تواجه الطرق في العديد من المناطق الحضرية في ماليزيا من الازدحام الشديد، ويعزى ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع النمو السكاني. ويلقي هذا التحدي بظلاله على العديد من جوانب الحياة في ماليزيا كما تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الدولة ومعدل نموها. وفقًا لتقديرات البنك الدولي، تؤدي ازدحام الطرق في كوالا لامبور والمناطق المحيطة بها إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لماليزيا بنسبة تتراوح ما بين واحد إلى اثنين في المائة؛ إذ يصل متوسط الوقت الذي يضيعه سكان المدينة بسبب الازدحام المروري إلى 53 دقيقة. هذا ويتسبّب الازدحام الشديد في زيادة معدل حوادث الطرق؛ ففي عام 2017 مثلًا بلغت نسبة حوادث المركبات 66.5 في المائة. ومن جهة أخرى، فقد أدّت الكثافة السكانية في المناطق الحضرية مثل كوالا لامبور إلى زيادة التدهور البيئي.
أجرت شركة نيلسن المتخصصة في مجال الأبحاث دراسةً استقصائية في عام 2014 أظهرت بأن حوالي 93 في المائة من الأسر في ماليزيا تمتلك سيارة واحدة على الأقل وهو ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة في ترتيب الدول حسب عدد السيارات للفرد الواحد. وفي بحث آخر أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية في كوالالمبور، تبيّن بأن 83 في المائة من المشاركين في البحث يخططون لشراء سيارة خلال السنوات الخمس المقبلة.

في ضوء هذه النتائج، قررت حكومة ماليزيا اتخاذ كافة الإجراءات والخطوات الكفيلة بحلّها والتعامل معها. وكان حجر الأساس الذي اعتمدت عليه هو جمع كم كبير من البيانات وتحليلها بما يسهم في التوصل إلى أفكار جديدة وابتكار خيارات بديلة تساعد في تعزيز حلول التنقل الذكي. من هنا جاءت فكرة مشروع عقل المدينة الذي أطلقته الحكومة الماليزية عام 2018 بمشاركة مجموعة علي بابا في كوالالمبور وبالاعتماد على تقنيات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. ويهدف مشروع عقل المدينة بشكل رئييسي إلى تقليل متوسط الوقت الذي يضيعه السكان نتيجة للازدحام المروري بحوالي 10 دقائق.
قامت الحكومة ممثلًة بهيئة الاقتصاد الرقمي الماليزية بإبرام عقد مع شركة "جراب" المتخصصة في نقل الأفراد. وبموجب هذا العقد، حصلت الهيئة في المرحلة الأولية على بيانات فورية حول حركة المرور في أبرز طرق كوالالمبور دون الكشف عن هوية المستخدمين. وتم تسخير هذه البيانات للتأثير على قرارات التنقل، وتحسين كفاءة حركة الطرق بمساعدة المعنيين بتخطيط المدن والجهات المسؤولة عن إدارة حركة المرور. كما خضعت السيارات وأضواء الشوارع والكاميرات والمباني إلى عمليات تحسين جذرية لتعزيز الاتصال فيما بينها كونها مصادر بيانات هامة. وقد أثمرت هذه البيانات عن تحسين معدل التغيّر في الإشارات الضوئية، ورصد الحوادث المرورية، وإنشاء قاعدة للبيانات تشمل على سبيل المثال حجم الحركة والسرعة المرورية في شوارع معينة.

وسعيًا لتوسيع نطاق الاستفادة من هذه البيانات، فقد تم الاعتماد عليها للمساعدة في التخطيط الحضري والاستجابة للحوادث بالإضافة إلى توفير خدمات الطوارئ كاحتساب زمن الوصول لاختيار المسار الأقل ازدحامًا وغيرها من عقبات الحركة المرورية. وتعتزم الحكومة الماليزية السماح للمؤسسات والشركات الناشئة والمعاهد البحثية بالاستفادة من مشروع عقل المدينة "سيتي برين" ليتمكنوا من الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في هذه البرمجية وتحفيز الابتكار.
في مايو 2019، استعانت بلدية كوالالمبور بمشروع عقل المدينة لإجراء اختبار تجريبي لنظام إدارة حركة المرور الذكي عبر مختلف أنحاء وسط المدينة. ولتحقيق ذلك، تم التعاون مع شركة "سينا ترافيك سيستمز" وهي شركة محلية مختصة في مجال أنظمة مراقبة الحركة المرورية وإدارتها. وبالفعل، بدأت المرحلة التجريبية بـتركيب 382 كاميرا تستمد مدخلاتها وتقدّم مخرجاتها بناءً على البيانات التي يتم جمعها من 281 إشارة ضوئية موزعة على التقاطعات في وسط مدينة كوالا لامبور.

أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن مشروع عقل المدينة "سيتي برين" يراعي البيئات المرورية المتغيّرة ويسعى بشكل مستمر للتكيف معها ومعرفة المزيد عنها؛ الأمر الذي يجعل نظام إدارة الحركة المرورية بمثابة منصة تعليمية ذكية. ومن المتوقّع أن يسهم المشروع الذي سيتم إطلاقه وتطبيقه بشكل كامل خلال العام 2020 في تقليل الوقت الضائع في الازدحام المروري بنسبة 12 في المائة.