تتعالى حول العالم نداءات إنقاذ غابات المانغروف لأهميَّتها البيئية والاقتصادية. وحيث تعاني فيتنام تراجعاً حادّاً في امتداد هذه الغابات، فقد عقدت شراكةً مع الحكومة الكورية لمحاكاة تجربتها عبر تعاونٍ وزاريٍّ يهدف لإعادة إحياء هذه الأشجار الساحلية.
تنمو أشجار المانغروف في غاباتٍ على امتداد سواحل 118 دولة، وتتركَّز في دول جنوب شرق آسيا، البقعة التي تشكِّل ربعَ مساحة العالم. ولهذه الأشجار فوائد عديدة على الإنسان والنُّظُم البيئية، فهي تدعم التنوّع البيولوجيّ بكونها موائلَ حضانةٍ لأنواع هامة من الأسماك، وتؤمِّن موارد غذائيةً تكفي لإطعام الملايين، وتساهم في تخزين الكربون، وتشكِّل حاجزاً منيعاً يحمي السواحل من عوامل الحتّ والتعرية ويقي سكّانَها الكوارثَ الطبيعية.
تسبَّب التوجُّه الفيتنامي المتنامي إلى الزراعة المائية والتوسُّع العمرانيّ والتنمية الساحلية بتدمير غابات المانغروف وتدهورِها، فتقلّصت مساحاتها خلال العقود الأخيرة بنسبةٍ قاربت 38%، ويتوقّع العلماء أن تختفي كلياً خلال أقلّ من 100 عام. وقد طوّرت الحكومة نظاماً لإدارة الغابات وسنّت القوانين لحمايتها، إلّا أنَ تطبيق هذه الإجراءات لم يخلُ من التساهل، وما تزال الحاجة ملحّةً لإعادة إحياء غابات المانغروف وتنميتها على نحوٍ مستدام.
كان هذا دافعَ انطلاق تعاونٍ بين قطاعَي الزراعة وتربية الأسماك في كلٍّ من الحكومتين الفيتنامية والكورية بعد القمّة التي جمعتهما في العام 2019، والتي خرج الطرفان منها باتفاقيةٍ لتوحيد الجهود تمتدّ حتى العام 2025، حيث ستستفيد فيتنام من المسيرة الكورية المثمرة ما بعد الحرب.
بدايةً، وضع الشريكان خطةً تقوم على دراسة الجدوى واستقراء النتائج. وهكذا، انطلق التعاون من تطوير مشاريع المساعدات الإنمائية الرسمية، حيث ستشارك الوكالة الكورية للغابات خلاصة تجاربِها في إعادة إحياء الغابات عبر مديرٍ مبعوث لتنفيذ العمل في فيتنام، بينما اختارت وزارة المحيطات والمسامِك باحثاً متخصصاً لينقلَ ما توصلت إليها كوريا من تقنياتٍ لتربية الأحياء المائية. من الطرف الفيتنامي، سيعمل قسم الزراعة في وزارة الزراعة والتنمية الريفية على توظيف هذه الجهود واستثمارِ الخبرات الكورية في إنقاذ 330 هكتاراً من غابات المانغروف لحماية السواحل والسكان المحليين من الكوارث الطبيعية كالعواصف، أما القسم الوزاريُّ المسؤول عن المسامِك، فسيعمل في مقاطعتَي نام دينه ونين بينه وسيركِّز على تعزيز الزراعة المائية الصديقة للبيئة، وذلك عبر إنشاء البنية التحتية المواتية بتوفير موائل حضانة للأسماك والمحار، وتطوير زراعة المانغروف مائياً في المسطحات الطينية وتعزيز الإدارة المستدامة لموارد المسامِك.
من الجدير بالذكر أنّ فريق المشروع أولى اهتماماً كبيراً للحضور المجتمعيّ والمشاركة الفعّالة للسكان المحليين، فاعتزمت الحكومتان العملَ لنقل التقنيات المتقدِّمة في مجال الزراعة المائية وإطلاق أبحاث مشتركة تهدف لبناء القدرات وزيادة الوعي بأهمية أشجار المانغروف.
تتَّصف هذه الغابات بكونِها أنظمةً بيئيةً متنوعةً بنيوياً، فهي تُغمَر جزئياً في المحيطات بينما تؤلِّف شبكةً متداخلةً من الجذور فوق-الأرضية. بالتالي، تشكِّل غابات المانغروف ملاذاً وفيرَ الغذاء في الماء البارد ذي معدَّلات الأكسجين المرتفعة، فتستوطنها الكثير من الكائنات البحرية كسرطان البحر وقنفذ البحر والمحار والقواقع والأخطبوط وغيرها. وفي هذه البيئات المعقَّدة أيضاً، تتراكم البكتريا ومخلَّفات الأشجار، فتغذّي الكائنات الصغيرةَ وتحميها من الحيوانات المفترِسة، في حين تستطيع الصغارُ خوضَ الشِّعاب المرجانية المجاورة أو المحيط المفتوح. بهذا، تمثِّل غابات المانغروف مصدراً حيوياً لتجديد بعضٍ من مخزون أسماك المحيط، ولتغذية مئات الملايين ممن يقطنون مناطق لا تبعد أكثرَ من 10 أمتار عن مستوى سطح البحر. وفي معظم الحالات، يعتمد أبناء المجتمعات الفقيرة حول غابات المانغروف عليها كمصدرٍ للدخل ومحرِّكٍ للأنشطة التجارية، حيث تُقدَّر القيمة الاقتصادية العالمية للهكتار الواحد بـ37500 دولار أمريكيّ وسطياً.
توجَّب، لاحتواء الآثار السلبية لانحسار هذه الغابات، أن تبدأ جهود إعادة إحياء الغابات بأسرعَ ما يمكن، إلّا أنّ عقبةً كبيرةً حالت دون ذلك. فبعد المرحلة التحضيرية، كان من المُقرَّر للمشروع الفيتناميّ-الكوري أن ينطلقَ خلال العام 2020، إلّا أنّ جائحة كوفيد-19 فرضت تأجيلَه إلى العام التالي. وقد اختار الشريكان تحويلَ هذا التحدّي إلى مكسب، فكثّف الفريق التنفيذيّ اجتماعاته الاستشارية عبر الإنترنت، والتي ناقش خلالَها حيثيات المشروع وكيفية تبادل المعلومات أثناء سير العمل.
ستساهم هذه الجهود في إعادة إحياء غابات المانغروف والحفاظ عليها، ما يعني زيادة تخزين الكربون. كما ستدعم استقرار النُّظُم البيئية البحرية، وستساعد السكان عبر حمايتهم من ظروف الطقس القاسية وتمكينهم من مواجهة تغيُّر المناخ وتحسينِ سبل عيشهم بتربية الأحياء المائية الصديقة للبيئة. كما تستكشف الحكومة الكورية طرقاً متنوِّعةً لتوسيع نطاق هذه المشاريع التي شكّلت نموذجاً للتعاون المثمر بين القطاعات، والتي يمكن تطبيقُها في بلدان آسيوية أخرى.
المراجع: