تواجه حكومة جمهورية بيرو عقبات سياسية جعلت من الصعب عليها إيجاد حلول مبتكرة للارتقاء بالخدمات التي تقدمها. ومع ذلك، فقد واظبت الحكومة على بذل كل ما في وسعها لإحداث تغييرات إيجابية، حيث أنشأت ثلاثة معامل إصلاحية بهدف تعديل البرامج المهمة وتعزيز السياسات في ضوء الأفكار القائمة على الاقتصاد السلوكي. وكان قطاع التعليم من القطاعات التي استهدفتها الحكومة في برامجها الإصلاحية حيث أطلقت جدول أعمال حافل بمشاركة وحدة العقل والسلوك والتنمية في البنك الدولي، وفريق الرؤى السلوكية، ومعمل عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر. ويتضمن هذا الجدول مجموعة من المبادرات على رأسها "معمل وزارة التعليم البيروفية" MidEduLAB الذي يتضمن مشروعًا رائدًا للحد من تغيّب المعلمين والمدارء عن المدارس لا سيّما وأن عمليات الرصد العشوائية أظهرت بأن متوسط نسبة الغياب خلال أي يوم مدرسي بلغت 7% للمعلمين على مدى أسبوعين دراسيين، و17% للمدراء على مدى شهر كامل، أي أكثر بثلاثة أضعاف من النسب المسجلة في المملكة المتحدة.
صُممت مبادرة "معمل وزارة التعليم البيروفية" لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية أولها تعزيز كفاءة البرامج التعليمية من حيث التكلفة وثانيها تحسين إجراءات جمع البيانات، وآخرها الارتقاء بأداء الطلبة وخفض معدلات الانقطاع عن المدرسة من خلال أساليب تشجيعية تتسم بالذكاء. من جهة أخرى، يسعى المعمل إلى تشجيع المعلمين والمدراء على الالتزام بالدوام المدرسي من خلال إجراء تعديلات منخفضة التكلفة من شأنها المساعدة في رفع الأداء المؤسسي. ومن بين هذه التعديلات إرسال رسائل بريدية وإلكترونية ونصية إلى مديري المدارس للتأكيد على تكليف نظرائهم بتقييم أدائهم، والإشارة إلى تغيب المعلم باستخدام رسائل قصيرة في مدفوعات الرواتب، وأخيرًا تنظيم حملة أسبوعية لإرسال رسائل نصية لتوعية المعلمين وتحفيزهم.
وتم تحقيق هذه الأهداف على ثلاث مراحل، بدأت الأولى بالإعداد لعمليات التقييم والابتكارات وتحديد التحديات والحلول المناسبة لها، انتقالًا إلى المرحلة الثانية التي تخلّلها تنفيذ الابتكارات والتقييم التجريبي، وصولًا إلى المرحلة الثالثة والتي اعتمدت على الاستعانة بالادلة المستخلصة في إدماج المهارات التعليمية.
بدأت ملامح المشروع تتبلور تحت إشراف فريق الرؤى السلوكية في المملكة المتحدة والذي نفّذ مشروعًا تجريبيًا شارك فيه حوالي 100000 معلم و 27000 مدير من جميع أنحاء البيرو. وتم تقسيم المشاركين إلى ثلاث فئات بحيث تشمل الفئة الأولى الأشخاص الذين لم يتلقوا أي رسائل إلكترونية، وتغطي الفئة الثانية الأشخاص الذين تلقوا رسالتين إلكترونيتين للإشارة إلى حضور غالبية كبيرة من المعلمين والمدارء بحكم الأعراف الاجتماعية، وأخيرًا الفئة الثالثة وتضم الأشخاص الذين تلقوا رسالتين إلكترونيتين للتأكيد على أن حضور المعلم له أثر إيجابي على أداء الطالب وذلك لتعزيز السلوك الاجتماعي الإيجابي.
أظهرت النتائج أن الرسائل الإلكترونية لم يكن لها تأثير على حضور المعلمين إلى المدرسة؛ غير أن الرسائل المرتبطة بـالأعراف الاجتماعية ساعدت في رفع نسبة حضور المدراء من 83 إلى 87 في المائة، أي أن مجموع أيام الغياب السنوية لكل مدير قد انخفض بحوالي سبعة أيام. وتبيّن كذلك بأن احتمالية قراءة مديري المدارس للرسائل الإلكترونية أعلى بالمقارنة مع المعلمين، وهو ما يدعو إلى اتباع أساليب أخرى لتشجيع المعلمين على الذهاب إلى المدارس في الموعد المحدد.
