سنغافورة تتجه نحو الابتكار لخفض الأثر البيئي لمؤسسة المياه

سنغافورة تتجه نحو الابتكار لخفض الأثر البيئي لمؤسسة المياه

1 دقيقة قراءة
كدولةٍ تشح فيها الموارد الطبيعية، أوجدت سنغافورة مصادر بديلة لتأمين المياه لسكانها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

كدولةٍ تشح فيها الموارد الطبيعية، أوجدت سنغافورة مصادر بديلة لتأمين المياه لسكانها. لكنّ مع تغيّر المناخ وما يفرضه من تحديات تهدد مصادر المياه الصاحة للشرب وجدت حكومة سنغافورة نفسها أمام الحاجة إلى إيجاد حلولٍ أكثر استدامة لـتأمين المياه، فتوجّهت من خلال المؤسسة السنغافورية للمياه إلى الابتكار في ثلاث أوجه أساسية وهي إعادة التدوير وإنتاج الطاقة النظيفة وتوفير استهلاك الكهرباء والوقود ضمن العمليات التشغيلية.

إن تحدي تغيُّر المناخ وضع العالمَ أمام واقعٍ جديدٍ، ورغم الطابع العالميّ لهذا التحدي، فهو في بعضِ البلدان ينطوي على تحديات مضاعفة، لأسبابٍ تتعلق بالموقع الجغرافي والتركيبة الديمغرافية ووفرة الموارد الطبيعية.

ففي سنغافورة التي تعاني تاريخياً من ندرةَ الموارد، طوَّرت الحكومة مصادر متنوعةً لتأمين المياه، ووضعت ما أسمته "استراتيجيةَ المنابع الوطنية الأربعة" لإدارة نظام المياه بطريقة متكاملة ووسائل مبتكرةٍ كمعالجة مياه البحر بترشيح الملح عبر أغشية اصطناعية. لكنَّ الالتزامَ بمواجهة تغيّر المناخ يزيد صعوبةَ تلبية الاحتياجات المائية، إذ يُتوقّع أن يزداد الطلبُ بمقدار الضعف بحلول العام 2060، ومعها سيتضاعف معدل الطاقة المطلوبة لإنتاجه 4 مرات، مسبباً انبعاثات هائلة للغازات الدفيئة، وهذا يعيق هدفَ الوصول إلى مستويات صفريّة لهذه الانبعاثات بحلول العام 2050.

لهذا، بدأت المؤسسة السنغافورية للمياه البحثَ عن طرق لإزالة الكربون من عملياتها وتخفيف أثرها البيئي، فأطلقت أواخر العام 2021 تحدياً لجذب الابتكارات والأبحاث التي تخدم هذا الهدف، وخصَّصت له 6.5 مليون دولار، متخذةً من الشراكات بين القطاعين الحكومي والأكاديمي نموذجاً لتشجيع الابتكار.

بدايةً، عقدت المؤسسة شراكة مع جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس لإطلاق مشروع للبحث عن حلول أقل تكلفة من عمليات احتجاز الكربون التقليدية للتخلص من ثاني أكسيد الكربون. وتوصل الطرفان إلى ابتكار قائم على محاكاة العملية الطبيعية التي تنتج عنها الأصداف البحرية والتي يتم من خلالها تحليل الكربون في مياه البحر. تقوم العملية على دمج غاز الكربون المُذاب مع معادن معينة لإنتاج المادتَين المكوِّنتَين للأصداف، وهما الحجر الجيريّ ومعدن المغنسيت، اللذان يمكن التخلص منهما بأمان أو ضخُّهما في المجاري المائية فيما بعد.

ولمعالجة المياه، أنشأت المؤسسة محطةً جديدةً لا تعالج مياه البحر فحسب، بل والمياه العذبة التي تتجمع خلال موسم الأمطار. تقنياً، تطوِّر المؤسسة أغشيةً ترشيح جديدةً فائقة النفاذية، وتستكشفُ آفاقَ استبدال الأغشية التقليدية بأخرى خَزَفية. حيث أن من شأن ترشيح المياه عبر الأغشية المُطورة تقليلُ الطاقة اللازمة لمعالجة المياه بنسبة تفوق 50%، أما الأغشية الخزفية، فمن المرجَّح أن تكون أكثر كفاءةً من ناحيتَي الطاقة والتكلفة فهي تدوم لفترة أطولَ من الأغشية التقليدية بأربع مرات وتقلل نِسَبَ الماء المهدور أثناء العملية.

وفي السياق نفسه، تتعاون المؤسسة السنغافورية للمياه مع أطراف أكاديمية أخرى لإزالة ثاني أكسيد الكربون من إنتاج الوقود المتجدد، وذلك بإنتاجه من مياه الصرف الصحيّ ضمن محطات معالجة خاصة، من خلال عمليةٍ تستخدم مركَّب الأمونيا المائية الذي اختيرَ لسببَين، وهما قدرتُه على امتصاص كمياتٍ أكبرَ من ثاني أكسيد الكربون، ومعدّلُ تآكلِه البطيء مقارنةً بالمواد الكيميائية التقليدية. وتدرس المؤسسة أيضاً جدوى إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغاز الحيويّ واستخدامه في مواد عادة تصنف كنفايات كالرماد لإنتاج الركام والرمل واستخدامهما في قطاع الإعمار واستصلاح الأراضي.

بالإضافة لذلك، تتبنى المؤسسة نهج الاقتصاد الدائري، حيث يُعاد استخدامُ المنتجات الثانوية لعمليةٍ ما لإفادة عمليةٍ أخرى أو تشكل نفايات منشأةٍ ما مَورِداً في غيرِها. فأطلقت مع وكالة البيئة الوطنية منشأة متكاملة لمعالجة النفايات والمياه، وهي الأولى في العالم من جهة الاكتفاء الذاتي للطاقة، كما توظِّف مخلَّفات الطعام لزيادة إنتاج الوقود المتجدد في محطة استصلاح المياه، وتستفيد من محتوى الكربون لإنتاج مزيد من الغاز الحيويّ لتوليد الكهرباء. حيث تزيد عمليات التكرير الإنتاجَ بنسبة 40% مقارنةً باستخدام مياه الصرف الصحي وحدَها، بينما يعزز الوقود توليدَ الكهرباء ويتيح تصديرَ الطاقة الزائدة إلى شبكة التغذية العامة.

وتواصل المؤسسة العمل للحفاظ على المياه وإعادة تدويرها بين المنازل والمنشآت الصناعية، بالتزامن مع الاستبدال التدريجيّ لمركبات المؤسسة ذات محرِّكات الاحتراق الداخليّ التي تعمل بالديزل بأخرى كهربائية، بهدف تشغيل جميع المركبات بالطاقة النظيفة بحلول العام 2040.

وضمن مسعى التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، تختبر المؤسسة منظومة الألواح العائمة للطاقة الشمسية، حيث تستخدم الخزانات المائية الكبيرةَ لتجميع المياه وتوليد الكهرباء كخزان "تينجه" الذي يحوي أكبر مزرعة ألواح شمسية عائمة تمتد على مساحة 45 هكتار، تقوم بتشغيل 5 محطاتٍ محليةً لمعالجة المياه عبر أكثر من 122 ألف لوحاً موزَّعةً على 10 جُزُرٍ عائمةٍ تولِّد الطاقة بذروة 60 ميغاواط. وتسعى المؤسسة حالياً لإنشاء مزرعتَين عائمتَين جديدتَين في سدِّ "سيليتار" الأدنى وخزّان "باندان"، على مساحة 1.8 هكتار.

تقلل محطّات الطاقة الشمسية العائمة انبعاثات الكربون بحوالي 32 كيلوطن سنوياً، وهذا يعادل أثرَ 7 آلاف سيارة. والأهمّ هو أنّ هذه الآلية تتيح الاستفادة من أشعة الشمس على نطاقٍ واسع، وهو الأمر الذي يشكل تحدياً بسبب كثافة الامتداد الحَضَريّ ومحدوديةِ الأراضي المتاحة في سنغافورة. تولد مؤسسة المياه السنغافورية ما يقارب 70 ميغاواط عبر محطات الطاقة الشمسية الأرضية والعائمة، وهو ما يكفي لتغطّية 8% من الاحتياجات السنوية للمؤسسة. وعلى المدى البعيد، تخطط المؤسسة لتقليص إجمالي انبعاثات عمليات معالجة المياه بنسبة 60% بحلول العام 2050.

المراجع:

https://govinsider.asia/sustainability/chong-mien-ling-pub-how-singapores-water-agency-makes-a-splash-through-its-carbon-free-efforts/

https://smartwatermagazine.com/news/pub-singapores-national-water-agency/how-pub-achieve-net-zero-emissions

https://www.pub.gov.sg/sustainability/solar/floatingsystems

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right