سنغافورة تستعد للفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر

سنغافورة تستعد للفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر

1 دقيقة قراءة
اختارت الهيئة الاستثمارَ في تقنية الرادار لزيادة دقة تنبؤات الهطول المطريّ، حيث تتبع لها 6 رادارات تعمل على مراقبة غزارة الأمطار في دائرةٍ بقطر 60 كيلومترٍ في الأجزاء الشمالية والشرقية والغربية من سنغافورة. ومن خلال البيانات التي تجمعُها هذه الأجهزة، تتم تغذية أول نظام نمذجةٍ حاسوبيةٍ في البلاد، والذي سيتم تطويره على مدى 4 سنوات بكلفة 13.4 مليون دولار ليقوم بتحليل المعطيات وإصدار تنبؤاتٍ قبل قرابة نصف ساعة من بدء هطول الأمطار، وذلك عبر تتبُّع درجات الحرارة وتكوين السحب الماطرة وسرعة حركتها. سيحاكي النموذج الساحليّ للنظام التغييرات المحتملة للأمواج والرياح قرب الشاطئ، فيما سيعالج نظيرُه الداخليّ الفيضانات الناتجة عن الأمطار أو تغيّر منسوب مياه البحر. بهذا، يقيِّم النموذجان المخاطر وفق سيناريوهاتٍ مختلفة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لتعزيز قدرة المجتمع السنغافوريّ على الصمود أمام الفيضانات المفاجئة، تطوِّر الهيئة الوطنية للمياه عدة أدوات تكنولوجية للتنبؤ بهذه الظواهر واحتواء آثارِها.

تشير الإحصائيات إلى أن الفيضانات هي أكثر الكوارث الطبيعية شيوعاً، ونظراً لتعدُّد أسبابها وتنوُّعِها تطال الكثير من الأراضي حول العالم، إلا أنّها تتكرّر في المناطق الساحلية والاستوائية بصورة خاصة.

في سنغافورة، لا يتجاوز ارتفاع قرابة 30% من أراضيها خمسة أمتار عن مستوى سطح البحر فقط، وهذا المعدّل في ازدياد وفقاً لتقرير تقييم المناخ الصادر عن دائرة الأرصاد الجوية السنغافورية في العام 2019. كما أنّ العاصمة عبارة عن شريط ساحليّ استوائيّ، ما يعرِّضها لظروف جوية قاسية كالعواصف الشديدة ومعدّلات الهطول المطري المرتفعة مما يزيد من إمكانية حدوث الفيضانات. واقعٌ فاقمه تغيّر المناخ بذوبان الصفائح الجليدية وارتفاع درجة حرارة المحيطات وعدم انتظام هطول الأمطار، حيث جعل كل هذا الفيضانات أكثر حدةً وتواتراً إلى درجة استحالة التنبؤ بها. ومع أنّها عادةً تستغرق نصف ساعةٍ لتبدأَ في الانحسار وتصبَّ في المصارف التي أنشأتها الحكومة عبر سنوات، يبقى خيارُ توسيعِ المصارف أو تعميقِها خياراً مرتفعَ الكلفة وغيرَ عمليّ. وإلى جانب الآثار المباشرة للفيضانات من خسائر للأرواح والممتلكات، فهي تتسبّب بتدمير المحاصيل الزراعية وفقدان الماشية وتعطيل الطرق والأعمال.

ولتبنّي استراتيجياتٍ أكثر كفاءة، تزيد الهيئة الوطنية للمياه في سنغافورة اعتمادها على التكنولوجيا في الوقاية من الفيضانات واحتواء آثارها، وذلك بالاشتراك مع الجامعة الوطنية في سنغافورة ومعهد المعلوماتية المائية.

بدايةً، طوّرت الهيئة نظامَ مراقبة ذكياً ينقل البيانات الحية من جميع أنحاء المدينة ومن مصادر مختلفة كأجهزة الاستشعار التي تقيس مستويات المياه في الخزانات والمصارف، أو التي تتتبّع معدّلات الهطول المطريّ، أو كاميرات أنظمة المراقبة بالفيديو.

تَرِد كلّ هذه المعطيات إلى لوحة قيادةٍ يديرُها طاقم مركز القيادة. ومن خلالها، يتابعون المناطق المعرّضة للفيضانات، ويتخذون القرار بشأن الفِرَق الميدانية التي ينبغي إرسالُها إلى منطقةٍ ما عقب تعرُّضِها لفيضان. ولهذا الغرض، استعانت الهيئة بـ13 مركبةً جديدة للاستجابة بسرعة للحالات المفاجئة، فحين يحدث فيضان في مكان ما، ينبغي أن تصل الفِرَق الميدانية بأسرع ما يمكن لإنشاء حواجز محمولة لإغلاق الطرق المتضررة، وتحويل حركة المرور عبر المسارات البديلة، وتقديم العون للمشاة الذين تقطّعت بهم السُبُل. كما زُوِّدت مركبات الاستجابة بأجهزة تعقُّب تعمل وفق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المتصل بكاميرات المراقبة، والذي يتيح المتابعة المباشرة لتدفّق الفيضان.

اختارت الهيئة الاستثمارَ في تقنية الرادار لزيادة دقة تنبؤات الهطول المطريّ، حيث تتبع لها 6 رادارات تعمل على مراقبة غزارة الأمطار في دائرةٍ بقطر 60 كيلومترٍ في الأجزاء الشمالية والشرقية والغربية من سنغافورة. ومن خلال البيانات التي تجمعُها هذه الأجهزة، تتم تغذية أول نظام نمذجةٍ حاسوبيةٍ في البلاد، والذي سيتم تطويره على مدى 4 سنوات بكلفة 13.4 مليون دولار ليقوم بتحليل المعطيات وإصدار تنبؤاتٍ قبل قرابة نصف ساعة من بدء هطول الأمطار، وذلك عبر تتبُّع درجات الحرارة وتكوين السحب الماطرة وسرعة حركتها. سيحاكي النموذج الساحليّ للنظام التغييرات المحتملة للأمواج والرياح قرب الشاطئ، فيما سيعالج نظيرُه الداخليّ الفيضانات الناتجة عن الأمطار أو تغيّر منسوب مياه البحر. بهذا، يقيِّم النموذجان المخاطر وفق سيناريوهاتٍ مختلفة.

بالإضافة إلى هذا، أقامت الهيئة ما يسمى بالحواجز الآلية، التي تنخفض تلقائياً إلى تحت مستوى الأرض مع تراجع منسوب المياه، دون الحاجة إلى أيّ تدخّل بشريٍّ أو ميكانيكيّ. وكانت التجربة الأولى لهذه الحواجز في العام 2021، حيث تمّ تركيبُها عند مدخل إحدى الوحدات السكنية. وقد أضافت الهيئة مؤخراً جهازاً جديداً يحمل اسم "بوابة الفيضان"، وهو مصنوع من إطارات فولاذية فائقة القوة ومغلّفة بطبقة مطاطية مقاومة للماء، وما يميِّزه هو قابلية التوسُّع في حال حدوث فيضان مفاجئ وإمكانية تثبيتِه عند مداخل المباني السكنية والتجارية والصناعية. وحيث يبلغ طول هذه الأجهزة 0.68 متر، فقد عملَ الفريق التقنيّ على إتاحةِ خيارات متنوّعة من حيث العرض تتراوح بين 0.77 و1.52 متر، كما يمكن ربطُ هذه الأجهزة معاً بحسب أبعاد المكان المُراد حمايتُه، سواءٌ أكان مبنى أو واجهة متجر أو أي منشأة أخرى.

ولزيادة التنسيق مع السكان المحليين، تعمل الهيئة على تطوير نظام إنذارٍ مبكّر لإعلام المواطنين بمواقع الفيضانات المحتملة عبر قنوات متعددة كالرسائل النصية، وصفحات وقنوات التواصل الاجتماعي وتطبيقٍ مختصٍّ بالمعلومات المتعلقة بالبيئة.

وبطبيعة الحال، ستواصل الحكومة تحسين أعمال الصرف الصحي، فخصّصت 1.63 مليار دولار لهذا الغرض على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ستستفيد الهيئة من تقنيات النمذجة المتقدّمة لبناء خبراتها، وتعزيز الدقة والسرعة في التنبؤ بالفيضانات ومواجهتها، وتقييم فعالية البنية التحتية المقترحة، وتحسين إدارة العمليات، ورصد تحدّيات المنهجية وآثارها.

بدورها، تتيح أنظمة المراقبة إدارةً أفضلَ لأسطول المركبات، حيث تُوجَّه فِرَق الاستجابة إلى النقاط المتضررة بسهولة وفي الوقت المناسب.

 وفقاً للهيئة الوطنية للمياه، فقد أثبتت حواجزُ الفيضانات الآليةُ كونَها حلاً فعالاً وقابلاً للتطبيق ومجدياً من حيث الكلفة. واليوم، تشجِّع السلطات السنغافورية مالكي المباني على تركيب حواجز كإجراءٍ احترازيٍّ لحماية ممتلكاتهم، لا سيما بالنظر إلى المرونة التي تتيحُها "بوابات الفيضان" الجديدة والمعلومات المباشرة التي توفِّرها قنوات التواصل، والتي جذبت أكثر من 10 آلاف مشتركٍ خلال الأيام الخمسة الأولى لإطلاقها.

وبمتابعة الجهود الحكومية على مدار خمسة عقود، فقد انخفض خطر الفيضانات في سنغافورة من مساحة 3200 هكتارٍ في السبعينات إلى 28 هكتار، مع استمرار هذا المسعى لحماية السنغافوريين من المخاطر الكوارث الطبيعية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right