إنترنت الحيوانات … لمحةٌ عن تقنيةٍ جديدةٍ لضم الكائنات الأخرى على الإنترنت

إنترنت الحيوانات … لمحةٌ عن تقنيةٍ جديدةٍ لضم الكائنات الأخرى على الإنترنت

1 دقيقة قراءة
في مشهدٍ يشبه التواصل اللحظيّ للبشر أينما كانوا، أصبح بالإمكان اليوم تسجيل كلّ رفرفةٍ لجناح طائرٍ أو كلّ دبيب حشرة. إنّه الواقع المتطوّر الذي تَعِدُ به أحدث أنظمة القياس عن بُعد، التي تتبّع حركة الحيوانات وتوفّر بياناتٍ مهمةً للأبحاث، ليس لاستكشاف آفاق التكنولوجيا فقط، بل للحفاظ على التنوّع البيولوجيّ لكوكب الأرض.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في مشهدٍ يشبه التواصل اللحظيّ للبشر أينما كانوا، أصبح بالإمكان اليوم تسجيل كلّ رفرفةٍ لجناح طائرٍ أو كلّ دبيب حشرة. إنّه الواقع المتطوّر الذي تَعِدُ به أحدث أنظمة القياس عن بُعد، التي تتبّع حركة الحيوانات وتوفّر بياناتٍ مهمةً للأبحاث، ليس لاستكشاف آفاق التكنولوجيا فقط، بل للحفاظ على التنوّع البيولوجيّ لكوكب الأرض.

ثمة خيطٌ يربط جميع الكائنات الحية على سطح الأرض بلا استثناء، وهو غير مرئيٍّ للكثير منا مع أنه واضحٌ ومتينٌ جداً، فكلُّنا يؤثر ويتأثر بعضُه ببعضٍ على نحوٍ مباشرٍ أو غير مباشر، إلا أنّ حياة العديد من هذه الكائنات تبقى مجهولةٍ للبشر الساعين كلًّ يومٍ إلى فهم المزيد عن هذا العالم.

لقرونٍ طويلة ظلّ الغموض يكتنف حياة عددٍ لا يحصى من الأنواع الحية، من الأدغال المتشابكة إلى الصحاري الواسعة وحتى أعماق المحيطات، وكان فهم السلوكيات المعقّدة للحياة البرية تحدياً محفوفاً بالصعوبات المادية واللوجستية. تعيّن على الباحثين أن يكونوا مغامرين حقيقيين، يتكبدون عناء مهماتٍ شاقة ويتتبعون الحيوانات عبر مسافاتٍ بعيدةٍ وفي ظروفٍ خطيرةٍ، وذلك باستخدام أدواتٍ ومواردَ محدودةٍ أغلبَ الأحيان.

اليوم، تواجه كلّ الكائنات الحية مخاطر تغيّر المناخ، والعديدُ منها يواجه احتمالَ الانقراض. وقد ازداد الأمر تعقيداً بفعل آثار هذه الظاهرة وما صاحبها من تغيّراتٍ سريعةٍ في النظام البيئيّ، ومعه تصاعدت أهمية مراقبة تحرّكات الحيوانات وسلوكياتها وفهمها بدقة.

انطلاقاً من هذه الحاجة، عمل فريق علماء البيئة في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في ألمانيا على إطلاق التعاون الدولي لأبحاث الحيوانات باستخدام الفضاء، واضعين نصبَ أعينهم هدفاً طموحاً، وهو إنشاء شبكةٍ عالميةٍ يمكنها تتبّع حركات آلاف الحيوانات، من أجل رسم رؤى غير مسبوقة في سلوكياتها وهجراتها واستجاباتها للتغيرات البيئية.

بدأت الرحلة في العام 2001، أي قبل وقتٍ طويلٍ من شيوع مفهوم إنترنت الأشياء. آنذاك، تصوّر العلماء شبكةً من أجهزة الاستشعار يمكنها أن تقدم رؤى لا مثيل لها حول أنشطة الحيوانات التي تعيش في أقصى زوايا الكوكب.

في العام 2018، وبعد جهودٍ بحثيةٍ مخلصة تحقّقت هذه الرؤية، وانطلق جهاز الاستقبال إلى محطة الفضاء الدولية، ليتمّ تركيبُه على الجزء الروسيّ منها، ليكونَ بمثابة محورٍ مركزيٍّ على غرار الأقمار الصناعيّة، لكنّه يجمع البيانات من أكثر من 3500 حيوانٍ يحمل أجهزة تعقّبٍ صغيرة، تُعرف باسم محطات الإرسال عن بُعد ويصل وزنُ بعضها إلى 0.08 غرام.

تتواصل هذه الأجهزة عبر إشارات لاسلكية مع الأقمار الصناعية التي تدور في المدار، والتي تحدد الموقع الجغرافي للحيوان باستخدام "إزاحة دوبلر"، وهي تغيير في تردد الإشارة بسبب حركة القمر الصناعي قياساً إلى الجهاز.

بعد جمع البيانات يجري إرسالها إلى محطةٍ أرضية، ومن هناك يبدأ تحميلُها تدريجياً إلى قاعدة بياناتٍ باسم "موف بانك"، وهي منصةٌ مفتوحة المصدر، يمكن للباحثين والعاملين في مجال الحياة البرية الوصول إليها والاستفادة من محتواها لمراقبة حياة مختلف الأنواع ودراستها في الوقت الفعليّ، وكأنّها شبكة إنترنت موازية، لكنّها خاصة بالحيوانات.

واجه المشروع عقباتٍ كبيرة، فالنظام الأولي الذي يعتمد على حمولة واحدة على محطة الفضاء الدولية، كانت تغطيته محدودة، ولم يكن ممكناً إيصاله إلى مناطقَ أبعدَ من 55 درجةً شمالاً ومثلها جنوباً. كما أدت المشاكل الميكانيكية على محطة الفضاء الدولية في العام 2020 والاضطرابات الجيوسياسية، بما في ذلك الصراع الروسي-الأوكراني في العام 2022، إلى إعاقة جهود جمع البيانات.

لكنّ هذه العقبات حفّزت الابتكار أكثر، فلم يجد الفريق بُداً من وضع تصوّرٍ جديدٍ للمشروع، ما أثمرَ عن نظامٍ جديدٍ أكثر قوةً وفاعليةً من حيث التكلفة، وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأقمار الصناعية المكعّبة أو النانوية التي تدور في مساراتٍ قطبيةٍ وتوفّر باجتماعِها تغطيةً عالمية. بهذا، تجاوز الفريق معظم قيود النظام الأصليّ، ثم أضاف شبكةً أرضيةً لإنترنت الأشياء لتتكامل مع الأقمار التي تواصل توليد البيانات الحية على مدار الساعة، مما عزّز تتبّع الحيوانات في جميع أنحاء العالم.

أضف إلى ذلك تحديات توصيل الأجهزة بأمانٍ دون إلحاق الضرر بالحيوانات، وصعوبة استخدام النظام العالميّ لتحديد المواقع رغم دِقَّتِه، وذلك لكونه مكلفاً ويتطلّب استعادة الجهاز في أغلب الحالات.

كما أنّ البيئات المختلفة كالغابات الكثيفة والبيئات تحت المائية فرضت تحدياتها الخاصة، فأعاقت جمع البيانات تارةً، وجعلت مسارات الإشارة متقطِّعةً تارة أخرى، لكنّ العلماء قرّروا تنويع مصادر البيانات وبناء تكاملٍ بينها وبين القياسات البيئية، مثل درجة الحرارة المحيطة والرياح لرسم صورةٍ وافيةٍ عن حياة الحيوانات.

حقّق النظام نتائج ملحوظة، فتمكّن من تتبّع حتى أصغر الأنواع، مثل الحشرات والخفافيش الصغيرة، وأتاح رؤى جديدة حول أنماط هجرة الحيوانات وسلوكياتها وموائلها وظروفها الصحية، مما ساهم في توفير بيانات لا تقدر بثمن للأبحاث البيئية وأبحاث الحفظ.

في التطبيقات الواقعية، سدّ القياس عن بُعد الفجوات المعرفية في سلوكيات الهجرة والتبادل الجينيّ، كما في حالات طائر الوقواق والحيوانات المفترسة الكبيرة.

من خلال دمج بيانات صحة الحيوان والبيانات البيئية، تعزز هذه الأنظمة فهم للحياة البرية وتفاعلاتها مع النظم البيئية المتغيرة.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حين تسهم البيانات في تدفئة المنازل: الدانمرك تعيد استخدام حرارة الخوادم

في نهج مبتكر يحوّل مشكلة بيئية إلى حل مستدام، ويخفض الانبعاثات الكربونية، ويوفر دفئاً مستقراً للمساكن، تستخدم الدانمرك الحرارة الفائضة من مراكز البيانات لتدفئة آلاف المنازل. وبدلاً من هدر الطاقة، تعمل مشاريع مثل تلك التي تقودها مايكروسوفت وميتا على توجيه الحرارة عبر مضخات متطورة إلى شبكات التدفئة المحلية.

 · · 15 ديسمبر 2025

شعاب مرجانية تنبض بالحياة: ابتكارات تعيد الأمل إلى النظم البيئية المحتضرة

فيما تواجه الشعاب المرجانية خطر الانقراض بسبب تغيّر المناخ والتلوث والصيد الجائر، ما يؤدي إلى فقدان نظم بيئية بحرية حيوية تدعم ملايين البشر، تأتي مبادرة "كورال فيتا" التي طورت حلاً مبتكراً يتمثل في زراعة الشعاب المرجانية على اليابسة باستخدام تقنيات متقدمة مثل التجزئة الدقيقة والتطور المدعوم، لتسرّع نمو المرجان وتزيد من قدرته على التكيّف مع ظروف المحيط المتغيرة.

 · · 15 ديسمبر 2025

بيانات تُنبت محصولاً أوفر: كيف تشهد الهند ثورة زراعيّة

في مواجهة تحديات تغيّر المناخ وتدهور التربة وندرة الموارد، يواجه مزارعو الهند صعوبات متزايدة تهدد استدامة محاصيلهم. لكن شراكة مبتكرة بين شركتين غيّرت المعادلة، من خلال نظام ذكي يجمع بيانات التربة ويحللها لحظياً ليمنح المزارعين توصيات دقيقة حول الري والتغذية، ما يعزز الإنتاجية، ويقلل الهدر، ويفتح باباً جديداً لزراعة أكثر استدامة وربحاً

 · · 12 ديسمبر 2025

الصقر الآلي يحمي الطيورَ من الطائرات … والطائراتِ من الطيور

مع استمرار توسّع قطاع الطيران، يبقى ضمان سلامة الرحلات الجوية مع حماية الحياة البرية تحدياً كبيراً تعدّدت مقارباتُه. مؤخراً، ظهرت فكرة الصقر الآليّ، الذي أدمج التكنولوجيا المتقدمة ومبادئ الطبيعة، فقدّم معياراً جديداً في مجال سلامة الطيران والحفاظ على الحياة البرية.

 · · 29 أكتوبر 2025

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right