أجرت مدينة بيتسبرغ تجربة لتطبيق ذكي شامل للتنقل كخدمة، حيث يعدّ كأول منصة من نوعها في الولايات المتحدة. وبناءً عليه، بات بمقدور سكان بيتسبرغ تخفيف اعتمادهم على السيارات الخاصة حيث يوفر التطبيق احتياجات تنقلاتهم اليومية بشكل موثوق وبتكلفة مناسبة. وبمعنى آخر، أصبح بإمكانهم من خلال هذا التطبيق دفع أجور الحافلات؛ واستئجار الدراجات الإلكترونية والسكوتر؛ ومشاركة الرحلة مع الآخرين؛ واستئجار سيارة لبضع ساعات. كما أصبح بإمكان المستخدمين الجمع بين وسائل نقل متعددة دون الحاجة إلى الخروج من التطبيق أو إعادة إدخال تفاصيل الدفع الخاصة بهم.
ففي بيتسبرغ، ثاني أكبر مدينة بولاية بنسلفانيا الأمريكية، لا يخلو نظام النقل من تحديات، رغم تحقيقه المرتبةَ الـ 15 على مستوى البلاد، فالسيارات الخاصة المهيمنة على حركة النقل ليست بمتناول الجميع، إذ إنَّ خُمس السكان لا يستطيعون شراءها، وهذا يشمل 65% من الأُسر محدودة الدخل. ولأنّ تحسين شبكة النقل مرتبط بتحقيق العدالة الاجتماعية، ينبغي تركيز الخدمات الحكومية على من يواجهون تحدياً يومياً في الوصول إلى مقر العمل أو الدراسة أو حتى متاجر البقالة. ومن جانب آخر، فإنّ عشرات آلاف العمال يعيشون على بعد مئات الأمتار من منافذ وسائل النقل العام، التي أغلقت هيئة النقل والمواصلات في ببتسبرغ العديد منها خلال العقد الماضي، وذلك قبل انخفاض الإيرادات الحاد الذي شهدته بتأثير جائحة كوفيد-19 والذي أثر بدوره على خدماتها، بالإضافة إلى التضاريس الجبلية لمدينة بيتسبرغ التي قد تجعل التنقل سيراً أو باستخدام الدراجة الهوائية تحدياً حقيقياً، لا سيما بعد أن صنفت على أنها تاسع أسوء مدينة أمريكية من حيث جودة الهواء، وهو تصنيفٌ لعبت انبعاثات الكربون الناتجة عن المركبات دوراً أساسياً فيه. وفي نهاية المطاف، تفرض كل هذه العوامل على الحكومة مسؤولية ملحّة لنقل خدماتها إلى مستوى جديد وابتكار خيارات أكثر استدامة.
ومن هذا المنطلق، وبتمويل من مؤسسة "ريتشارد كينغ ميلون" ومركز بيتسبرغ للابتكار وهو نتاج شراكة بين القطاعيين الحكومي والخاص، توجهت "إدارة النقل والبنية التحتية" في بيتسبرغ نحو اعتماد "النقل كخدمة" (MaaS) من خلال تطبيق ذكي اكتسب شعبية كبيرة خلال السنوات الأخيرة لأنه يمكِّن المستخدمين من تخطيط تنقُّلاتهم وسداد أجورها عبر مجموعة واسعة من الخيارات. ثم أُطلق مشروع "نقل بيتسبرغ"، وهو برنامج شامل مدته عامان يجمع خيارات التنقُّل من القطاعين الحكومي والخاص بتطبيقاتها الملموسة والإلكترونية لمساعدة السكان.
وفي مرحلته التجريبية، انطلق هذا المشروع بالتعاون مع خمسة شركات من القطاع الخاص من مقدمي الخدمات المتعلقة بوسائل النقل الخفيفة، حيث وافقت تلك الشركات على إدماج خدماتها مع سلطة النقل العام والمواقف المحلية للسيارات، مقابل التمتع لعامين بالحقوق الحصرية لتشغيل وسائل النقل الخاصة بكل منها في المدينة؛ كما ستقدم شركة أخرى التدريب للسكان حول الاستفادة من الخدمات. علاوةً على ذلك، يشمل المشروع تخصيص 50 نقطة جديدة كمراكز ومحطات تتيح للركاب استخدام دراجات وسكوترات كهربائية مشحونة لقطع المسافات الأولى والأخيرة من الرحلة، وهي المسافة ما بين منافذ وسائل النقل العام والمنازل أو الوجهات المقصودة.
وليست بيتسبرغ أول مدينة تصمم منصتها الخاصة بالتنقل كخدمة، لكنها أول من يتيح للمستخدمين رحلة موزَّعة على عدة أجزاء بوسائل نقل مختلفة تشغِّلها جهات متنوعة – تتنافس فيما بينها – ثم تجمع رسومَها ضمن فاتورة مشتركة تُسَدد بعملية واحدة. وسيفيد هذا التطبيق أيضاً في تنسيق جهود الجهات العامة والخاصة، ما سيضع بيتسبرغ في طليعة تكنولوجيا النقل وابتكاراته، كما سيقدم المشروع تكلفة تنقّلَ مقبولة لذوي الدخل المحدود، وسيمكن السكان من الدمج بين عدة وسائل نقل من دون تسجيل الخروج من التطبيق أو إعادة إدخال معلومات الدفع الخاصة بهم.
وبهذا تراهن البلدية على المدى البعيد، أنّ هذه الخدمات ستحدّ من ثقافة تملُّك السيارات، حيث ستمكن السكان من التخلي عن سياراتهم مقابل بديل موثوق وميسور التكلفة يؤمن متطلباتهم، ويقلل انبعاثات الاحتباس الحراري ويخفض معدلات البطالة، وعندها سيكون المشروع بمثابة مدخل محلي لحركة دولية موجَّهة لتحقيق الاستدامة.
المراجع:
https://www.itsinternational.com/its17/its5/news/pittsburgh-brings-maas-low-income-users