ما هي "المدن الإسفنجية"؟ وكيف تمنع الفيضانات؟

ما هي "المدن الإسفنجية"؟ وكيف تمنع الفيضانات؟

1 دقيقة قراءة
إدراكاً لحقيقة أنّ المطر بالرغم من أهميته قد يحمل أحياناً الدمار، تحذو دولٌ عديدة حول العالم حذو الصين في إنشاء ما يسمى بالمدن الإسفنجية القادرة على امتصاص المياه ومنع تجمُّعها وحدوث الفيضانات، وذلك عبر زيادة المساحات الخضراء، واستخدام الأسطح النافذة بدلاً من الخرسانة التقليدية، وزراعة أسطح الأبنية، كل هذا لبناء المقاومة ضدّ العواصف الشديدة والماطرة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

إدراكاً لحقيقة أنّ المطر بالرغم من أهميته قد يحمل أحياناً الدمار، تحذو دولٌ عديدة حول العالم حذو الصين في إنشاء ما يسمى بالمدن الإسفنجية القادرة على امتصاص المياه ومنع تجمُّعها وحدوث الفيضانات، وذلك عبر زيادة المساحات الخضراء، واستخدام الأسطح النافذة بدلاً من الخرسانة التقليدية، وزراعة أسطح الأبنية، كل هذا لبناء المقاومة ضدّ العواصف الشديدة والماطرة.

وسط الأزمات البيئية وضغوط نمط الحياة المعاصر، تسعى المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة إلى تعزيز القدرة على العيش وتحقيق الاستدامة والمرونة وبناء المقاومة أمام تهديدات الطبيعة، فالبنى التحتية التقليدية التي تخدم أغراضاً حيويةً كثيرة لم تعد تكفي.

تكثر التحديات أمام هذه البنى المعروفة بـ"الرمادية"، بما فيها تغيّر المناخ والفيضانات والتلوّث وخسارة الموائل، كما في الصين التي تواجه فيضاناتٍ متكرّرةً كلّ صيف، تتبعها انزلاقات أرضية. وقد أشار تقرير الفريق الحكوميّ الدولي المعني بتغيّر المناخ إلى أنّ 700 مليون شخصٍ يعيشون في مناطق تتعرض لمعدّلات هطولٍ مطريةٍ آخذة في الارتفاع، وتبيّن الحكومة أنّ 98% من المدن الصينية معرّضة لخطر الفيضانات، كان آخرُها الفيضان الذي ضرب بكين في العام 2012 مودياً بحياة 79 شخصاً وواضعاً السلطات الصينية أمام تساؤلاتٍ كثيرةٍ بشأن سياساتها في مواجهة الكوارث الطبيعية. الحقيقة أنّ معدّل التوسّع الحضريّ غير المسبوق يمثّل جزءاً من المشكلة، فانتشار الطرق المعبّدة والأنفاق والجسور يحدّ من وجود التربة القادرة على امتصاص الأمطار، ما يعوق الدورة الطبيعية للمياه.

لتحقيق نوعٍ من التوازن، طوّرت الصين مفهوم "المدن الإسفنجية"، وهو يشير إلى مساحاتٍ حَضَريةٍ كثيفة الغطاء الأخضر وقادرةٍ على امتصاص الماء وتخزينه أثناء هطول الأمطار لإعادة استخدامه عند الحاجة.

في العام 2015، انطلقت المبادرة رسمياً في 16 مدينة، وتوسّعت تدريجياً إلى أن وصل العدد إلى 30، حظيت كلٌّ منها بمنظومةٍ خاصةٍ تجعلها مدينةً إسفنجية. تعمل هذه المنظومات على تقليل شدة جريان مياه الأمطار من جهة، وتوزيع امتصاص التربة للمياه بشكلٍ متساوٍ من جهةٍ أخرى، لتكوين مخازن جوفيةٍ قابلةٍ للتنقية وإعادة الاستخدام وفقاً لمنهجيات الهندسة البيئية.

وقد كانت الحاضرة شنغهاي واحدةً من المدن التجريبية، حيث احتضنت نظاماً ينقّي زهاء 15 ألف مترٍ مكعّب من المياه يومياً إلى جانب العديد من الجزر العائمة المكوّنة من نباتاتٍ مائيةٍ قابلةٍ للطفو وقادرةٍ على تنظيف المياه وتوفير موئلٍ للطيور. وعلى اليابسة، تُغطى أسطح المنازل بالنباتات، ويتمّ رصف الطرق بخرسانةٍ نفاذةٍ تسمح بتغلغل المياه إلى عمق الأرض وتبخّر الفائض منها لخفض متوسط درجات الحرارة.

ومن الجدير بالذكر أنّ الفكرة الصينية قد لاقت رواجاً عالمياً، وحملت أسماء مختلفةً في كلِّ بقعةٍ من العالم، فكانت مثلاً باسم "البنية التحتية الخضراء" في أوروبا، و"التنمية منخفضة التأثير" في الولايات المتحدة، و"التصميم الحضري الحساس للمياه" في أستراليا، و"البنية التحتية الطبيعية" في البيرو"، و"الحلول القائمة على الطبيعة" في كندا.

في ويلز على سبيل المثال، تركّز الحكومة على مشاريع البنى التحتية الخضراء، فأطلقت مشروعاً لترقية منظومة الصرف وتقليل كميات مياه الأمطار التي تدخلها وتحسين جودة الطرق في العاصمة كارديف.

يقوم المشروع على إنشاء مساحاتٍ خضراء باسم "الحدائق المطرية" تخفّف جريان مياه الأمطار وتنقّيها من الملوّثات وتحوّل مجراها إلى أحد الأنهار القريبة، المعروف بنهر "تاف"، بدل أن تقطع 8 كيلومتراتٍ لتتمَّ معالجتُها قبل تحويلها إلى البحر. أسفلَ كلّ حديقة، تمتدّ شبكةٌ من أنابيب الصرف المُعدّة لنقل المياه التي تعجز التربة عن امتصاصِها في حالة العواصف الشديدة.

في تجربةٍ مشابهة، بدأت إدارة حماية البيئة بولاية نيويورك الأمريكية بتحويل أجزاء من الأحياء الخمسة إلى مناطق إسفنجية للحدّ من فيضان مياه الصرف الصحيّ من شبكة الأنابيب التي يفوقُ عمرُها قرناً ونصف. وذلك عبر جعل البنى التحتية الخضراء جزءاً أساسيّاً من مخططات المدن وتحويل الأسطح الخارجية إلى طبقاتٍ نافذةٍ قادرةٍ على امتصاص مياه الأمطار والتحكّم بمجراها، وذلك عبر تقنياتٍ كالأرصفة المسامية وأحواض تجميع المياه الموجودة أسفل المنشآت الترفيهية.

لكنّ الابتكار الصينيّ يواجه تحديات هامة، أوّلُها تلوث المياه الجوفية، فأكثر من 50% منها لم تعد صالحةً للشرب، ويرجع ذلك جزئياً إلى تسرّب مياه الأمطار التي تحمل معها الملوّثات عن الأسطح. بالتالي، فإنّ المدن الإسفنجية لا تعدو كونَها حلولاً جزئيةً أو آنيةً، ولن تفلح في تحقيق أثر ملموس ما لم تتضمّن منهجيةً شاملة لمقاربة قضية التلوث.

ومن هنا يبرز التحدي الثاني المتعلّق بالتمويل، فالميزانيات المتاحة حالياً لا تسمح بالتوسّع المأمول، حيث كلّفت هذه المشاريع في الصين أكثر من 12 مليار دولار، ولم تتجاوز مساهمة الحكومة المركزية فيها 20%، أما الباقي فتكفّلت به الحكومات المحلية للمدن والمقاطعات المختلفة وبعض الشركاء من القطاع الخاص.

ولكن بالرغم من هذه التحديات، ووفقاً للطموح الصينيّ، تقدّم المدن الإسفنجية وسيلة لاستعادة الدورة الطبيعية للمياه وحفظها في الأراضي الرطبة، كما تساهم في مقاومة الجفاف وتخفيف الآثار المدمّرة للفيضانات على الناس والبنى التحتية.

تهدف الحكومة الويلزية للوصول إلى شبكة صرفٍ حَضَريةٍ أكثر مرونةً، ونهجاً أكثر استدامةً لمعالجة مياه الأمطار، وشوارع أكثر ملاءمةً وراحة للمشاة والدرّاجين وسائقي السيارات بعناصر جماليةٍ بارزة.

أما نيويورك، فتتطلّع إلى بناء منظومةٍ خضراء قادرةٍ على امتصاص 90% من مياه الأمطار ومواجهة العواصف الشديدة التي قد تحدث مرةً كل عقد من الزمن، وزيادة قدرة التصريف من 4.5 إلى 5.8 سنتيمتراً في الساعة.

المراجع:

https://www.reuters.com/world/china/heavy-rain-floods-bring-renewed-calls-china-sponge-cities-2022-06-27/

https://www.weforum.org/agenda/2022/03/sponge-cities-nature-tackle-climate-floods-urban#:~:text=New%20Zealand's%20Auckland%20came%20out,a%2028%25%20sponge%20city%20rating.

https://gothamist.com/news/cloudburst-program-would-turn-parts-of-nyc-into-floodwater-super-sponges

https://www.chinadaily.com.cn/opinion/2017-09/26/content_32491069.htm

https://www.wired.com/story/if-you-dont-already-live-in-a-sponge-city-you-will-soon/

https://www.arup.com/projects/greener-grangetown

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right