ضمن توجُّه كوريا الجنوبية لصدارة عالم الابتكار والحلول الذكية، أطلقت شركة كوريا للأراضي والإسكان مع اتحاد تكنولوجيا المعلومات منصة البيت الذكي التي تقدم إطار عمل آمناً يستخدم بروتوكول الإنترنت المفتوح لإدارة الأجهزة المنزلية عبر تقنيتَي إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، بهدف تحسين التجربة المعيشية وزيادة انتشار هذه التقنيات.
عقب انتهاء الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، كان الاقتصاد في حالة انهيار تستدعي تحولاً جذرياً ومنهجياً لإعادة إعمار البلاد. لذا، توجهت السلطات الكورية إلى البحث والتطوير والابتكار التي أصبحت منذ ذلك الحين محور حياة المجتمع الكوري. وقد قام نهجُها على منظومة ابتكارٍ تعزز التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الصناعي والأوساط الأكاديمية في بناء الدولة. بعد بضعة عقود، تصدّرت كوريا مؤشر “بلومبرغ” للابتكار لخمس سنوات متتالية.
في مقدِّمة التقنيات الجديدة المُتبناة في كوريا تأتي تقنية إنترنت الأشياء المُستخدمة لإدارة البيوت والمنازل، والتي تواجهها عدة صعوباتٍ تتعلق بالأمان والتشغيل. عموماً، تحدُّ هذه الصعوبات من خيارات المستهلكين وتشكِّل عقبةً في طريق توسُّع السوق وتقيِّد المنافسة. وهكذا، بينما تعمل الحكومات على ربط البنى التحتية، تبقى حلول إنترنت الأشياء المتاحة بين أيديها عاجزةً عن تلبية متطلباتها.
في سبيل مواجهة هذه التحديات، وفي نهاية العام 2020، عمل الاتحاد الكوري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على وضع خطة طموحة بالتعاون مع شركة كوريا للأراضي والإسكان، وهي مؤسسة شبه حكومية تعمل على تطوير وإدارة الأراضي والمساكن ضمن المدن.
تقوم الخطة على إنشاء ما يسمى بـ”منصة البيت الذكي”، وهي عبارةٌ عن نظامٍ أساسيّ يدير شؤون المنزل باستخدام إطار العمل الخاص ببروتوكول الإنترنت الآمن للأجهزة. يمكن تعريف إطار العمل الذي طورته مؤسسة الاتصال المفتوح بكونه بنية تحتية تتيح اتصالاً آمناً للتطبيقات المحددة، حيث يمكن من خلاله اكتشافُ الجهاز وتأمينُه وتثبيتُه وإدارةُ الاتصالات بين عناصر العملية.
كمعيارٍ اعتمدته كلٌّ من المنظمة الدولية للمعايير واللجنة الكهروتقنية الدولية، نال هذا الإطار موافقة الخبراء الدوليين، وهو متوافق مع متطلبات الأمان الأساسية الخاصة بإنترنت الأشياء. باستخدام تقنية الحوسبة السحابية، يدعم الإطار 3 طرق اتصال، وهي الاتصال بين جهازٍ وآخر، وبين الجهاز والسحابة، وبين سحابةٍ وأخرى. إذ يؤمِّن أولاً الاتصالَ الآمن بين الأجهزة عبر شبكات بروتوكول الإنترنت مثل شبكات “الواي فاي” (Wi-Fi)، كما يتيح استخدام الوكلاء بطرقٍ لا تعتمد بروتوكول الإنترنت مثل تقنية البلوتوث، وعبر وصل الجهاز المنزلي بالسحابة، يمكن التحكم به من منزلٍ آخر أو من أيِّ مكانٍ في العالم. أما الاتصال بين سحابةٍ وأخرى، فهو ممكن من خلال بوابة السحابة العالمية التي توحد الاتصال بين الخوادم السحابية للشركات المصنِّعة المختلفة.
سيتم وضع لوحة وصلٍ ذكيةٍ لإنترنت الأشياء في كلّ منزل، وستعمل هذه اللوحة على جمع البيانات الضخمة وتحليلها، وهي قادرة على التحكم بـ15 نوعاً مختلفاً من الأجهزة عبر تطبيق “المنزل الذكي”، بغض النظر عن شركة الاتصالات أو نوع الأجهزة المنزلية أو المنتجات التي يختارها المستهلكون، كما سيتم تجهيز اللوحات بأجهزة استشعارٍ حساسةٍ لذرات الغبار وثاني أكسيد الكربون.
بدأ المشروع بفترةٍ تجريبيةٍ ضمّت 5 آلاف منزل، ويهدف إلى تغطية 228 ألف منزلٍ بحلول العام 2024. ولإطلاق العمل، أجرى الفريق التنفيذيّ الكثير من الأبحاث والتجارب خلال العام الماضي، وفي المراحل الأخيرة، استضاف الاتحاد الكوري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فعاليةً ضمّت كبار صانعي ومطوِّري الأجهزة المستخدمة في كلِّ بيتٍ كوري مثل “إل جي” (LG) و”شركة كوريا الجنوبية للاتصالات” (SKT). كانت تلك الفعالية اختباراً لاعتماد التقنية، إذ ينبغي للأجهزة والخدمات السحابية الخاصة بإنترنت الأشياء أن تكون متوافقةً مع إطار العمل وأن تؤدي مهامَها كما ينبغي ووفق شبكةٍ آمنةٍ تجمعُها، ويجب التحقق من كل ذلك قبل اعتمادِها ونشرِها في الأبنية والمنازل الذكية.
كان الخبراء الفنيون مستعدين لرصد أي تحديات قد تواجههم أثناء الاختبار، والتي جاءت في مقدمتها التحديات المتعلقة بالأمان والخصوصية وإمكانية التوافق التشغيلي، وهو مصطلح غالباً ما يستخدم في السياقات التقنية للإشارة إلى قدرة النُّظم والمؤسسات المختلفة على العمل معاً. وقد تمت مقاربة هذه التحديات باستخدام النظام الجديد.
باستخدام الأتمتة وتحسين جودة الهواء وكفاءة استخدام الطاقة، يهدف الابتكار إلى تمكين السكان من تحقيق أقصى استفادةٍ من منازلهم وأبنيتهم، وتحسين البيئات المعيشية بجعلها أكثر أماناً وتطوراً.
بالإضافة لذلك، فإنّ إطار العمل الخاص ببروتوكول الإنترنت الآمن للأجهزة سيساعد في تسهيل الشراكات السحابية للمصنِّعين ويقلل حاجتهم إلى تطوير واجهاتٍ برمجيةٍ مختلفةٍ للتطبيقات، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين تجربة المستخدمين.
على مستوى أعمق، فإنّ هذه التقنية هي الطريقة الوحيدة للانتقال من منافسةٍ يقودها عدد محدود من الكيانات المهيمنة إلى نظام منافسةٍ مفتوح قائم على معايير موحدةٍ وعادلة. وحين تثبت هذه التقنية جدواها، فإنّ السلطات الكورية تتوقع انضمام شركاتٍ أخرى إلى هذا التوجه، ما سيحدث تغييراً حقيقياً في المشهد برمته.
بعد التخطيط لمستقبل حياة الشعب الكوري، يعمل الفريق أيضاً على مخططاتٍ قابلةٍ للتنفيذ في بلدان أخرى، وذلك لمشاركة خبرات الرقمنة وتحسين التجارب المعيشية وكفاءة الطاقة، ما يصبّ في المسعى العالمي لمواجهة تغير المناخ.
المراجع:
- https://openconnectivity.org/testing-testingpreparing-for-mass-deployment-in-korean-smart-homes/
- https://theconversation.com/building-a-national-innovation-system-what-can-we-learn-from-korea-9449
- https://www.smartcitiesworld.net/news/open-internet-protocol-tech-helps-korea-advance-smart-home-strategy-7217