في إطار الجهود الرامية إلى النهوض بالقطاع الصحي في مرحلة "ما بعد الجائحة"، أعلنت مملكة البحرين عن مشروع لإنشاء منصة رقمية وطنية تعنى بتحسين عملية إدارة عمل المؤسسات الصحية في المملكة.
حيث يلعب القطاع الصحي دوراً محورياً نظراً لأهمية الخدمات الصحية في الحفاظ على صحة الناس وتحسين جودة الحياة، ومن خلال تلك الخدمات تساهم مؤسسات القطاع الصحي مساهمة كبرى في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. وللمحافظة على هذا الدور الجوهري يتوجب على مؤسسات القطاع الصحي أن تواكب باستمرار أحدث الابتكارات والتكنولوجيا، لأنه بدونها تصبح عملية إدارة عمل المؤسسات الصحية أمراً معقداً ومكلفاً، لا سيما في إطار إنجاز الإجراءات الإدارية والقانونية المتعلقة بإصدار ومتابعة تراخيص هذه المؤسسات وتصنيفاتها، وهي إجراءات عادةً ما تستغرق أسابيع أو أشهراً لإتمامها. ومن جهة أخرى، يتطلب تنظيم عمل هذه المؤسسات تأمين الرقابة على كل ما يتعلق بها من خدمات وطواقم ومعدات وتجهيزات وأدوية. وهذا ما دفع الحكومة البحرينية، عبر الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الصحة (NHRA)، إلى إصدار قرار بإطلاق منصة رقمية وطنية بهدف خدمة المؤسسات الصحية، وتحسين كفاءتها، وتسهيل الوصول إلى خدماتها، وتسريع الإجراءات الإدارية، إلى جانب تعزيز المساءلة في القطاع الصحي ككل.
وفي مملكة البحرين، كما هو الحال في الكثير من الدول، تحتاج المعاملات الإدارية مثل الترخيص لمؤسسة صحية أو تصنيفها أو تعديل خدماتها الكثير من الوقت والجهد، الأمر الذي ازداد تعقيداً في الآونة الأخيرة مع ما فرضته جائحة كوفيد-19 من ظروف استثنائية تعيق أو تؤخر إتمام الإجراءات. وقد دفعت كل هذه العوامل حكومة البحرين إلى النظر في سياسات "ما بعد الجائحة"، والتي تطمح إلى وضع التكنولوجيا والتقنيات الرقمية في مقدمة أولوياتها، لا سيما وأن البحرين من البلدان الآسيوية التي حققت أعلى المعدلات ضمن مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية للعام 2020 وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، بعد أن وضعت التحول الرقمي ضمن "الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030"، إلى جانب افتتاح مكتب تابع لمنظمة الصحة العالمية في المنامة، لتصبح أول عاصمة تُمنح لقب "المدينة الصحية" في الشرق الأوسط من قبل المنظمة المذكورة.
وتقوم "الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الصحة" (NHRA) بإعداد رابط إلكتروني للوصول إلى المنصة التي لم تتم تسميتها بعد، بل حُدد موعد انطلاقها الرسمي في وقت لاحق من العام الجاري، وستتضمن المنصة صفحة خاصة بكل مؤسسة صحية، لتكون هذه الصفحة بمثابة مرجع لمتابعة وتحديث خدمات المؤسسة وتطبيقاتها وإعلاناتها، وكذلك صلاحية تراخيص أجهزتها ومعداتها وطواقمها من أطباء وفنيين، وأية مخالفات قد تشهدها.
حيث ستعمل "الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الصحة" (NHRA) ضمن استراتيجية 2021 – 2025 نحو تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية مترابطة ومتتابعة، أولها ضمان عنصرَي التنظيم والمساءلة في القطاع الصحي، وثانيها تقديم خدمات صحية موثوقة وآمنة وعادلة، مما سيؤدي إلى تحقيق الهدف الثالث والأشمل، وهو حماية الحقوق الصحية للجميع.
ولتحقيق هذه الأهداف، وضعت الهيئة ثلاثة مشاريع رئيسية ضمن الخطة الخمسية التي ستقوم على ركائز التنظيم والضبط والتطوير والرقابة والتدريب والتنفيذ. حيث سيعمل المشروع الأوّل على تحديث القرارات واللوائح والقوانين الناظمة لعمل المؤسسات والمرافق الصحية وطواقمها، وكذلك اللوائح المعتمدة لدى مؤسسات القطاع الخاص.
أما المشروع الثاني، فسيعنى بالحصول على الاعتماد الدولي، الأمر الذي يتطلب جهوداً مكثفة بعد الحصول على موافقة "مجلس المناقصات" لاستحقاق صفة الهيئة الدولية، بوصفها شهادة عالمية لإدارة الجودة.
ويركِّز المشروع الثالث على تطوير الأنظمة الإلكترونية أولاً، مما يقتضي أتمتة المعاملات والإجراءات خلال الأعوام المقبلة، ليصبح بالإمكان استصدار التراخيص والاعتمادات عبر الإنترنت لمؤسسات ومراكز الرعاية الصحية والطبية، حيث يستهدف مشروع الأتمتة عدة جوانب بدءاً من تسجيل الأدوية والأجهزة الطبية والمؤسسات الصحية، مروراً بأنظمة تسجيل وترخيص وإصدار اعتماداتها، إلى جانب متابعة الأخطاء الطبية وضبطها واعتماد البحوث السريرية، وبالإضافة إلى برامج التطوير المهني والحقائب التدريبية والتأهيلية التي تهدف لمواجهة أي تحديات تتعلق بالحفاظ على جودة الخدمات الصحية وكفاءة الكوادر، وسيكون ذلك من خلال تنظيم مؤتمرات وورش عمل وندوات. ولما كانت ظروف جائحة كوفيد-19 قد شكّلت تحدياً إضافياً أمام الهيئة التي اتخذت تدابير لضبط انتشار الفيروس، عبر توعية مؤسسات الرعاية الصحية الخاصة لتعزيز إجراءاتها الوقائية وتعليق الإجراءات الطبية غير الطارئة مؤقتاً، قامت طواقم الهيئة بجولات شملت 595 زيارة تفقدية لمؤسسات ومراكز صحية مختلفة للوقوف على مدى الالتزام بتلك الإجراءات.
إضافة إلى ذلك، فقد تم وضع أهداف "استراتيجية 2021–2025" استكمالاً للاستراتيجية السابقة 2016-2020 التي نجحت "الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الصحة" (NHRA) في تنفيذ 90% من مشاريعها، كما أصدر المجلس الأعلى للصحة (SCH) 21 قراراً في مجال تنظيم الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية والأدوية، وكان من أهمها إصدار المعايير الوطنية لتصنيف ومنح تراخيص العاملين في القطاع الصحي، وتحديث المتطلبات الفنية والهندسية للمؤسسات الصحية، وكذلك تقييمها وترخيصها واعتمادها. وأخيراً، وُضعت إجراءات إضافية لضمان الاستمرارية الكاملة للخدمات الصحية والرعاية الأساسية لمن يحتاجون إلى علاج، ومتابعة الحالات الصحية الأخرى أو مواصلة تلقي خدمات مختلفة.
ورقمياً، حدّثت الهيئة موقعها الإلكتروني، واستحدثت قسماً خاصاً للمستثمرين ضمن الموقع كرديف لـ"مركز الاستثمار الصحي" الذي تم افتتاحُه في مقر الهيئة الجديد. وفي حين يهدف المركز لتقديم الاستشارات والتوصيات حول فرص الاستثمار في قطاع الصحة، يتضمن القسم الإلكتروني كل المعلومات اللازمة مرفقةً بالقوانين والقواعد واللوائح الضابطة للاستثمارات الصحية. كما نجحت الهيئة أيضاً في تطبيق النظام الإلكتروني لتخليص الأدوية المستوردة، ونظام الترخيص لعاملي القطاع الصحي بالتعاون مع هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية.
المراجع:
https://www.un.org/development/desa/publications/publication/2020-united-nations-e-government-survey
http://www.emro.who.int/media/news/who-opens-country-office-in-bahrain.html