبة الجزيئيات أو الجسيمات الملوثة للبيئة، أو قياس معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وسيتم بنهاية المرحلة الثانية والأخيرة من المشروع الجديد تركيب 280 جهاز استشعار إضافي في كافة التقسيمات الإدارية السبع التابعة للهيئة الموحدة لويست ميدلاند، وذلك في شهر مارس من عام 2022. ويأمل المسؤولون أن يؤدي النجاح المتوقع لهذه التجربة إلى تبنّي نماذج مماثلة في مناطق أخرى من المملكة المتحدة للحد من زحمة السير فيها وضمان الإدارة الفعّالة لحركة المرور من خلال الاعتماد على تقنيات شبكات الجيل الخامس للاتصالات.
المراجع: