كواحدة من 7 مدن إسكتلندية تسعى لتصبح مدن ذكية رائدة عالمياً، بدأت بلديّة إدنبرة مؤخراً مشروعاً لبناء مركزٍ جديدٍ للتحكم بأنظمة المراقبة بالفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعيّ والكاميرات الحديثة لتعزيز أمنها الداخلي. وذلك كجزء من استراتيجية رؤية المدينة للعام 2050 لتوظيف التكنولوجيا في تبني نمط حياة بسيط ومترابط وصديق للبيئة والوصول إلى مستويات صفرية من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030.
تستخدم مدن كثيرةٌ حول العالم تقنيات الذكاء الاصطناعيّ والتعلُّم الآليّ المدمجة في عمليات مراقبة الحشود لجمع البيانات وتعزيز الرقابة وحفظ السلامة العامة، وحتى في زيادة الإيرادات عبر رصد المخالفات المرورية بشكل مباشر.
تعتبر كاميرات المراقبة بالفيديو الوسيلةَ العالمية الأكثر شيوعاً لردع الجريمة والمخالفات في الأماكن العامة والخاصة، إلا أنّ معظمها يساعد في حلِّ الجرائم بعد حدوثها أو في القبض على مرتكبيها. لذا، تتنامى الحاجة إلى وسائل أكثر تطوراً وذكاءً لرصد الانتهاكات ومنع وقوع الجرائم وتقديم المساعدة للضحايا قبل فوات الأوان.
وعبر نموذج ابتكار قائم على الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، تعاون مجلس المدينة في إدنبرة مع شركة "نورث" الرائدة على مستوى المملكة المتحدة في تقديم الخدمات والحلول القائمة على إنترنت الأشياء لإطلاق مشروع لإنشاء مركز ذكي لأنظمة مراقبة الأمن بكاميرات الفيديو والذي سينتهي في أواخر عام 2022.
يأتي هذا التعاون في إطار عمل برنامج "المدينة الثامنة، المدينة الذكية"، المدعوم من تحالف المدن الإسكتلندية، وهو شراكة بين الحكومة والسلطات المحلية السبع في البلاد، والذي حظيَ بتمويل بلغَ 48.2 مليون جنيه إسترلينيّ.
لتمويل الخطة الأمنية الجديدة، تشارك المجلس مع صندوق التنمية الإقليمي الأوروبي لتخصيص مبلغ 2.6 مليون جنيه إسترليني في سبيل إنشاء المركز الجديد لإدارة أنظمة المراقبة في المدينة.
يستخدم المشروع أحدث التقنيات الذكية لترقية الكفاءات التشغيلية لأنظمة المراقبة وتحسين الأمن وتحليل التوجهات الجديدة المبنية على البيانات، حيث سيتم تزويد المركز بكاميرات مراقبة عالية الجودة تقدم رؤية شاملة وواضحة للمدينة. وستدمج الشركة نظام الأمن مع منصات النقل والمواصلات لإدارة الأنشطة والعمليات اليومية في المدينة، وستقدِّم للمجلس منصةً متابعة للمدينة الذكية، تتيح التكامل المستقبلي مع التقنيات الذكية الأخرى مثل أجهزة استشعار جودة الهواء، وتطبيقات صف السيارات الذكية، وأنظمة استشعار الفيضانات لتحديد منسوب المياه، وأنظمة المراقبة والتحليل الذكية لمتابعة الانبعاثات في المناطق التي يفترض أن تكون مناطق ذات مستويات منخفضة من انبعاثات الكربون.
سيتضمن العملُ تجديدَ غرفة التحكم في منشأة المراقبة المركزية وتجهيزَها بأنظمة ذكية لترقية المراقبة بكاميرات الفيديو ليكون جزءاً من العمليات المستقبلية للمدينة الذكية. كما تم إعداد آليات متقدمةٍ تعمل على تحليل مقاطع الفيديو لتحسين إدارة عمليات المدينة وتحليل البيانات، وذلك بعد تركيب كاميرات عالية الدقة، لتكون بمثابة أجهزة استشعارٍ بصريةً تشكِّل نظاماً حديثاً للمراقبة بالفيديو. وستحلُّ هذه الأجهزة محلّ الكاميرات التقليدية لجمع بيانات أكثر دقة وتحسين القدرة على تحليل محتواها، إذ تستطيع المنظومة الحديثة التقاطَ مجموعةٍ من العوامل المتغيرة ليتم قياسُها.
توفر الكاميرات وظائف تحليلية متقدمة مثل اكتشاف المركبات وتحديد أرقامها التعريفية، والتعرّف على الوجوه، وتحديد عدد الأشخاص الموجودين في تجمُّعٍ ما، ومتابعة حركة المرور. حيث تجمع الكاميرات البيانات وترسلها إلى مسجِّلٍ مرتبطٍ بخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بتحليل الفيديو إلى معطياتٍ منفصلة، إذ يتم إعدادُها يدوياً باستخدام صورٍ وقواعد مرجعيةٍ مثل لقطاتٍ لأشخاصٍ بوضعياتٍ مختلفة ومن زوايا متنوّعة. على سبيل المثال، إذا خرق شخصٌ ما قراراً يمنع التواجد في منطقةٍ معينةٍ في فترة محددة، فسترسل الكاميرا صورةً حيةً من الموقع، أما الخوارزمية، فسترصد وجود جسمٍ يتحرك ضمن نطاق المراقبة لترسل تنبيهاً للجهات المعنية.
تتصف بعض هذه الأنظمة بكونها ذاتية التعلُّم كالتي تستخدم "التحليلات السلوكية"، حيث يقوم الذكاء الاصطناعيّ بتحليل السلوك الطبيعي للمنطقة، وبالتدريج، يبني تعريفاً لهذا السلوك، يتضمن أحجامَ عناصر معينةً وسرعاتِها وألوانَها. بعدئذٍ، يقوم بتطبيع البيانات، بتمييز ما يلاحظه من موجوداتٍ وأنماط بعلاماتٍ معينة، وحين يرصد نشاطاً خارج السلوك المعتاد، يرسل تنبيهاً لمركز المراقبة لإرسال وحدات الاستجابة فوراً. كما تتيح هذه الأنظمة إمكانية التتبع، حيث يظهر مستطيل أحمر على شاشة المراقبة ويبدأ تلقائياً بتتبُّع مصدر الخطر. علاوةً على ذلك، يتيح هذا النظام تخزينَ اللقطات واسترجاعَها بسرعة عند الحاجة.
بالإضافة إلى هذا، فقد راعى المشروع تحقيق المشاركة المجتمعية، إذ قدّم الدورات المهنية وتوظيف الخبرة المهنية والأعمال التطوعية لإتمام المهام المنصوص عليها في الشراكة، والتنسيق مع المنظمات النشطة محلياً.
ولأنّ المشروع ما يزال قيد التنفيذ، سيتم تدريجياً رصد التحديات والآثار المرتبطة به، ومن المأمول أن يقدِّم صورةً واضحة للظروف الراهنة مما يتيح تحديدَ التهديدات القائمة والمحتملة، وتحسينَ كفاءة العمليات الأمنية.
عبر مراقبة شبكات النقل وإدارتِها، ستتمكن السلطات من ضبط السلوكيات العدائية والانتهاكات وحفظ القانون العام وحماية الممتلكات والسكان، وهذا بدوره سيزيد من الشعور بالأمان في المدينة ويساهمُ في تحديد أماكن الأشخاص المعرضين للخطر وإيجاد المفقودين وتقديم المساعدة لهم والاستجابة لحالات الطوارئ العامة، ويدعمُ المسعى الحكومي للتعامل مع القضايا المتعلقة بالسلامة والصحة العامة.
وإدارياً، سيحظى المجلس برؤية أكثر دقة لكيفية تفاعل الناس مع البيئة الحَضَرية عبر وسائل النقل المختلفة، ما يعني تخطيطاً أفضل للمدينة على المدى البعيد.
المراجع: