جرّاء الاستخدام الحصري للأراضي، وتوزيع الطاقة، والتشتت الحراري، أدركت بلديّة كوهوز، البلدة الصغيرة التابعة لمدينة ألباني في ولاية نيويورك، أن موارد الطاقة الشمسية التقليدية فيها ستصل إلى طريق مسدود، ووجدت أن المزارع الشمسية العائمة قادرةٌ على حلّ العديد من المشكلات، فباشرت مشروعاً تجريبياً مبتكراً أطلق حراكاً وطنياً على مستوى الولايات المتحدة كلّها.
فمع اقتراب نضوب الوقود الأحفوري في عدد كبير من الدول، وتفاقم الهموم البيئية، يتوجّه العالم أكثر فأكثر إلى مصادر الطاقة البديلة. وإذ تبدو الطاقة الشمسية مصدراً رئيسياً تعوّل عليه البشرية كثيراً، بوصفها المصدر الأرخص للكهرباء المتجددة، إلا أن محطاتها أقل كثافةً للطاقة، أي أنّ كمية الطاقة المنتجة فيها أقلّ لكل وحدة حجم، وهي أكثر تطلّباً للمساحات الأرضية إذا ما قورنت بالوقود الأحفوري على سبيل المثال. فإنتاج قدرة كهربائية مقدارها واط واحد مثلاً في المزارع الشمسية التقليدية، يتطلب حيزاً من المساحة أكبر مما يتطلبه إنتاج هذا الواط من الوقود الأحفوري، كما أن الغاز الطبيعي أكثر كثافة من الطاقة الشمسية بحوالي 80 مرة.
انطلاقاً من هذه المفارقة، ومن حقيقة أنّ ثلثي سطح كوكبنا مغطى بالمياه، بدأ التوجّه عالمياً إلى استخدام الألواح الشمسية العائمة، أو الخلايا الكهروضوئية العائمة FPV، التي يجري تركيبها على هياكل تطفو على أجسام مائية، كالبحيرات، أو الأنهار، أو البرك الشاطئية، أو الخزانات، أو السدود، أو حتى مياه البحر البعيدة عن الشاطئ. وفي الولايات المتحدة تحديداً، أصبحت مشاريع الطاقة الشمسية العائمة وبشكل متزايد خياراً شائعاً، استخدمه الجيش الأمريكي بكثافة حين نشر مزرعة كبرى من ألواح الطاقة الشمسية العائمة في ولاية كارولينا الشمالية، أكبر قاعدة عسكرية محلية في البلاد. ومع ذلك، فإنّ هذا الخيار لم يستقطب بعد انتباه القطاعات المدنيّة في الولايات المتحدة، إذ لم تشكّل "الخلايا الكهروضوئية العائمة" سوى 2% من منشآت الطاقة الشمسية المحلية فيها.
لكنّ الاستخدام الواسع للمساحات الأرضية يعني الكثير من السلبيّات بالنسبة لبلدة كوهوز الأمريكية الصغيرة، بمساحتها الإجمالية التي تقل عن 11 كيلومتر مربع. فهذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها 18 ألف نسمة، معظمهم من العمّال، تستعين بالطاقة الشمسية من خلال ألواح وخلايا كهروضوئية تقليدية تنتشر على أراضي البلدة المحدودة، الأمر الذي لا يروق بالطبع للأهالي الذين يرون في مصفوفات الألواح الشمسية آفةً تقضم أراضيهم الصالحة للزراعة، وتسيء إلى جمالها الطبيعي، فضلاً عن أنها تسبب انخفاضاً في أسعار منازلهم.
لذا كان منطقياً من البلديّة هناك أن تفكّر بالألواح العائمة، القادرة على حل العديد من مشكلات الطاقة الشمسية التقليدية، مثل الاستخدام الحصري للأراضي، وتوزيع الطاقة، والتشتت الحراري، فضلاً عن إمكانية التنظيم الهيدرولوجي في القنوات والخزانات والمسطحات المائية الطبيعية المهددة بالخطر. فدرست جدوى تركيب مزرعة شمسية عائمة على خزان المياه التابع لها، استناداً إلى تقرير فنّي نشره مختبر NREL الوطني للطاقة المتجددة.
لم يسبق لأي مدينة أمريكية أخرى تنفيذ مشروع مماثل، إلا أنّ كوهوز كانت واثقة من جدوى مشروعها الرامي إلى توليد 3.2 ميغاواط للتيار المستمر، الذي سيكّلف 5.9 مليون دولار. وسعياً للحصول على التمويل، أوضحت حكومة المدينة أنّ حصولها على منحة لتطوير منشأة الطاقة الشمسية العائمة، بدلاً من تقديم الإعفاءات الضريبية لأصحاب الأراضي التي ستستخدم للمزارع الشمسية الأرضية، والتي يمكن استخدامها للتشييد والبناء، من شأنه أن يحفزها على الاستثمار في البنية التحتية لطاقتها الخاصة بطريقة مستدامة.
المشروع المتوقع إطلاقه في 2024/2025، اكتسبت فكرته بشقيها التقني والمالي الكثير من الجاذبية، وسرعان ما أثار على مستوى البلاد كلها حراكاً يرمي إلى إدخال تشريعات للدعم الفيدرالي للبحث وإطلاق مصفوفات الطاقة الشمسية العائمة على 24 ألف خزان مياه مكشوف تتوزّع في أرجاء الولايات المتحدة، بما يمهّد الطريق للبلديات الأخرى لأن تحذو حذو كوهوز.
سينتج المشروع في سنته الأولى أكثر من 4 ملايين كيلواط ساعي. وسيقام في محطة تنقية مياه المدينة، وهي موقع مؤمن بمساحة 14 فداناً، فيها خزان مياه مساحته 10 أفدنة. وهي مساحة أكثر من كافية. فقد بيّنت الدراسات أنّ 60% من سعة خزان كوهوز ستكفي لتوليد 100% من احتياجات الطاقة في منشآت البلدية، ما يتيح المجال لاستخدام 40% من هذه السعة لمعالجة القضايا البيئية المرتبطة بالعدالة الاقتصادية داخل مجتمع المدينة.
معلوماتٌ تجعل الحماسة تدبّ لدى المسؤولين. لكنّ الطاقة الشمسية العائمة لا تأتي من دون عيوب. فالمحطات التي تهدف لأن تدوم ما بين 25 و30 عاماً، قد يتسبب تآكل المعدات في تخفيض متانتها، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الصيانة، خاصة في المياه ذات مستويات الملح العالية. كما أنّ تحدي رأس المال الأساسي لا يستهان به، إذ عادة ما تكون التكاليف الأولية للطاقة الشمسية العائمة أغلى من نظيراتها الأرضية بنسبة تتراوح ما بين 10% و15% مقارنة بالخلايا الكهروضوئية الأرضية، نظراً لأنّ هياكلها مركّبة على نوع من الطوافات المربوطة بقاع المسطح المائي. هذا فضلاً عن أنّها ستعاني من مشكلات التقطع التي تعاني منها المنشآت الأرضية؛ فالطاقة ستتوفر فقط عندما يكون الطقس مشمساً، والضغط على شبكة الطاقة سيكون متبايناً.
بيد أنّ الطاقة الشمسية العائمة قد تكون أوفر على الأمد الطويل من نظيراتها الأرضية، وأكثر فائدة اقتصادياً بمرور الوقت، كما أن للخلايا الكهروضوئية العائمة فوائد فريدة، حيث تختصر الحاجة إلى توافر مساحات أرضية شاسعة. وبحسب بعض الدراسات، فهي تحت ظروف معينة تنتج مقداراً من الطاقة يفوق ما تنتجه الألواح الشمسية التقليدية حين تتعرض للقدر نفسه من أشعة الشمس.
المراجع:
https://www.theverge.com/2022/6/14/23167441/us-army-floating-solar-power-plant-floatovoltaics
https://www.ci.cohoes.ny.us/523/Building-Floating-Solar-in-Cohoes
https://www.timesunion.com/news/article/Cohoes-floating-solar-array-plan-inspires-federal-17627636.php
https://www.nrel.gov/news/program/2022/small-city-sets-example-for-floating-solar-empowered-by-nrel-data-set.html
https://www.ifc.org/wps/wcm/connect/6ef92aa8-bf29-4c43-8edc-a0f7555e6a5d/IFC-EnergyNotes-FloatingSolar_WEB.pdf?MOD=AJPERES&CVID=n8KDCtS#:~:text=Floating%20systems%20present%20specific%20challenges,as%20high%20winds%20and%20waves