"اقتصاد الزمن الحقيقيّ" مشروع فنلنديّ لرقمنة جميع المعاملات التجارية

"اقتصاد الزمن الحقيقيّ" مشروع فنلنديّ لرقمنة جميع المعاملات التجارية

1 دقيقة قراءة
سعى المشروع الفنلنديّ إلى تعزيز القدرة التنافسيّة الدولية للشركات المحليّة ضمن التحوُّل الرقميِّ العالميّ. وحيث اختارت الحكومة استثمار حصَّتِها في أنشطة البحث والتطوير والابتكار في ميزانية العام 2021، فقد انصبَّ تركيز المشروع على إعطاء الأولوية للمبادرات التي تحقِّق تأثيراتٍ مجتمعيةً إيجابية وعميقة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تطمح الحكومة الفنلندية منذ سنوات لتحقيق الريادة الدولية في الاقتصاد الرقميّ بحلول العام 2030. وضمن هذا المسعى، أثمرت شراكة بين القطاعين الحكوميّ والخاص عن مشروعٍ جديدٍ يحمل اسم "اقتصاد الزمن الحقيقيّ" يهدف لتسيير التبادلات التجارية رقمياً.

يشير مفهوم الاقتصاد الرقميّ إلى توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بغية زيادة الفرص ودفع عجلة التنمية وتحسين جودة الخدمات العامة. وبطبيعة الحال، ليكون نموذج الاقتصاد الرقميّ ناجحاً في بلدٍ ما، ينبغي أن تُدار كلُّ عملياتِه وعلاقاته عبر الإنترنت.

وفقاً لمؤشر المجتمع والاقتصاد الرقميين الصادر عن المفوضية الأوروبية، احتلت فنلندا المرتبة الأولى في الأداء الرقميّ لعامين متتاليين، ثم تراجعت في العام 2021 إلى المرتبة الثانية. ورغم ريادتها في مجالات رأس المال البشري ودمج التكنولوجيا الرقمية والخدمات العامة الرقمية، فقد وُجدت عوامل أخرى تسببت في خسارتها للصدارة أوروبياً، أهمُّها تفاوت جودة خدمات الاتصال وضعف تغطية الشبكات الثابتة، فالبنية التحتية الرقمية في المناطق ذات الكثافة السكانية المحدودة لا ترقى إلى المستوى المطلوب. كما أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة في فنلندا أقلُّ نشاطاً في تقديم خدمات التجارة الإلكترونية مقارنةً بمثيلاتها في البلدان الأخرى.

ولأنّ تحقيق التغيير يتطلب التزام جميع السلطات والشركات ومقدِّمي خدمات الإدارة المالية، فقد تعاونت وزارة الشؤون الاقتصادية والعمل مع المكتب الفنلنديّ لبراءات الاختراع والتسجيل لإطلاق مشروعِ "اقتصاد الزمن الحقيقيّ"، الذي سيستمر حتى العام 2024 كجزءٍ من برنامج النموّ المستدام في فنلندا.

حظيَ المشروع بدعم عدة منظَّماتٍ من القطاع الخاص كاتحاد الصناعات، والمؤسسة المالية، واتحاد الصناعات التكنولوجية، واتحاد الشركات الفنلندية، ورابطة شركات المحاسبة. وقد رأت هذه الكِيانات في المشروع مدخلاً منخفضَ المخاطر للمشاركة في البرامج التي تقودها الدولة لتعزيز الرقمنة في "اقتصاد الزمن الحقيقيّ". أما من الجانب الحكوميّ، فقد شاركت عدة جهات حكوميةٍ مهمةٍ في المشروع، مثل وكالات خدمات البيانات الرقمية والسكان والإحصاء وإدارة الضرائب وخزانة الدولة، إلى جانب تمويل جزئيّ من هيئة التعافي والمرونة التابعة للاتحاد الأوروبي، حيث قدّم الأخير للدول الأعضاء قروضاً بقيمة 385.8 مليار يورو، ومِنَحاً وصلَ مجموعُها إلى 338 مليار يورو، على أن تُوظَّف هذه المبالغ لإنجاز مشاريع ابتكاريةٍ في المجال الرقميّ بين العامين 2021 – 2024.

سعى المشروع الفنلنديّ إلى تعزيز القدرة التنافسيّة الدولية للشركات المحليّة ضمن التحوُّل الرقميِّ العالميّ. وحيث اختارت الحكومة استثمار حصَّتِها في أنشطة البحث والتطوير والابتكار في ميزانية العام 2021، فقد انصبَّ تركيز المشروع على إعطاء الأولوية للمبادرات التي تحقِّق تأثيراتٍ مجتمعيةً إيجابية وعميقة.

وقد عيّنت وزارة الشؤون الاقتصادية مجموعةً توجيهيةً تضمُّ ممثلين عن الوزارات والكيانات الشريكة، وكلَّفتْها بتوجيه المشروع ودعمِه ومراقبةِ تنفيذِه بما يتوافق مع أهدافه، إلى جانب إجراء التغييرات اللازمة في ميزانيته أو جدوله الزمني.

في العمق، يتمثّل الهدف بتسخير الاقتصاد الرقميِّ الآنيّ لإنشاء منظومةٍ تضمُّ كلَّ التعاملات التجارية في فنلندا، فتجري التبادلات ضمنَ هذه المنظومة بالاعتماد على معلومات رقميّة منظّمة يمكن قراءَتُها ومعالجتُها آلياً. تمثِّل هذه الفكرة نموذجَ تشغيل يتم ضمنَه نقلُ بيانات العمل الرئيسية بالكامل إلكترونياً "في الزمن الحقيقي".

على المدى البعيد، تخطط الحكومة الفنلندية إلى سنِّ تشريعاتٍ تَنظُمُ إجراءات السياسة المالية الجديدة التي ستوظِّف الحلول الرقمية لمكافحة الاقتصاد الرماديّ أو الاقتصاد الغير رسمي، ولتبسيط اللوائح وتقليل الأعباء الإدارية على الشركات.

بعد مشروع اقتصاد الزمن الحقيقيّ، انطلقت خطةٌ لمشروع جديد يحمل اسم "البوصلة الرقمية". ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ خلال العام 2022 بإدارةٍ مشتركةٍ من وزارات النقل والاتصالات والمالية والشؤون الاقتصادية. وقد اختيرَ للبرنامج الجديد اسم "البوصلة" لأنّه يركّز على صياغة رؤية وأهداف وطنية مشتركة لتحقيق التحوُّل المأمول في اقتصاد البيانات بحلول العام 2030، إذ سيعمل فريقُه التنفيذيّ على تطوير السياسات التي تحكم أربعة مجالات رئيسية، وهي المهارات، وإرساء بنى تحتية رقمية موثوقة ومستدامة، وتأمين التحول الرقمي للأعمال، والخدمات العامة.

تماشياً مع هذا التوجُّه، دعمت فنلندا اقتراح المفوَّضية الأوروبية لتطبيق المحفظة المتّصلة وإنشاء إطار تشريعيّ لدعم تطوير الهوية الرقمية الأوروبية التي طُرحَت لتكون أداة تعريفٍ رقميةً سهلة الاستخدام لمواطني دول الاتحاد الأوروبي وشركاتِها والمقيمين على أراضيها. ويتقاطع هذا المفهوم مع الشهادة الرقمية التي تصدِرُها وزارة المالية الفنلندية، والتي تتيح التعرُّف على المواطنين الفنلنديين إلكترونياً عبر الخدمات والكيانات المُدارة حكومياً في الدول الأوروبية الأخرى.

عبر توظيف تقنيات الرقمنة المتقدِّمة، ستتمكن الشركات من معالجة بيانات أعمالها تلقائياً، ما يعني اختصارَ الوقت والنفقات الرأسمالية وكذلك زيادةَ الكفاءة والإنتاجية، وهي نتيجة طبيعية لقدرة الشركات على رقمنة الفواتير والإيصالات ونقل المعلومات إلكترونياً.

يمكن القول إنّ السلطات تتطلّع إلى تهيئة الظروف للشركات الفنلندية لانتقالٍ مثاليٍّ وسلسٍ إلى اقتصاد المستقبل وبناء أفضل إدارة حكومية في العالم.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025

أعضاء على رقاقة … ثورة في اكتشافِ الأدوية والرعاية الصّحيّة

سعياً إلى توفير أدوية أكثر أماناً وفعالية، أثمرت جهود العلماء ابتكاراً سُمي "الأعضاء على الرقاقة"، يقوم على محاكاة العمليات الحيوية على مستوى خَلَويّ، ويَعِد بسدّ الفجوة بين النظرية العلاجية والتطبيق السريريّ.

 · · 30 ديسمبر 2024

توربينات رياح تحصد طاقة الأعاصير في الصين

ابتكرت مجموعة مينج يانج الصينية تقنيةً متطوِّرةً تمكنها من تسخير أكثر ظواهر الطبيعة قسوةً لتوليد طاقةٍ نظيفةٍ ومتجددة، وهي منصّة توربيناتٍ متمركزة في المياه العميقة تحوِّل طاقة الرياح البحريّة إلى كهرباء حتى أثناء الأعاصير الشديدة.

 · · 30 ديسمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right