بريطانيا تستعين بالعلوم السلوكية في محاربة الأخبار الزائفة عن لقاح كوفيد-19

بريطانيا تستعين بالعلوم السلوكية في محاربة الأخبار الزائفة عن لقاح كوفيد-19

1 دقيقة قراءة
مع ذروة جائحة كوفيد-19 خلال العام الماضي 2020، تعرضت حكومات العالم لاختبار غير مسبوق في تعاملها مع تبعات الجائحة على المستوى الاقتصادي والصحي والاجتماعي.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

مع ذروة جائحة كوفيد-19 خلال العام الماضي 2020، تعرضت حكومات العالم لاختبار غير مسبوق في تعاملها مع تبعات الجائحة على المستوى الاقتصادي والصحي والاجتماعي. ولم تكن حكومة بريطانيا بمعزل عن ذلك، حيث لجأت خلال فترة الجائحة إلى وسائل غير اعتيادية كمبادئ العلوم السلوكية في وضع سياسات تهدف للحد من انتشار العدوى، ومؤخراً لمحاربة ظاهرة الأخبار الزائفة عن اللقاح التي ظهرت عالمياً، والتي تتناقلها المجتمعات المحلية في بريطانيا.

تفترض مبادئ العلوم السلوكية أن الناس قد لا يتصرفون بعقلانية عند استجابتهم للكوارث أو الأزمات، ولذلك ينص المبدأ الرئيسي فيها على ضرورة فهم تصرفات الأفراد ليتمكن صناع القرار من التدخل لتغيير سلوكهم بما يتناسب مع الضوابط الأخلاقية للعلوم السلوكية. وأثناء جائحة كوفيد-19، اضطرت أغلب الحكومات أن تتخذ قرارات عدّة على جناح السرعة للحد من انتشار العدوى، ولكن ما زال امتثال الناس لهذه القرارات يشكل تحدياً بارزاً أمام أغلب الدول، كالالتزام بغسل اليدين وارتداء الأقنعة وتدابير التباعد الاجتماعي بين الجمهور.

وبرزت مؤخراً على أجندات الحكومات تحدي تجاوب الناس مع لقاح فيروس كورونا المستجد وإقبالهم عليه. حيث أظهرت نتائج استطلاعات للرأي أجريت في بريطانيا مؤخراً أن إقبال الناس على اللقاح يتباين مع اختلاف أعراقهم وحالاتهم الاجتماعية وأعمارهم. فعلى سبيل المثال تبين للباحثين أن نسبة الذين حصلوا على اللقاح من ذوي الدخل المحدود تقل عن غيرهم، كما هو الحال مع البريطانيين المسنين وأولئك الذين ينتمون إلى الأقليات. ولكن أظهرت الدراسات أيضاً أن الأسباب وراء هذا التباين تختلف من فئة إلى أخرى. فمن أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى إعراض الناس أو ترددهم في أخذ اللقاح هو نوعية وصحة المعلومات التي يتلقونها عن اللقاح، كما هو الحال في ضاحية هونسلو في لندن، التي اتضح لحكومتها المحلية أن هناك فئات معينة من سكان الضاحية لا تصلهم معلومات صحيحة حول اللقاح أو في حال وصولها لا يتفاعلون معها بالشكل المطلوب.

فبالرغم من أن الحملات الوطنية تعمل على إيصال المعلومات حول الصحة العامة ولقاح فيروس كورونا المستجد لجميع شرائح المجتمع، إلا أن السلطات المحلية غالباً ما تكون مسؤولة عن إتمام المرحلة الأخيرة، عبر ضمان وصول الرسائل والمعلومات إلى مواطنيها، خصوصاً الفئات المهمشة أو الرافضين لاتباع إجراءات الصحة العامة أو المترددين في أخذ اللقاح. وهنا تبرز أهمية وفائدة العلوم السلوكية في فهم سلوك المواطنين حول الأمور المتعلقة بجائحة كوفيد-19 والأسباب التي قد تدفع البعض إلى عدم أخذ اللقاح.  

تعد التجربة التي قامت بها ضاحية هونسلو في لندن لمحاربة انتشار المعلومات الخاطئة حول لقاح فيروس كورونا أحد الأمثلة على استخدام الحكومات المحلية البريطانية للعلوم السلوكية في وضع سياساتها. حيث قامت حكومتها المحلية باستخدام اثنين من مبادئ العلوم السلوكية لمساعدتها على إيصال المعلومات الصحيحة حول اللقاح وهي التركيز على مضمون الرسالة وهوية المرسل. فمن خلال الاستطلاعات وجلسات المشاركة، أدركت السلطات المعنية أن المعلومات الخاطئة المتعلقة بلقاح كوفيد-19 كانت منتشرة في أوساط المجتمع وخصوصاً لدى الأقليات. ومن أكثر الشائعات انتشارًا أن التجارب التي أدت إلى الموافقة على اللقاح تمت بسرعة وبدون دراسة كافية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقويض الثقة في اللقاحات داخل تلك المجتمعات.

درس المجلس المحلي لضاحية هونسلو أفضل الطرق لتصحيح المعلومات الخاطئة عن اللقاح من خلال التركيز على "الرسالة" و"المُرسل"، وقد تبين لها أن الناس بشكل عام أكثر تقبلاً للمعلومات الواردة من مصادر تتمتع بالشعبية والثقة داخل المجتمعات المحلية. ولهذا السبب قام المجلس بتصميم ثلاثة أنواع مختلفة من الرسائل، وهي: 1) رسم توضيحي من "دائرة الصحة الوطنية" البريطانية (NHS) يفسر أن لقاحات فيروس كورونا مرّت بنفس المراحل التي مرّت بها اللقاحات الأخرى سابقاً والتي تلقى قبولاً عاماً، 2) رسالة من المجلس المحلي تعيد توجيه القارئين إلى صفحة الأسئلة الشائعة حول اللقاح، 3) اقتباس عن طبيب معروف ضمن المجتمع المحلي يوضح أن لقاحات فيروس كورونا خضعت لجميع التجارب اللازمة للموافقة على استخدامها.

ولتحديد مستوى تفاعل الناس مع الرسائل السابقة داخل المجتمعات المستهدفة، تم اختبار الرسائل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي من خلال قياس عدد النقرات على الروابط المرفقة مع الرسائل. وتوصل فريق البحث القائم على هذه التجربة إلى أن هناك حاجة ماسة إلى التركيز على هوية المرسل وليس فقط مضمون الرسالة، حيث تجاوب الناس مع المصادر والشخصيات التي يثقون بها محلياً أكثر من غيرها.

وقد استفادت ضاحية هونسلو من نتائج هذه التجارب في نشاطات أخرى ذات صلة، فعلى سبيل المثال قامت مؤخراً بالاستعانة بالأطباء الموثوقين في المجتمعات المحلية عند تقديم جلسات الأسئلة الشائعة ليشاركوا في الإجابة على أسئلة المواطنين حول جائحة كوفيد-19 واللقاح.

عموماً، تقدم العلوم السلوكية تفسيراً للسلوك البشري الذي قد لا يكون منطقياً عند استجابته للكوارث والأزمات. وعندما يتسنى للحكومات فهم سلوك مواطنيها يسهل عليهم وضع سياسات أكثر ملاءمة، تستهدف حل بعض التحديات كتجاوب الناس مع لقاح فيروس كورونا المستجد. ولكن يبقى ضرورياً أن تتحلى الحكومات بالحرص والشفافية في تطبيقها لوسائل العلوم السلوكية، ففي حال أسيئ استخدامها، قد تعرضها في بعض الحالات إلى انتقادات حادة من قبل المواطنين والمجتمع الدولي.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right