طرق مبتكرة لاستضافة الرحّالة الرقميين

طرق مبتكرة لاستضافة الرحّالة الرقميين

1 دقيقة قراءة
لتقديم خياراتٍ تجمع بين السياحة والعمل، تقدّم دولٌ عدة أفكاراً جذّابةً للعمال المستقلين الذين اختاروا التنقّل بين البلدان وأداء وظائفهم عن بُعد، بدءاً من عروض الإقامة والتنقُّل وليس انتهاءً بتأسيس مدنٍ مخصصةٍ برمتها للمقيمين الأجانب.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لتقديم خياراتٍ تجمع بين السياحة والعمل، تقدّم دولٌ عدة أفكاراً جذّابةً للعمال المستقلين الذين اختاروا التنقّل بين البلدان وأداء وظائفهم عن بُعد، بدءاً من عروض الإقامة والتنقُّل وليس انتهاءً بتأسيس مدنٍ مخصصةٍ برمتها للمقيمين الأجانب.

يقدّم العالم المعاصر خيارات عديدة لأيِّ شخص لم يتخذ بعدُ قراره النهائيّ بشأن المسيرة المهنية التي سيسلكها. تتنوع هذه الخيارات بتنوّع احتياجات الحياة وإمكانيات كلٍّ منهم ومهاراته وطموحاته، وحتى مزاجه وطباعه الشخصية.

من بين هذه الخيارات، يبرز مفهوم العمل المتنقِّل، وهو مصطلح ظهر مطلع القرن ليشيرَ إلى مجموعةٍ من الأشخاص يُسمَّون بـ"الرحّالة الرقميين"، يجوبون العالم حاملين حواسيبهم الشخصية، ومن خلالها ينجزون مهامهم الوظائفية دون الحاجة للتوجه إلى الدوام بمعناه التقليدي.

بالطبع، اتّسع هذا المفهوم ليشمل جميع العمال المستقلين الذين اتخذوا خيار العمل عن بُعد. ثم جاء العام 2020 بجائحة كوفيد-19 ليفرضَ نمط حياة جديداً وتصميماً اجتماعياً مختلفاً ويرغمَ الملايين على العمل عن بعد. واقع الأمر أنّ كثيراً من هؤلاء جُذبوا إلى هذا الخيار المُمَكَّن تكنولوجياً كما استجابت له شركاتٌ عديدةٌ بتبنّيها نماذجَ عملٍ مرنة.

لكنّ العالم تملؤه التعقيدات التي قد تمنع الكثيرين من عيش تخيُّلاتِهم عن تجربة السفر من بلدٍ إلى آخر وإنجاز أعمالهم من أيِّ مكان. وتتمثّل أولى العقبات بالأُطُر القانونية التي قد لا تسمح لموظّفٍ بإنجاز أعماله من دولةٍ أخرى، كما أنّ دولاً كثيرةً تشكِّك بالغرض الحقيقيّ لهذه الرحلات، وترى فيها محاولاتٍ للهجرة غير الشرعية أو التهرّب من تسديد ضرائب الدخل.

لهذا، انتشر مفهوم تأشيرة الرحّالة التي تقدّمها 46 دولةً حول العالم لجذب العمال المتنقّلين الأجانب. وتشير الإحصائيات إلى أنّ محرِّكات البحث قد سجّلت خلال السنوات الخمس الأخيرة زيادةً بنسبة 2400% في عمليات البحث عن هذه الظاهرة.

في البرازيل، تمنح الحكومة تأشيرات سفر مؤقتة للمهاجرين الذين يعملون لصالح جهاتٍ أجنبية، وتصدر لهم تصاريح إقامةٍ لمدة عامٍ قابلٍ للتمديد. وكانت البرازيل أولى دول أمريكا الجنوبية التي تؤسّس قريةً كاملةً للعمال المتنقّلين في مشروعٍ جمع شركاء من القطاعين الحكوميّ والخاص أبرزهم مجلس السياحة المحليّ.

تقدّم القرية تسهيلاتٍ عديدة وتحاول توفير بيئة عملٍ مواتيةٍ للعمال الأجانب، لذا اختير لها أحد المواقع الجذابة على الساحل الشماليّ الشرقيّ للبلاد لكونه مناسباً لاحتضان التجربة الحقيقية التي ستبني الحكومة عليها قرارَها بشأن تأسيس مشاريع مستقبليةٍ مشابهة.

بدورها، تمنح إيطاليا تأشيرةً لمدة عامٍ واحد، وتدعمها باستثمارٍ فاق مليار دولار في البنية التحتية والإنترنت عالي السرعة في المناطق الريفية الصغيرة التي تجذب العمال المتنقّلين بصورةٍ خاصة.

لكنّ التجربة الأوروبية الأبرز كانت من نصيب البرتغال التي شهدت افتتاح أول قريةٍ للعمل المتنقّل في العام 2021 في جزيرة ماديرا البركانية ذاتية الحكم والتي تكفّلت حكومتُها الإقليمية بتمويل المشروع. ولجذب العمال المتنقّلين أو "الرحالة الرقميين" وتشجيعهم على الاستقرار، تقدّم لهم القرية امتيازاتٍ كثيرةً مثل مساحات العمل المشتركة المجانية وجلسات التأمّل وأنشطة المسير الجماعية والرياضات المائية الأسبوعية. كما تنسّق إدارة المشروع جهودها مع الشركات المحلية ومالكي العقارات والفنادق ووكالات تأجير السيارات، لتقديم مختلف أنواع الخدمات للزائرين الذين بلغَ عددُهم حوالي 4700 أجنبيّ خلال أقل من عامين، أقاموا لفترات متفاوتة للاستمتاع بالطقس الدافئ والبيئة المحيطة.

في إندونيسيا، تعمل الحكومة لتكريس مفهوم الترحال الرقميّ بوصفه نوعاً من أنواع السياحة لأنها ترى في هؤلاء العمال وافدينَ مهمين قد يفيدون اقتصادها المحليّ، لا سيما أولئك الذين يتمتعون بقدراتٍ شرائيةٍ كبيرة، فقد ترغب نسبة كبيرة منهم بعيش تجربة الترحال بين الجزر الإندونيسية بطبيعتها الفريدة. لهذا، تصمّم الحكومة حالياً قانون إصدار تأشيرات العمال المتنقّلين التي يسري مفعولُها لـ5 سنوات، لتتفوّق بهذا على كلّ الخيارات المتاحة عالمياً.

وفي العالم الافتراضيّ أيضاً، يتسع سوق المواهب العالميّ وتتناثر مواقع العمل عن بُعد فتقدّم قنوات اتصالٍ بين أصحاب العمل والباحثين عن فرصةٍ أياً كان اختصاصهم.

ضمن المجتمعات نفسِها، تلقى هذه الفئة اهتماماً من نوعٍ خاص، وتقدّم الشركات الكثير من المنتجات والخدمات وخيارات السكن المشترك وغيرها.

اليوم، يواظب معظم العمال المتنقّلين على تسديد ضرائبهم في بلدانهم، لئلا يُحرموا من مزايا كالرعاية الصحية والتأمين وغيرها. لكنّ أبناء المجتمعات المضيفة يطرحون مخاوف كثيرةً أبرزُها ظاهرةٌ تسمى "الاستطباق"، وهي مشتقةٌ من كلمة "طبقة"، وتحدث في المناطق الحضرية حين ترتفع إيجارات الوحدات السكنية نتيجة مشاريع التطوير، فيتجه الأفراد الأعلى دخلاً للعيش في مساكن الطبقة الوسطى، وهذا برأي علماء الاجتماع قد يغيّر– تدريجياً– هوية الحيّ أو المنطقة.

ولكون إندونيسيا واحدة من أكثر الوجهات المرغوبة لدى الرحالة الرقميين، أعرب بعض الإندونيسيين عن قلقهم من أنّ فتح الأبواب لاستقبال الناس من أيّ مكان والمبالغة في تقديم التسهيلات لهم دون التحقّق من خلفياتهم قد يؤسّس تربة خصبة للسلوكيات المرفوضة اجتماعياً وحتى أخلاقياً، كما أنّ زيادة عدد الزوار يثقل كاهل منظومة الصحة والمرور والخدمات وغيرها، ويمثّل عبئاً على الموارد الطبيعية والاقتصادية.

تنطلق مقاربات هذه التحديات من الحكومات أنفسها، فعليها وضع خططٍ شاملةٍ وعقلانيةٍ وفعالة تدرس إمكانيات البنية التحتية والقدرات التكنولوجية والبيئة التنظيمية. عندها فقط، ستتكامل التشريعات المحلية مع التسهيلات الاقتصادية لتقديم تجربةٍ أكثر سلاسةً للرحّالة الرقميين، وستكون التأشيرات الجديدة إطاراً موثوقاً لكلٍّ من العاملين والجهات التي تشغِّلُهم على حدٍّ سواء.

يعود هذا النوع من السفر بالفائدة على كلا البلدين، فالزائر سيساهم في اقتصاد موطنه بتسديد الضرائب وإعالة عائلته من جهة، وسيكون سبباً في زيادة رفاهية المجتمع المضيف وتنمية اقتصاده في الوقت نفسه.

المراجع:

https://www.forbes.com/sites/carolinecastrillon/2022/07/17/why-the-digital-nomad-lifestyle-is-on-the-rise/?sh=9209be94934c

https://sifted.eu/articles/digital-nomad-village-madeira/

https://digitalnomads.startupmadeira.eu/

https://www.fastcompany.com/90788174/as-countries-try-to-attract-digital-nomads-locals-say-not-so-fast

https://roadbook.com/travel/nomadx-pipa-brazil-digital-nomad-village/

https://www.euronews.com/travel/2022/10/10/digital-nomads-will-be-able-to-live-and-work-in-portugal-full-time-with-this-new-visa

https://skift.com/2022/08/09/more-countries-seek-digital-nomads-wholl-be-invested-in-local-communities/

https://www.timeout.com/news/brazil-is-building-a-beachside-village-for-digital-nomads-082322

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

استخدام الطائرات المسيّرة في فحص البنى التحتية لعمليات أكثر أماناً واستدامةً

أطلقت قضية سلامة البنى التحتية والحفاظ عليها سباقاً محموماً بين حكومات العالم، ليصل العديد منها في آسيا وأوروبا وأمريكا إلى استخدام تقنية الطائرات المسيّرة من دون طيار لإجراء عمليات التفتيش الدورية لهذه البنى بغية توفير الوقت والتكلفة وزيادة الدقة وتعزيز الكفاءة.

 · · 15 مايو 2023

دول آسيوية تعلّق آمالها على الحافلات ذاتية القيادة

يبدو أنّ المركبات ذاتية القيادة هي مستقبل النقل. قناعةٌ توصّلت إليها دول آسيوية عدّة أبرزُها كوريا الجنوبية والصين واليابان، وكلٌّ منها تعمل بدأب لتغيير شكل منظومة النقل عبر إجراء التجارب وسنّ التشريعات وتطوير التقنيات.

 · · 15 مايو 2023

سنغافورة تختبر طرقاً عديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم

على عكس بعض الحكومات التي اتخذت موقفاً متحفظاً، بل وسلبياً أحياناً، حيال اعتماد روبوت الدردشة المستند إلى الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، تعملُ حكومة سنغافورة بجدية على اختبار تطبيقاتٍ تستند إلى الذكاء الاصطناعي وترمي إلى تعزيز تجربة التعلّم للطلبة وللمعلّمين على حد سواء، وعلى ثلاثة محاور: التعلّم التكيّفي، وتقييم أعمال الطلبة، وتقديم ملاحظات على النصوص البرمجية التي يقدمها طلبة البرمجة.

 · · 25 أبريل 2023

سنغافورة تتجه صوب الأعماق في مشروعٍ لرقمنة باطن الأرض

من أجل حياة أفضل للمواطنين، وللتغلّب على محدوديّة المساحات المتاحة ضمن جغرافيّة البلاد الصغيرة، وجّهت سنغافورة اهتمامها إلى باطن الأرض، وأطلقت مبادرةً بحثيّة تطبيقيّة متكاملة استعانت فيها بالوسائل الرقمية، وبدمج البيانات، بهدف إتاحة معلومات موثوقة تتيح تخطيطاً وإدارةً أفضل للحيّز الجوفيّ تحت الأرض، بغية استخدامه في بناء مرافقها وتشييد بنيتها التحتية، والاستعداد لدعم خطط سنغافورة المستقبلية.

 · · 12 أبريل 2023

أجهزة استشعار ذكية لشتاء آمن في الشوارع البريطانية

تألف المملكة المتحدة الشتاءات الباردة، لكنّها تسعى لإيجاد حلول لتخفيف قسوتها، لذلك شرعت مجالس محلية عدة في تركيب شبكات من أجهزة الاستشعار تراقب ظروف الطقس وحالة الطرق لتساعد السلطات على اتخاذ قراراتٍ مستنيرة وإرسال الفِرَق البلدية إلى المكان الصحيح، وفي الوقت الصحيح.

 · · 4 أبريل 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right