شكلٌ جديدٌ للشحن الحَضَريّ، حلولٌ رائدةٌ لمدنٍ أكثر استدامة

شكلٌ جديدٌ للشحن الحَضَريّ، حلولٌ رائدةٌ لمدنٍ أكثر استدامة

1 دقيقة قراءة
لمواجهة تحدٍّ بيئيٍّ متصاعدٍ يفرضه الشحن الحضريّ، تعمل حكومات مدنٍ عديدةٍ مثل روزاريو وبوغوتا وكوتشي وشيملا وباناجي على لعب دورها الحقيقيّ عبر التكنولوجيا الذكية والتخطيط الحضريّ المستنير وتشجيع الممارسات المستدامة وتصميم السياسات وسنّ القوانين وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وغيرها. وذلك لبناء مستقبلٍ أكثر استدامة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لمواجهة تحدٍّ بيئيٍّ متصاعدٍ يفرضه الشحن الحضريّ، تعمل حكومات مدنٍ عديدةٍ مثل روزاريو وبوغوتا وكوتشي وشيملا وباناجي على لعب دورها الحقيقيّ عبر التكنولوجيا الذكية والتخطيط الحضريّ المستنير وتشجيع الممارسات المستدامة وتصميم السياسات وسنّ القوانين وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وغيرها. وذلك لبناء مستقبلٍ أكثر استدامة.

يُعدّ نقل البضائع في المناطق الحضرية عاملاً أساسياً يرسم شكل النشاط الاقتصاديّ في المدن، فهذا النشاط المسمّى اختصاراً "الشحن الحَضَريّ" يضمن تدفّق الاحتياجات والخدمات للمواطنين والشركات.

لأهمية هذه المنظومة، تشكِّل مركباتُها حوالي ربع المركبات التي تتحرّك ضمن المدن. وحسب بعض التقديرات التي أجريت قبل جائحة كوفيد-19، تشغل هذه المنظومة 40% من سعة الطرق، وتتسبّب بـما يقارب 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون و50% من ملوّثات الهواء الأولية المرتبطة بالنقل الحضري.

كان ذلك قبل العام 2020، الذي شهد انتشار جائحة كوفيد-19، فبعد تصاعدٍ استثنائيٍّ للشحن الحَضَريّ خلال عامَي 2018 و2019، جاءت قيود الحركة بقفزةٍ في التجارة الإلكترونيّة، ففرضت ضغوطاً إضافيةً على البنية التحتية.

في ضوء هذه المعطيات، أطلق مشروع اللوجستيات البيئية التابع للمجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية مجموعةً مشاريع تجريبيةٍ وتعاونيةٍ في مدن كوتشي وشيملا وباناجي بالهند، إلى جانب مدينتَي روزاريو الأرجنتينية وبوغوتا الكولومبية.

يعمل المجلس لتعزيز الأدوات الحكومية التنظيمية والتخطيطية واللوجستية على مختلف المستويات الحكومية لدعم الشحن الحضري منخفض الكربون. تواكب مبادرات المجلس التوقعات المستقبلية في المدن بما يخص متطلبات الشحن، حيث تشير التوقّعات إلى أنّ مركبات التوصيل ستزداد بنسبة 36% في 100 مدينةٍ عالميةٍ بحلول نهاية العقد، وهذا قد يُترجم إلى 32% إضافيةً من الانبعاثات، و21% إضافيةً من الازدحام.

كانت التجربة الأولى في روزاريو بالأرجنتين التي أطلقت بلديتُها فكرةً غير منتشرة في أمريكا اللاتينية، وهي مشاركة دراجات البضائع العامة، وذلك بالتعاون مع مكتب التنقّل ومؤسساتٍ تجاريةٍ محلية، فأطلق الشركاء 20 دراجةً خاصةً للشحن، وقابلةً للاستئجار، ومزوّدةً بتكنولوجيا "السياج الجغرافيّ"، التي ترسم سياجاً افتراضياً على حدود منطقةٍ أو موقعٍ ما لإشعار المستخدِم عند قطع مسافةٍ معينة.

أما كولومبيا، فركّزت على فكرة الميل الأخير، أي استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة في الأجزاء الأخيرة من رحلات التوصيل حين يتعذّر قطعُ الرحلة بأكملَها بواسطتها، فأجرت سلطات العاصمة، بوغوتا، دراسةً موسّعةً لخيارات استخدام المركبات عديمة الانبعاثات في المراحل النهائية، كإلزام الشركات بأن تكون المركبات التي لا يتجاوز وزنُها 12 طناً كهربائية، ووضع سياساتٍ تشجّع اعتمادَ هذا الخيار، وعقد ورش العمل للتعاون مع أصحاب المصلحة والقطاع الخاص وتبادل الأفكار والرؤى. وفي المستقبل القريب، تخطّط الحكومة لإضافة دراجات الشحن التقليدية والكهربائية والشاحنات غير المعتمدة على الوقود الأحفوريّ في إحدى المناطق ذات جودة الهواء المنخفضة. وتترافق كلّ هذه الإجراءات بأداةٍ لتقييم جدوى الأدوات التكنولوجية ومساعدة السلطات على اتخاذ القرار.

وفي الهند، أطلقت حكومة مدينة باناجي مبادرةً مشابهةً عبر نشر مركبات الشحن الكهربائية لإنجاز عمليات الميل الأخير، مع العمل على تحسين البنية التحتية الرقمية وتحليلات البيانات.

بدورها، اختارت سلطات مدينة شيملا المزدحمة 17 موقعاً لتعيدَ تأهيلَ أرصفتِها لتسهيل تحميل البضائع وإنزالها، عبر وضع إشارات مرورٍ جديدةٍ ووضع جداول تشغيلية واستخدام التكنولوجيا وحلول الشحن الذكية لتتبُّع حركة المرور وتنظيم مواقف السيارات.

ولا تغفل المدينة العنصرَ البشريّ، فتحاول تطوير قدرات الموظّفين بإقامة البرامج التدريبية والتعليمية، وتدريب السائقين على الممارسات الصديقة للبيئة.

وفي كوتشي، أطلقت السلطات مبادرةً لاستبدال المركبات التقليدية بأخرى كهربائيةٍ ثلاثية العجلات. وتركّز التجربة على تحسين وسائل الشحن وتحقيق الاستخدام الأمثل للبطاريات.

وينبغي على هذه المبادرات وغيرها اجتيازُ مجموعةٍ من التحديات، كتطوير البنى التحتية الذي يتطلّب موارد ماليةً كبيرة ويزاحم أولوياتٍ حكوميةً عديدة، ويحتّم على السلطات تخصيصَ التمويل بصورةٍ استراتيجية.

كما أنّ تغيير المجتمعات وسلوكياتها مهمةٌ شاقةٌ وتحدٍّ كبير، فالتكنولوجيا لا تكفي دون بناء الثقافة بفوائد تبنّي الممارسات المستدامة، وهذا يتطلّب الحملات التوعوية والتواصل المكثّف مع الناس لتعزيز المسؤولية الجماعية بالمستقبل.

ولن تكون هذه المشاريع ذات أثرٍ إن لم تتوسّع وتحافظ على زخمها، وهذا تحدٍّ آخر يتطلب التخطيط الدقيق وتخصيص الموارد وتنسيق الجهود بين الجهات الفاعلة إلى جانب الحوكمة الرشيدة القادرة على مواجهة التعقيدات اللوجستية والتنظيمية والمالية.

تقدّم التجارب تقييماتٍ عميقةً للأفكار الجديدة، فتحدِّد ما حقّقت من نتائج وما واجهت من تحديات، وتمكّن بذلك أصحاب القرار من اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ وقائمةٍ على الأدلة. كما يفتح التعاون بين الدول والكيانات آفاقاً واسعةً لتبادل المعارف والموارد والممارسات الفضلى لتطويرها أكثر.

في تجربة الأرجنتين، قدّمت حكومة روزاريو للشركات الصغيرة حلّاً مستداماً وصديقاً للبيئة يزيد كفاءة عمليات التوصيل، في حين تطمح حكومة بوغوتا إلى إزالة 98% من الكربون بحلول العام 2050 مع تقديم خدمةٍ أفضل وازدحامٍ أقلّ.

وفي الهند، تسعى حكومة باناجي للتخلّص التدريجيّ من المركبات التقليديّة، فمن المُرتقَب أن تتحوّل حوالي 10 آلاف عملية تسليمٍ إلى المركبات الكهربائية بعد ثلاثة أشهرٍ ونصفٍ من انطلاق التجربة. وعندئذٍ، يمكن تقييم إمكانية التوسّع وآفاق خفض الانبعاثات على المدى الطويل. وبدورها، تتطلّع سلطات شيبلا لتنظيم العمل وتقليل المخالفات وتعزيز الاستدامة البيئية، في حين تخطّط كوتشي لاختصار أكثر من 20 طناً من الانبعاثات الكربونية.

بزيادة الاعتماد على المركبات صفرية الانبعاثات وتعزيز الممارسات المستدامة، تخطو هذه المدن بثباتٍ في طريق الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، على أمل توسُّعَ هذا الاتجاه أكثر فأكثر.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

رؤية "صفر نفايات": حالة إدارة النفايات المبتكرة في كيل

في ظل تفاقم ظاهرة التغير المناخي، تبنت مدن العالم مجموعة من الحلول للتعامل مع مشكلة النفايات، ومع ذلك بقيت تلك الحلول جزئية، قصرت عن معالجة المشكلة بشكل كامل. فما تزال مكبات النفايات تلوث التربة والمياه الجوفية، والمحارق تبث غازات الاحتباس الحراري، والفضلات تلوث البحار. لكن مدينة "كيل" الألمانية قطعت شوطاً كبيراً في مسارها لأن تصبح مدينة خالية كلياً من النفايات، أو ما يسمى بمفهوم "صفر نفايات"، وذلك من خلال تطوير استراتيجية شاملة في إدارة النفايات تعالج جميع جوانب انتاج، وإعادة تدوير، وتراكم النفايات، وتساهم في تحويل المشكلة إلى فرص اقتصادية مستدامة.

 · · 24 يونيو 2024

سانتياغو تعالج قضية جودة الهواء عبر تكنولوجيا النقل العام المُحسّنة

لتحسين بنية نقلٍ متهالكةٍ تفاقِم التلوث، بدأت مدينة سانتياغو بتشيلي رحلةً تحويليةً تشمل رفدَ أسطولِ النقل بحافلاتٍ حديثةٍ وصديقةٍ للبيئة، وتطويرَ حلول نقلٍ مبتكرة تهدف لتحسين مستوى الحياة اليومية لسكانها.

 · · 24 يونيو 2024

الفلبين تتبنى نهج الاقتصاد الدائريّ لإدارة نفاياتها البلاستيكية

تواجه الفلبين أزمة تلوّثٍ حادةً بسبب النفايات البلاستيكية التي تهدّد بحرَها وسياحتَها وسبلَ عيش أبنائها. لذا، تمكنت بدعم المنظمات الدولية من تطوير برامج لجمع العبوات وإعادة تدويرها ونشر المراكز المتنقّلة التي تستلم النفايات من السكان مقابل حوافز تشجّعهم على تبنّي نهج الاقتصاد الدائريّ.

 · · 5 يونيو 2024

دروس مستفادة من تجربة كيب تاون في تجنب أزمة المياه

تحرصُ المدن الكبرى على التخطيط والاستثمار لضمان توفير أهم مورد طبيعي لسكانها، وهو المياه، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ، الذي يؤثر سلباً على صعيدين. فهو يؤدي إلى شح المياه، وهو أيضاً يساهم في تعجيل التضخم السكاني بسبب الهجرة المتنامية لسكان القرى والأرياف نحو المدن، مع تراجع الظروف المناخية المناسبة التي تعتمد عليها الزراعة في بعض المناطق. في هذا السياق، تشكل مدينة كيب تاون حالة بارزة تستحق الدراسة في مواجهة هذا التحدي.

 · · 8 مايو 2024

نظم الإنذار المبكر: دروس من اليابان والصين لمواجهة الكوارث الطبيعية

في ظل الزيادة المتنامية في حدة ووتيرة الكوارث الطبيعية حول العالم خلال العقود الماضية، خاصة تلك المرتبطة مباشرة بتغير المناخ، أطلقت الأمم المتحدة في العام الماضي مبادرة "الإنذار المبكر للجميع" كإطار عمل لضمان حماية كل إنسان من خلال نشر نظم الإنذار المبكر بنهاية عام 2027. وبينما تتضافر الجهود لوضع الخطط وكيفية التعامل مع التحديات الكبيرة التي ستواجه هذه المبادرة، هناك تجارب مبتكرة ومتقدمة ثبت نجاحها في كل من اليابان والصين في هذا المجال، من شأنها المساهمة في تصميم استراتيجيات ونظم الإنذار المبكر حول العالم، ودعم مبادرة الأمم المتحدة بأفضل الممارسات.

 · · 8 مايو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right