كوبنهاغن تختبر نظام إعادة تدوير عبوات الوجبات الجاهزة

كوبنهاغن تختبر نظام إعادة تدوير عبوات الوجبات الجاهزة

1 دقيقة قراءة
أمام انتشار ثقافة الوجبات الجاهزة بعبواتها البلاستيكية، احتاجت سلطات العاصمة الدانماركية لنشرِ ثقافةٍ لا تقلّ عنها تأثيراً، ثقافة تراعي البيئة وتشرك الناس في إعادة تدوير مخلفاتهم.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

أمام انتشار ثقافة الوجبات الجاهزة بعبواتها البلاستيكية، احتاجت سلطات العاصمة الدانماركية لنشرِ ثقافةٍ لا تقلّ عنها تأثيراً، ثقافة تراعي البيئة وتشرك الناس في إعادة تدوير مخلفاتهم. هذا ما دفعها لإطلاق تجربة لإعادة تدوير علب الوجبات الجاهزة، مستمدةً فكرتها من نجاح نظامها لإيداع وإرجاع الزجاجات الفارغة لقاء مقابلٍ ماديّ، والذي وضع الدانمارك في صدارة أنظمة إعادة التدوير في العالم.

لقد قدّمت الوجبات السريعة حلّاً ذكياً وعملياً يتلاءم مع نمط الحياة العصرية المتسارع، لكنها لم تكن مفيدةً بالدرجة نفسها بالنسبة للصحة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، حيث أنّ أثر هذه الثقافة جسيمٌ على الكوكب أيضاً.

لاقت هذه الثقافة رواجاً كبيراً في دول الاتحاد الأوروبيّ كالدانمارك التي يعتمد سكانُها اعتماداً كبيراً على الوجبات السريعة. ولأنّ شراء هذه الوجبات المُعدّة مسبقاً يتطلّب توضيبَها بعناية، فهذا يعني استهلاكاً هائلاً للأكياس والعبوات والقوارير البلاستيكية. وتقدِّر بلدية العاصمة، كوبنهاغن، أنّ ما لا يقلّ عن 200 طنٍّ من العبوات البلاستيكية مختلفة الأنواع والأحجام تتراكم في مكبّات النفايات كلّ عام.

تبدو هذه المشكلة جليةً في الأحياء التي تنتشر فيها المكاتب ومقرّات الشركات ومطاعم الوجبات السريعة، حيث يشتري الموظّفون وجباتهم خلال استراحات الغداء، ويتخلّصون من العبوات الفارغة في الشوارع أو الحدائق، لتمضي فِرَق البلدية ساعاتٍ طويلةً من التنظيف، ويقضي جامعو الزجاجات أياماً أطولَ يجوبون الشوارع سيراً على الأقدام، حاملين الأكياس الثقيلة وباحثين عن العبوات والزجاجات الفارغة. كما تتكرّر الظاهرة نفسها في مناطق الأنشطة الترفيهية حيث يقضي الناس أوقات الذروة كالأمسيات أو عطلات الأسبوع.

تنبّهت سلطات العاصمة إلى هذه المشكلة باكراً، لتطلق مبادرة جديدة لدراسة إمكانية توسيع نظام الإيداع والإرجاع الدنماركي ليشمل علب الوجبات الجاهزة أيضاً. ففي عام 2002، أطلقت وزارة البيئة والأغذية المركزية آليةٍ مستدامةٍ لإعادة التدوير وتخفيف الأثر البيئيّ، والتي أثمرت عن مشروعٍ غير ربحيّ حمل اسم "نظام الإيداع والإرجاع"، طُوِّر بجهود شركاء من القطاعين الحكوميّ والخاص والذي أثمر عن نجاحات عديدة. هذا ما أعطى كوبنهاجن الدافع والثقة في دراسة كيفية توسيع التجربة.

يتولى النظام فرز القوارير والعبوات وفصلَها وإرسالَها إلى معامل خاصة بإعادة التدوير. ولأنّ هذا غير ممكنٍ دون مشاركة الناس، كان لا بدّ من إيجاد وسائل لتحفيزهم، وقد وجد الفريق أنّ إحدى أفضل الوسائل تتمثّل بالمكافآت المادية.

هكذا، وُلدت الفكرة التي تطبّقها العاصمة الدانماركية منذ أكثر من 20 عاماً، حيث أنشأت بنوكاً للإرجاع تقوم حرفياً بتقديم تعويض مادي للمستهلِكين والمنتِجين على حدٍّ سواء، فحين يرغب المواطن بإعادة عبوةٍ فارغة، يمكنه إيصالُها إلى أحد متاجر البقالة أو آلات البيع العكسيّ الموزّعة في أرجاء المدينة، والحصول على ثمنها.

على مستوى العلاقة بين البائع والمشتري، فإنّ جزءاً من سعر المنتج عبارة عن وديعةٍ يستردّها المستهلك حين يقوم بإعادة العبوة الفارغة لغرض إعادة التدوير. بدورهم، يرسل الباعة العبوات إلى نظام الإيداع والإرجاع الذي يعوِّضهم عن المبالغ المدفوعة للمستهلكين.

أما إذا رغب المواطن بالقيام بالعملية بنفسه، فتسمح له بنوك الإرجاع بتسليم ما يصل إلى 90 عبوةً في المرة الواحدة، وتعوِّضه بمقابلٍ ماديٍّ أيضاً. كما يمكن للمستهلِكين ترك العبوات الفارغة في صناديق خاصةٍ موجودة في الأماكن العامة لمساعدة أشخاصٍ يمتهنون جمعها أو يمارسونه كمصدر دخلٍ إضافيّ. أما بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في حماية البيئة ولا يطمعون بالتعويض، فإنّ نصيبهم من الأموال يُستخدم في تطوير النظام نفسه وتمويل عملياته.

كما تطالب السلطات مواطنيها باستبدال الأكواب البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بالبدائل القابلة للغسل، وخاصةً في المناسبات والأنشطة الاجتماعية التي تتضمّن تقديم المشروبات لأعداد كبيرة، وقد أطلقت مؤخراً نظاماً تجريبياً يشمل إعادة صناديق البيتزا وأطباق السوشي وأكواب القهوة.

عند الحديث عن نظام متداخل إلى هذه الدرجة، فإنّ النجاح مشروط بتعاون الجهات كافةً، لأنّ أيّ خللٍ في أيّة حلقة من السلسلة كفيلٌ بتعطيل العملية برمتها،و بالتالي لا بدّ من آليةٍ شاملةٍ لتسيير العملية.

ولعلّ أبرز التحديات يتمثّل ببناء الوعي وتوفير أسهل الخيارات لكلٍّ من المستهلِكين والمورِّدين، وهذا ما تعمل وكالة حماية البيئة على اجتيازه، فأجرت استبياناً عاماً، وتوصّلت إلى أنّ المواطنين سيكونون أكثر إقبالاً على استخدام العبوات القابلة لإعادة التدوير إذا كان سعرها أرخص، وبدأت التواصل مع أصحاب المقاهي والمطاعم والعاملين فيها وحثّهم على توظيف معارفهم وخبراتهم في تطوير حلولٍ جديدةٍ قابلةٍ للتطبيق.

كما أنّ طموحاً بحجم "حلٍّ دائمٍ ومستدامٍ بالكامل"، يتطلب مقارباتٍ متأنّيةً لاعتبارات السلامة البيئية والغذائية كافةً، لذلك ينبغي أن تلتزم كلّ هذه الجهود باللوائح الصحية الصارمة الخاصة بإعادة التدوير، والتي تشترط مثلاً عدم خلط أنواع مختلفةٍ من البلاستيك أو الألمنيوم أو الزجاج المستعمل في عمليات المعالجة. كما تحصر هذه اللوائح إرجاع الودائع بالمنشآت المعتمدة التي تخضع للفحص والتفتيش المنتظمَين لضمان استيفائها للمتطلبات بالكامل.

استطاع الدانماركيون ترسيخ النظام الأكثر فاعليةً على مستوى العالم، حيث تشير الأرقام إلى أنّ أكثر من 93% من القوارير والعبوات المصنوعة من البلاستيك أو الزجاج أو الألمنيوم يتم إرجاعُها وإعادةُ تدويرِها، وقد وصل عددُها إلى 1.7 مليار عبوة في العام 2021 وحدَه، تحوّلت إلى علبٍ وزجاجاتٍ وأطباقٍ جديدةٍ، أو أحواضٍ وألبسةٍ ونوافذ وغيرها من المنتجات، كما أُحرق جزء كبير منها لأغراض التدفئة وتوليد الطاقة.

على الصعيد الإنسانيّ، يمكن لكلّ مواطنٍ دانماركيّ أن يخفّف معاناة أحد جامعي الزجاج والبلاستيك ويزيحَ عنه عبءَ البحث في صناديق القمامة أو حمل الأكياس الثقيلة.

وعلى مستوى أعمّ، تتطلّع العاصمة إلى إرساء نظامٍ وطنيٍّ بنسبة تدويرٍ تبلغ 100%، وتجربةٍ مؤهلةٍ للانتشار العالميّ.

المراجع:

https://danskretursystem.dk/en/sustainability/

https://www.forbes.com/sites/danieladelorenzo/2022/08/12/copenhagen-to-test-take-away-food-packaging-refund-system/?sh=1115a496731f

https://international.kk.dk/live/housing/settling-into-your-new-home/recycling-in-copenhagen

https://www.bloomberg.com/news/articles/2015-10-27/how-copenhagen-s-new-trash-cans-help-the-homeless

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023

كيف أطلقت مدينة أمريكية صغيرة أول برنامج لمسيّرات الشرطة

لنقل عمل أجهزة إنفاذ القانون إلى مستوى جديد، خاضت إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا الأمريكية رحلةً طويلةً للبدء باستخدام المسيّرات في عملها، فترسلها إلى مواقع الحوادث قبل عناصر الشرطة كي تجمع المعلومات الهامة والأدلة الجنائية وتدعم اتخاذ القرار.

 · · 4 أكتوبر 2023

تقنيات متقدمة لمكافحة التلوث المائي في الدنمارك

فيما أجرت مدينة دنماركية تجربةً على استخدام مسيّرات "تتغذى على النفايات"، لمساعدة البلدية على احتواء تلوث النفايات الصلبة، واختبرت ذراعاً آليّةً ترشّح النفايات الصلبة من مياه النهر قبل دخولها المحيط، نشرت الدولة هناك مسيّرات طائرة "تستنشق الكبريت" لمراقبة مستويات الانبعاثات من السفن العابرة. عالمياً، تتعرض البحار والمحيطات لضغط متزايد من مصادر التلوث الحضرية والريفية المتعددة، […]

 · · 4 أكتوبر 2023

مدينة برازيلية تواجه تحدياتها عبر برنامج الابتكار المفتوح

ليكون الناس جزءاً حقيقياً من إيجاد الحلول لمشكلاتهم، تتبنّى مدينة ريسيفي البرازيلية سياسة الابتكار المفتوح التي تفسح المجال لأصحاب الأفكار، وتقدّم لهم الدعم لإنشاء النماذج الأولية لحلولهم، ثم تأخذ بيدهم لتحويل أفكارهم ونماذجهم إلى منتجاتٍ قادرةٍ على المنافسة في السوق.

 · · 18 سبتمبر 2023

بلدة أمريكية صغيرة تغدو قدوةً في مزارع الطاقة الشمسية العائمة

جرّاء الاستخدام الحصري للأراضي، وتوزيع الطاقة، والتشتت الحراري، أدركت بلديّة كوهوز، البلدة الصغيرة التابعة لمدينة ألباني في ولاية نيويورك، أن موارد الطاقة الشمسية التقليدية فيها ستصل إلى طريق مسدود، ووجدت أن المزارع الشمسية العائمة قادرةٌ على حلّ العديد من المشكلات، فباشرت مشروعاً تجريبياً مبتكراً أطلق حراكاً وطنياً على مستوى الولايات المتحدة كلّها.

 · · 18 سبتمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right