إستونيا تتوسع في تسخير التكنولوجيا لجذب الشركات الناشئة وريادة الأعمال

إستونيا تتوسع في تسخير التكنولوجيا لجذب الشركات الناشئة وريادة الأعمال

1 دقيقة قراءة
تقدِّم إستونيا نموذجاً فريداً في ساحة التكنولوجيا العالمية، إذ استفادت من نقاط القوة الوطنية، وعزّزت الشراكات بين القطاعَين الحكوميّ والخاص، وبَنَت المعرفة التكنولوجية لدى مواطنيها، ودعمت التحوّل الرقميّ السريع ليكون محفِّزاً رئيسياً لنموّ ريادة الأعمال، واحتضنت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تقدِّم إستونيا نموذجاً فريداً في ساحة التكنولوجيا العالمية، إذ استفادت من نقاط القوة الوطنية، وعزّزت الشراكات بين القطاعَين الحكوميّ والخاص، وبَنَت المعرفة التكنولوجية لدى مواطنيها، ودعمت التحوّل الرقميّ السريع ليكون محفِّزاً رئيسياً لنموّ ريادة الأعمال، واحتضنت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة.

يبدو أنّ رحلة الابتكار قد دخلت فصلاً جديداً يحمل اسم التكنولوجيا العميقة "Deep Tech"، التي يتوقع الخبراء أن تحدث ثورة ومفاجآتٍ تفرض على العالم إعادة ترتيب أولوياته. تعتمد هذه التكنولوجيا بشكل كبير على البحث العلميِّ والهندسيّ، وتسعى لإيجاد حلولٍ للمشكلات قبل ظهورها عبر طرائق ثوريةٍ كالروبوتات وحلول تخزين الطاقة، ومن شأنها إحداثُ أثرِ تحويليٍّ على المجتمع والاقتصاد.

وكأيّ نقلةٍ من هذا النوع، تنتظر التكنولوجيا العميقة تحديات كثيرة وتحتاج متطلَّباتٍ خاصةً لتحقِّقَ ما تَعِدُ به، ففي نهاية المطاف، لا يمكن لفكرةٍ جديدةٍ أن تخلو من المجازفة.

أغرى هذا التحدّي حكومة إستونيا التي قرّرت أن تكون مركزاً دولياً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة عبر جهود وزارة الشؤون الاقتصادية والاتصالات ومبادرة الشركات الناشئة.

قبل قرابة ربع قرن، أطلقت الحكومة مبادرة إستونيا الإلكترونية، فأرست نظاماً يقدّم معظم الخدمات العامة رقمياً، من شبكات الهاتف المحمول وتبادل البيانات إلى منح الهوية الرقمية التي كانت إستونيا سبّاقةً في اعتمادها وسيلةً للتعرُّف على الأفراد في العالم الرقميّ، ولإدارة كثيرٍ من أنشطتهم المصرفية، ولتمكين هذا البُعد الرقميّ من محاكاة العالم الحقيقيّ.

وإلى جانب الهوية الرقمية التي كانت الخطوة الأبرز، أرست إستونيا بنيةً تحتيةً خاصةً بإدارة البيانات، بحيث لا تجمعُها على منصةٍ رقميةٍ واحدةٍ فيسهل اختراقُها، بل تكون لا مركزيةً لكنّها مرتبطةٌ بين الكيانات الحكومية، فيصبح الوصول إليها أسهلَ وأقلّ كلفةً وأكثر أماناً، وهذا خيارٌ مثاليٌّ لدولةٍ كإستونيا، بتعدادِها السكانيّ الذي لا يتعدّى 1.3 مليون نسمة.

وفي ضوء التجربة المحلية، تطلّعت الحكومة إلى الريادة العالمية، فوضعت خطةً تهدف لمضاعفة عدد مشاريع التكنولوجيا العميقة بحلول العام 2025، ثم الوصول إلى خمسة أضعاف العدد بعدها بـ 5 سنوات. وتركّز الخطة على مؤسّسي الشركات وطواقمها وسوق رأس المال، إذ يُراد لها أن تكون أداةً ترشدهم، وترسي لهم بيئاتٍ تنظيميةً شفافة، بأنظمةٍ ضريبيةٍ تراعي طبيعة المشاريع الناشئة، وبأقلّ قدرٍ من الإجراءات البيروقراطية، بحيث يمكن تسجيل شركةٍ خلال ساعات.

كما تم وضع آليةٍ لمتابعة سير العمل على الخطة ومدى تحقيقها أهدافَها السنوية، على أن تُعقد اجتماعاتٌ دوريةٌ يلتقي فيها الشركاء الأساسيون للمبادرة لتقييم الوضع ورسم الخطوات المستقبلية.

جاء إطلاق الحكومة برنامجَ الإقامة الإلكترونية الأولَ في العالم، كأحد الخطوات المهمة التي اتخذتها لجذب أصحاب المشاريع من الأجانب بمنحهم امتيازاتٍ تكون تقليدياً مخصّصةً للمواطنين، حيث يتيح لهم تأسيسَ شركاتهم وإدارتَها افتراضياً وتلقّي الخدمات المصرفية أو دفع الضرائب، وحتى الوصول إلى الأسواق الأوروبية. كلّ هذا عبر بطاقةٍ ذكيةٍ يمكن استخدامها لتوقيع المستندات.

تركِّز إستونيا على تعليم التكنولوجيا لمواطنيها عبر إدماجها في المناهج الدراسية، فوضعت الحواسيب في كلِّ فصلٍ دراسيّ، ووصلت كلَّ مدارسها بالإنترنت قبل العام 2000، ولم تنسَ الراشدين، فدرّبت 10% منهم مجاناً على استخدام الكمبيوتر. وبعد أن أصبح أكثر من 90% من مواطنيها يملكون هذه القدرة، ظهرت استراتيجية التعلّم مدى الحياة، التي تتضمّن برنامجاً للتحول الرقميّ يرمي إلى تطوير مهارات المعلّمين والطلاب.

لكنّ ثمة تحدياتٍ لا بدّ من مقاربتها، أولُها صعوبةُ العثور على المواهب الفريدة المحلية والعالمية. وكلمة السرّ هنا هي مدُّ قنوات التواصل الدائمة مع المؤسسات الأكاديمية، لمساعدتها في بناء المعارف والمهارات من جهة، والاستعانة بها في رفد السوق بخيرة خرّيجيها من جهةٍ أخرى.

ويبدو هذا ضرورياً لمواجهة التحدي الثاني المتمثّل بتهديدات الأمن السيبرانيّ، لا سيما بعد الهجوم الذي تعرّضت له البنية التحتية الرقمية في العام 2007، والذي عطّل خدماتٍ كثيرة، واستجابت له إستونيا بأن جعلت الأمن السيبرانيّ أولويةً وطنية، فطوّرت أدوات الحماية وأطلقت مبادراتٍ عديدة. كما أنشأت هيئة نظام المعلومات "الفريق الأحمر"، ومهمته محاولة اختراق النظام لرصد أيّ ثغراتٍ أمنية. وهذه الفكرة قابلةٌ للتوسّع بالتزامن مع جهود التوعية بالتهديدات السيبرانية وإطلاق منصةٍ لتعليم الموظّفين الحكوميين كيفية حفظ الأمن السيبرانيّ.

إلى جانب ذلك، حشدت الحكومة متطوِّعين من خبراء التكنولوجيا ليكونوا متأهِّبين للاستجابة للحوادث السيبرانية الكبرى إن وقعت.

تتطلّع إستونيا إلى احتضان أكثر من 500 شركة ناشئة بحلول العام 2030، على أن تصل 75 منها مرحلةَ التوسُّع وتوظِّفَ أكثر من 50 متخصِّصٍ في إستونيا.

تتيح البنية التحتية التي أرستها الحكومة مشاركةً آمنةً وفوريةً لأيّ معلومةٍ بين وكالتين حكوميتين، ما يخفّف عبء البيروقراطية ويضمن الوصول السريع إلى الخدمات الرئيسية، ويفتح الباب أمام أصحاب المشاريع الطامحين إلى موطئ قدمٍ في السوق الأوروبية.

ساهمت إجراءات حكومة إستونيا في تقديمها لمكانةٍ بارزةٍ على ساحة التكنولوجيا العالمية، فاستضافت خلال العام 2022 عدداً كبيراً من هذه الشركات، وشهدت قصص نجاحٍ مبهرةً كتلك التي تقدِّمها شركة "سكايب"، والتي رسّخت الانطباع العالميّ عن إستونيا بكونها أرضاً خصبةً لرعاية أصحاب الابتكارات من حول العالم.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024

استخدام مبتكر للبيانات لدعم صنّاع القرار في قطاع الصحة الكندي

شكلت جائحة كوفيد-19 تحديا عالميا غير مسبوق، وكشفت عن نقاط ضعف في صنع السياسات وأنظمة الرعاية الصحية أدت إلى أوجه قصور في إدارة الأزمات. غير أن بعض البلدان لجأت إلى نهج مبتكرة ساعدت على التخفيف من أثر الأزمة وأثبتت جدارتها في أن تصبح جزءا من آليات دعم التأهب لحالات الطوارئ الصحية في المستقبل. كانت كندا واحدة من هذه البلدان ، حيث تبنت البيانات الضخمة لتتبع حركة السكان لإبلاغ عملية صنع القرار في مواجهة COVID-19.

 · · 22 أغسطس 2024

"التنقل كخدمة": الحكومة البريطانية تجمع كل وسائل النقل على منصة واحدة

انطلقت خلال السنوات الماضية مبادرات في عدد من الدول تسعى إلى استثمار التقدم الحاصل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقنيات الدفع الإلكتروني، في جمع خدمات وسائط النقل المختلفة على منصة واحدة، توفر للمستهلكين سهولة غير مسبوقة في التخطيط لرحلاتهم، واختيار وسائل النقل التي تناسبهم، والحجز، وشراء التذاكر– ضمن ما أصبح يطلق علية تسمية "التنقل كخدمة". لكن هذه التجارب لا زالت في بداياتها، وهي محدودة النطاق بشكل عام نظراً لمجموعة من التحديات. في المملكة المتحدة، حيث تم إطلاق أكثر من مبادرة في هذا المجال، أصدرت الحكومة مؤخراً مدونة ممارسات خاصة بمفهوم وتطبيقات "التنقل كخدمة" كمرجع للمعايير والإرشادات التي تتوافق مع توجهات وطموحات الحكومة لمشهد التنقل في المملكة، خاصة من جهة المحافظة على الشمول المجتمعي، وضمان نفاذ كل فئات المستخدمين للخدمة.

 · · 22 أغسطس 2024

توظيف أجهزة الاستشعار الذكية في بيانات إدارة الطرق

مع تقدم التكنولوجيا في مجال الكاميرات الذكية، وأجهزة الاستشعار، ونقل للبيانات، والذكاء الاصطناعي، بدأت بعض المدن الكبرى بالنظر في استغلال هذه التقنيات مجتمعةً في حل المشاكل الناجمة عن حركة المرور على الطرق الداخلية والمحيطة بها. من أبرز الجهود المبتكرة في هذا المجال مشروعان تجريبيان أطلقهما مؤخراً كل من مجلس مدينة ولينغتون، عاصمة نيوزيلندا، ودائرة النقل في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة.

 · · 23 يوليو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right