أشار علماء البيئة في هولندا في السنوات الأخيرة إلى أن العديد من أنواع النحل في البلاد معرض لخطر الانقراض، وهو تحدٍ عالمي يهدد التنوع الغذائي والبيئي. وفي خطوة نحو معالجة هذا التحدي البيئي، قامت بلدية مقاطعة أوتريخت في هولندا بتحويل محطات الحافلات فيها إلى بقع خضراء لجذب النحل أملاً في تشجيع عملية تكاثر النحل.
يؤدّي النحل كغيره من الملقّحات الصغيرة دوراً فاعلاً وأساسياً في الحفاظ على الحياة والتوازن البيئي على الأرض، فهو لا يسهم في التنوّع البيئي للنباتات فحسب، إنما يضمن أيضاً التنوّع الغذائي، ذلك أنّ المحاصيل في جميع أنحاء العالم التي يتمّ إنتاجها لغايات الاستهلاك البشري تعتمد بنسبة 75% منها على الملقّحات.
ومع تغيّر الممارسات الزراعية في السنوات الماضية، انخفضت عالمياً أعداد الحشرات التي تساهم في تلقيح النباتات بشكلٍ ملحوظ ومن ضمنها النحل في هولندا، وبات بعض أنواعها مهدداً بالانقراض، الأمر الذي من شأنه أن يضرّ بعملية إنتاج المحاصيل الزراعية وبالتالي يكون له تأثير سلبيّ أيضاً على الأمن الغذائي. لذلك، فإنّ الحاجة باتت ملحّةً اليوم لإيجاد حلول ملائمة تشجّع عملية التلقيح وتكاثر النحل، وتكفل بالتالي استدامة التوازن البيئي، وتحفّز التنوّع الحيوي لضمان حياة صحية لا سيما في المجتمعات الحضرية.
يعيش في هولندا 358 نوعاً مختلفاً من النحل، وكغيرها من البلدان تتعرض نسبة كبيرة منها لخطر الانقراض حالياً، تصل إلى 56% في هولندا. ولكي تتكاثر هذه الأنواع من النحل وتستمرّ في تلقيح النباتات، فهي بحاجة إلى نباتات "السدم" المتنوّعة (Sedum) التي تنمو عادةً في الحدائق الخضراء وتوفّر المصادر الغذائية للملقّحات. وبهدف توفير هذه النباتات الخضراء، وبالتالي المحافظة على الملقّحات وضمان التنوّع الحيوي، أطلقت مدينة أوتريخت مبادرة "السقف الأخضر" في إطار المساعي المبذولة لتحقيق هدف شاملٍ يتمثّل في تحويل المدينة، وهي رابع أكبر المدن الهولندية من حيث الكثافة السكانية، إلى مدينةٍ أكثر استدامةً بحلول العام 2040.
وعمدت مقاطعة أوتريخت في هولندا إلى تتويج مئات محطات الحافلات بالأسقف الخضراء المزينة بشكلٍ أساسي بنباتات السدم دعماً منها لعملية تكاثر النحل. كما شجّعت بلدية أوتريخت تركيب الأسقف الخضراء في مختلف أنحاء المدينة، مساهمةً منها في إنشاء بيئة صحية تعود بالفائدة على سكان المنطقة وتسهم أيضاً في المحافظة على النحل والفراشات وغيرها من الحشرات اللازمة للحفاظ على التنوّع الحيوي.
بادرت البلدية في البدء إلى فتح باب تقديم العطاءات من أجل المشروع المتمثل في تركيب محطات الحافلات وإدارتها وتشغليها وصيانتها في أنحاء مختلفة من المدينة. وأدرجت بين المعايير المطلوبة التشجيع على البيئة الحضرية الصحية، والمساهمة في تحسين نوعية الحياة. كما اشترطت أن تكون المحطات المستقبلية ذات بصمة كربونية خفيفة وأن تقلّل من استهلاك الطاقة، إضافةً إلى توفير تجربة آمنة ومريحة للركاب.
واليوم أصبحت أوتريخت تمتلك 316 محطة حافلات ذات أسقف خضراء مغطاة بنباتات السدم، من دون أن يرهق المشروع البلدية بأيّ تكاليف إضافية، إذ أنّ الشركة المشغّلة تأخذ على عاتقها تكاليف التركيب والصيانة باستخدام الإيرادات التي تستدرّها من الإعلانات المعروضة في محطات الحافلات. كما تُنار المحطات بإضاءة LED ذات استهلاك كهربائي منخفض، وتم تزويد 96 منها بألواح شمسية، كما تحتوي جميعها على مقاعد مصنوعة من الخيزران وهي مادة أكثر استدامة من البلاستيك والمواد الأخرى الشائعة في صناعة المقاعد في الأماكن العامة. أما قاعدة المحطة فتصنع من الخرسانة المعاد تدويرها. ويتولّى العناية بالمحطات عمّال يجولون المدينة في مركبات كهربائية، علماً أنّ الأسقف المغطاة بالسدم لا تتطلب الكثير من الصيانة، لأنّ هذه النباتات تعيش على القليل من الماء.
للأسقف الخضراء فوائد عدة، منها التقاط الجسيمات؛ وتخزين مياه الأمطار؛ وتبريد الجوّ في وقت الحرّ؛ وتعزيز التنوّع الحيوي للمدينة. ومن هنا، تسهم محطات الحافلات في أوتريخت في توفير بيئة معيشية صحية لسكان المدينة وللحيوانات الصغيرة فيها، لا سيما الطيور والحشرات التي تنمو بكثرة على الأسطح الخضراء.
وتشكّل هذه التجربة مثالاً عن تحويل الأفكار المبتكرة إلى نتائج ذات تأثير إيجابي من خلال تدابير عديدة اعتمدتها أوتريخت لتحسين التنوّع البيولوجي الحضري في المدينة. وتعمل المدينة على تنفيذ خطط مشابهة أخرى كإيجاد السبل الملائمة للاستفادة من المواقع القديمة بتحويلها إلى مساحات خضراء في المدينة أو اعتماد وسائل تتيح لسكان أوتريخت التقدّم بطلبات تمويل لتركيب الأسقف الخضراء على أسطح منازلهم وتحويلها إلى أماكن ينمو فيها النحل ويتكاثر.
المراجع: