لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

1 دقيقة قراءة
في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

عبر التاريخ، أظهرت البشرية قدرةً عجيبةً على البقاء متقدّمةً خطوةً إلى الأمام، فصمدت في وجه أقسى الظروف، وطوّعت أشرس عناصر الطبيعة، وعالجت أمراضًا كانت عصيّةً على العلاج، وربطت العالم بطرائق لم يكن لأسلاف البشر أن يتخيّلوها. وفي قلب تلك الإنجازات الاستثنائية، ظل الابتكار يظهر بلا حدود تقيده.

قبل بضع سنوات، ظهر الذكاء الاصطناعي القادر على تقليد الكثير من الأفعال البشرية. وقد قطع هذا المجال أشواطاً طويلة في محاكاة القدرات الإنسانية، حتى بلغ مرحلة التنبؤ بالأحداث المستقبلية بدقّة لافتة في كثير من الأحيان. وتُسهم تقنيات مثل التعلُّم بالتقليد والتعلُّم المعزّز في تطوّره وتكيّفه مع المواقف المعقّدة، مما جعله عنصراً حاضراً بوضوح في الحياة اليومية.

أثار هذا التطوّر السريع مخاوف أخلاقيةً وثقافية، فغالباً ما تتأثّر أنظمة الذكاء الاصطناعي بالقيم الثقافية للبلدان التي تطوِّرها، وبالتالي يمكن لها أن تسيءَ تفسير الممارسات الثقافية أو تحرِّفَها، ما قد يؤدي إلى تطبيقات متحيِّزةٍ أو مسيئة.

علاوةً على ذلك، تطرح نماذج المحاكاة مخاطرَ تتعلّق بالموافقة الشخصية والتلاعب، ما يدعو إلى التشكيك في الحدود الأخلاقية لدور الذكاء الاصطناعي في مجتمعنا.

في محاولةٍ للتصدّي لهذا المشهد، أطلقت مجموعةٌ من الفنانين ومصمّمي الألعاب التجريبية مشروع "لعبة الاختلاف" التي تخاطب الإبداع البشريّ ليتحفّز ويبتكر.

تندرج هذه اللعبة ضمن مهمة القاعدة الإبداعية المدنيّة في طوكيو، وتأتي في إطار "برنامج احتضان الفنون 2023"، بتمويلٍ من صندوق الصناعات الإبداعية.

في ظاهرها تبدو لعبة الاختلاف بسيطةً جداً، لكن على نحوٍ مخادع. إذ تقوم فكرتُها على دعوة مجموعةٍ من المشاركين، يُطلب إليهم رسمُ صورٍ مفهومةٍ للبشر فقط، وهذا يعني أنّ الذكاء الاصطناعيّ سيعجز عن فهمها أو استنتاج شيءٍ من محتواها.

تُعدّ اللعبةُ نسخةً مطوّرةً من أخرى سبقتها، اسمُها "لعبة المحاكاة"، وهي تعتمد على الرسم الرقميّ. تتضمّن اللعبة لاعبَين اثنين في كلّ جولة، حيث يُنشئ أحدهما صورةً أو لوحةً ما، ليحاول خصمه تخمينَ معناها قبل أن يسبقه الذكاء الاصطناعيّ إلى ذلك. الهدف هو تشجيع اللاعبين على الخروج عن القرائن التقليدية والتعبير عن أنفسهم وأفكارهم بطريقةٍ فريدة.

برمجياً، تخضع رسومات اللاعبين للتحليل باستخدام "تقنية تضمين الجوار العشوائي الموزع (t-SNE)"، وهي طريقةٌ إحصائيةٌ تبني معادِلاتٍ بصريةً للبيانات ذات الأبعاد المرتفعة، من خلال وضع الصور المتشابهة معاً وإقصاء الصور المختلفة عن المجموعة.

لكنّ هذه الفكرة الإبداعية واجهت مجموعةً لا يستهان بها من التحديات، مثل تحدي التكامل الثقافيّ. ففي حين تستحقّ الفكرة التعميم على مستوى العالم، لا يمكن إدماجُها في المجتمعات المتنوّعة دون أن يكون المفهوم الذي قامت عليه متاحاً لأبناء تلك المجتمعات على اختلاف ثقافاتهم، ما يضمن أن يحظوا بتجربةٍ تعليميةٍ وإبداعيةٍ جذابةٍ ومستدامة.

أضف إلى ذلك تحدّي التوسّع، فنقل هذه الفكرة إلى دولٍ أخرى– بل إلى مدنٍ أو حتى قطاعاتٍ أخرى– سيحتاج إلى عملٍ منظّمٍ على عدّة مراحل واستثمارٍ كبيرٍ وذي قابليةٍ للاستمرار.

هذا وقد وجد فريق المطوّرين، أنّ الإدارة الفعّالة للوقت ستكون العامل الحاسم في التغلّب على هذه التحديات والوصول إلى الهدف الأقصى للعبة.

إذا انتشرت هذه اللعبة في مدن العالم، ستكون– أينما حلّت– دليلاً ملموساً يتحدى التصوّر الشائع بأنّ الذكاء الاصطناعيّ سيتفوق على القدرات البشرية، وستشجّع اللاعبين على إعادة النظر في كيفية تعبيرهم عن المفاهيم والأفكار والمشاعر.

يعزّز هذا النهج المبتكر من فهم الصناعة لسلوك المستهلكين، عبر إظهار الاستجابات الممكنة للرسوم غير التقليدية. وعلى الجانب السياسيّ، يمكن له كمنتَجٍ أن يسهم في نمذجة سلوك الناخبين مثلاً، والتنبؤ بالنتائج الانتخابية وتعزيز الإبداع في صنع السياسات ما سيُترجَم إلى حوكمةٍ رشيدةٍ أكثر.

بعد التجربة الأولى للعبة الاختلاف في طوكيو، التي تبعتها عدة نُسَخٍ في الكثير من الفعاليات العالمية، تبنّى صندوق الألعاب في المملكة المتحدة إطلاقَ نسخةٍ إلكترونيةٍ مموّلةٍ منها، ليدعمَ مثالاً حقيقياً يثبت أنّ الإبداع البشريّ يستطيعُ دوماً أن يسمو فوق التكنولوجيا التي أنجبها.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حين تسهم البيانات في تدفئة المنازل: الدانمرك تعيد استخدام حرارة الخوادم

في نهج مبتكر يحوّل مشكلة بيئية إلى حل مستدام، ويخفض الانبعاثات الكربونية، ويوفر دفئاً مستقراً للمساكن، تستخدم الدانمرك الحرارة الفائضة من مراكز البيانات لتدفئة آلاف المنازل. وبدلاً من هدر الطاقة، تعمل مشاريع مثل تلك التي تقودها مايكروسوفت وميتا على توجيه الحرارة عبر مضخات متطورة إلى شبكات التدفئة المحلية.

 · · 15 ديسمبر 2025

شعاب مرجانية تنبض بالحياة: ابتكارات تعيد الأمل إلى النظم البيئية المحتضرة

فيما تواجه الشعاب المرجانية خطر الانقراض بسبب تغيّر المناخ والتلوث والصيد الجائر، ما يؤدي إلى فقدان نظم بيئية بحرية حيوية تدعم ملايين البشر، تأتي مبادرة "كورال فيتا" التي طورت حلاً مبتكراً يتمثل في زراعة الشعاب المرجانية على اليابسة باستخدام تقنيات متقدمة مثل التجزئة الدقيقة والتطور المدعوم، لتسرّع نمو المرجان وتزيد من قدرته على التكيّف مع ظروف المحيط المتغيرة.

 · · 15 ديسمبر 2025

بيانات تُنبت محصولاً أوفر: كيف تشهد الهند ثورة زراعيّة

في مواجهة تحديات تغيّر المناخ وتدهور التربة وندرة الموارد، يواجه مزارعو الهند صعوبات متزايدة تهدد استدامة محاصيلهم. لكن شراكة مبتكرة بين شركتين غيّرت المعادلة، من خلال نظام ذكي يجمع بيانات التربة ويحللها لحظياً ليمنح المزارعين توصيات دقيقة حول الري والتغذية، ما يعزز الإنتاجية، ويقلل الهدر، ويفتح باباً جديداً لزراعة أكثر استدامة وربحاً

 · · 12 ديسمبر 2025

الصقر الآلي يحمي الطيورَ من الطائرات … والطائراتِ من الطيور

مع استمرار توسّع قطاع الطيران، يبقى ضمان سلامة الرحلات الجوية مع حماية الحياة البرية تحدياً كبيراً تعدّدت مقارباتُه. مؤخراً، ظهرت فكرة الصقر الآليّ، الذي أدمج التكنولوجيا المتقدمة ومبادئ الطبيعة، فقدّم معياراً جديداً في مجال سلامة الطيران والحفاظ على الحياة البرية.

 · · 29 أكتوبر 2025

إنترنت الحيوانات … لمحةٌ عن تقنيةٍ جديدةٍ لضم الكائنات الأخرى على الإنترنت

في مشهدٍ يشبه التواصل اللحظيّ للبشر أينما كانوا، أصبح بالإمكان اليوم تسجيل كلّ رفرفةٍ لجناح طائرٍ أو كلّ دبيب حشرة. إنّه الواقع المتطوّر الذي تَعِدُ به أحدث أنظمة القياس عن بُعد، التي تتبّع حركة الحيوانات وتوفّر بياناتٍ مهمةً للأبحاث، ليس لاستكشاف آفاق التكنولوجيا فقط، بل للحفاظ على التنوّع البيولوجيّ لكوكب الأرض.

 · · 29 أكتوبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right