شيكاغو تبتكر خريطة رقمية لتحقيق المساواة بين مواطنيها

شيكاغو تبتكر خريطة رقمية لتحقيق المساواة بين مواطنيها

1 دقيقة قراءة
لتلبية معايير الإنصاف وتحقيق المساواة في فوائد الغطاء الشجري، أطلقت مدينة شيكاغو الأمريكية مشروعاً لغرس عشرات آلاف الأشجار بعد إنشاء خريطةٍ للبيانات الجغرافية المكانية لاختيار المواقع الأقلّ حظوةً وتعويضِها عمّا لحقَ بها من آثارٍ بيئيةٍ وصحية.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لتلبية معايير الإنصاف وتحقيق المساواة في فوائد الغطاء الشجري، أطلقت مدينة شيكاغو الأمريكية مشروعاً لغرس عشرات آلاف الأشجار بعد إنشاء خريطةٍ للبيانات الجغرافية المكانية لاختيار المواقع الأقلّ حظوةً وتعويضِها عمّا لحقَ بها من آثارٍ بيئيةٍ وصحية.

قد يكون بديهياً بالنسبة لمعظمنا الدورُ الكبير الذي تلعبه الأشجار وظلها في الأماكن الحَضَرية في تأمين الهواء النقيّ والمأوى للكثير من الكائنات الحية والظلّ الذي يقيها الحرارة ويمنحها بيئة عيشٍ معتدلة.

مع تغيُّر المناخ، يشهد العالم كلّ سنةٍ درجات حرارةٍ غير مسبوقة. ظاهرةٌ تبدو أشدَّ في المدن التي تتوسع بُناها التحتية الحَضَرية من أبنيةٍ وطرقٍ وجسورٍ وأنفاق على حساب غطائها النباتيّ وتكوينِها البيئيّ الطبيعيّ. وبينما تهتمّ المدن عموماً بجودة الماء والهواء، فهي لا تولي القدرَ نفسَه من الاهتمام للأشجار، وهذا ما تؤكّده الإحصائيات العالمية التي رصدت انخفاضاً للمتوسط العالميّ للغطاء الشجريّ الحَضَريّ خلال السنوات الخمس الأخيرة بما يقارب 40 ألف هكتار.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، إذ إنّ نِسَب هذا الغطاء كثيراً ما تتفاوت بين منطقةٍ وأخرى، ففي مدينة شيكاغو الأمريكية، تغطي الأشجار 16% من المساحة الحَضَرية، لكنّ هذه النسبة ليست موزّعةً بشكلٍ منصف، ففي حين تبلغ في بعض الأحياء 46%، قد لا تتجاوز في غيرها 10%.

تظهر هذه الأرقام تفاوتاً صارخاً في جودة الهواء ودرجات الحرارة ومعدّلات الفيضانات وصحّة السكان. وتشير البيانات إلى أنّ المجتمعاتِ المُهَمَّشة تاريخياً والمناطقَ التي شهدت كثافةً عاليةً للنشاط الصناعيّ على امتداد القرن الماضي قد اتّصفت بغطاءٍ نباتيٍّ محدود، كما احتوت تركيزاتٍ أكبرَ للجسيمات الملوِّثة للهواء بالإضافة إلى درجات حرارةٍ أكثرَ ارتفاعاً خلال الصيف ونِسَبٍ أعلى من المشكلات الصحية، لا سيما أمراض الجهاز التنفسي المزمنة كالربو.

لمقاربة هذا التحدي، تعاونت دائرة الصحة العامة في شيكاغو مع جامعة المدينة والعديد من المنظّمات المحلية غير الربحيّة والمؤسسات المجتمعية لوضع خطةٍ لتحقيق العدالة البيئية، حيث خصّصت 46 مليون دولار لزراعة 75 ألف شجرةٍ خلال 5 سنوات، ضمن مشروعٍ يركّز على المجتمعات المحرومة خَدَمياً.

عمل الفريق على تطوير أداةٍ متقدّمةٍ لرسم الخرائط وتحديد المواقع الأنسب لزراعة الأشجار بالشكل الذي يحقّق الفائدة البيئية القصوى على المدى الطويل. وقد تمثّل الهدف الأساسيّ للمشروع بإنشاء منصةٍ مركزيةٍ تتيح مجموعةً واسعةً من مصادر البيانات المختلفة، وتحليل المعطيات الجغرافية المكانية المعقّدة، لتصنعَ منها مُخرَجاتٍ قابلةً للفهم بالنسبة للمهتمين وصنّاع القرار والمعنيين من غير المختصين.

لفعل ذلك، استخدم الفريق عدة تقنيات مثل جهاز تحديد المدى عن طريق الضوء (الليدار) لجمع بيانات الأشجار نفسِها وأثرها البيئيّ، إل جانب بياناتٍ خارجيةٍ تتعلّق بالبنية السكانية ومنظومة النقل، كما ساهم مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ببيانات الحالة الصحية العامة، وقدّمت وكالة ناسا لأبحاث الفضاء البياناتِ المتعلّقةَ بدرجات الحرارة السطحية في المناطق التي خضعت للدراسة.

وقد أظهرت البيانات التي تمّ جمعُها بأنّ درجات الحرارة تنخفض كلما اقتربت المسافة من بحيرة المدينة، في حين سجّلت الأحياء المتاخِمة للطرق السريعة الواصلة بين الولايات درجاتِ حرارة أعلى مرتبطةً بحركة المرور الكثيفة والمستمرة على مدار الساعة. كما قدّمت الخريطة معلوماتٍ أخرى مثل مواقع المدارس القريبة من الطرق السريعة المذكورة، حيث يتعرّض الأطفال لمستوياتٍ أعلى من التلوث.

تمت برمجةُ واجهة المستخدم بحيث تستطيع أن تورِد البيانات الخاصةَ بكلّ عنصرٍ على حدة، وأن تستخرج الارتباطات بين العوامل البيئية والاجتماعية، وتصل إلى نتائجَ دقيقة.

بعد إنجاز الخريطة، لم يكتفِ مطوِّروها بمشاركتها مع صنّاع القرار الذين سيبنون عليها رؤى التخطيط الحَضَريّ المستقبليّ، بل قاموا بإنشاء نسخةٍ مجانيةٍ ومفتوحة المصدر متاحة عبر الإنترنت لتمكين الباحثين والسكان العاديين من استكشاف بيئة المدينة والمقارنة بين أحيائها وشوارعها.

وكانت مدينة شيكاغو قد خصصت 188 مليون دولار للإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بحماية البيئة ومواجهة تغيّر المناخ، وذلك بالتزامن مع العديد من المشاريع التي تشهدها مدن وولايات أمريكية أخرى، كما في حالة مدينة كولومبوس بولاية أوهايو، التي أعلنت عن خطة لإنفاق 1.45 مليون دولار لتوسيع الغطاء النباتيّ بنسبة 40% بحلول العام 2050.

وفي حين يهدف هذا المشروع إلى تحقيق المساواة بين المجتمعات، فإنّ طبيعة هذه المجتمعات بحدّ ذاتها قد تكون تحدياً بارزاً، إذ ترى بعض الفئات السكانية في تكثيف الغطاء النباتيّ تغييراً جذرياً في الشكل المعتاد للأحياء والطابع الذي تتسم به، ويرى آخرون أن أنشطة غرس الأشجار ما هي إلا مقدّمةً لتغييراتٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ غير مرغوبٍ فيها.

ولأنّ التحديات الاجتماعية تتطلّب حلولاً متأنيةً وطويلة الأمد، فقد قرّرت سلطات المدينة أن تأخذ مبادراتُ غرس الأشجار طابعاً أهلياً، بمعنى أن يتم إنجازُها بالشراكة مع المجتمعات المحلية، وبعد استكشاف مخاوفها وبناء وعيها بالفوائد البيئية والصحية لهذه الجهود.

عبر تأمين بياناتٍ شاملةٍ ودقيقة، يلعب المشروع دوراً مهماً في صنع السياسات والتخطيط الحَضَريّ وحماية البيئة، إذ يمكننا تشبيهُ الأشجار بأنظمة التبريد الطبيعية، فهي تخفّف من تأثير الجزر الحرارية، وتقلّل استهلاك الطاقة، وتنتج الأكسجين، وتنقّي الجو، وتعزّز الصحة والنشاط البدنيّ، وتؤسّس لنوعية حياة أفضل لسكان المدن لمنحهم تنميةً مستدامة.

المراجع:

https://www.chicago.gov/city/en/depts/mayor/press_room/press_releases/2021/november/TreeEquityInvestment.html

https://centered.tech/2021/12/02/chicagos-new-tree-equity-tool-pinpoints-greenery-needs-to-fight-climate-change /

https://news.uchicago.edu/story/what-tree-equity-new-tool-uchicago-data-scientists-helping-transform-neighborhood-health

https://carto.com/blog/understanding-impact-tree-equity-chicago/

https://www.weforum.org/agenda/2022/06/cities-urban-trees-climate-change /

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

ثلاث مدن تنفّذ حلولاً مبتكرة لمواجهة موجات الحر

تمثّل ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة الحاد في المدن تهديداً لصحة السكان وجودة حياتهم. لذا تسعى الحكومات إلى اعتماد طرائق مبتكرة لاحتواء هذه الظاهرة، بدءاً من إرشاد الناس للاحتماء منها كما في ملبورن السويسرية، مروراً بإنشاء المساحات الخضراء لتبريد المدينة وكسر حدة التلوّث كما في باريس الفرنسية، وليس انتهاءً بتركيب مظلّات تقي الناس حرّ الشمس كما في إشبيلية الإسبانية.

 · · 19 ديسمبر 2023

الحكومات المحلية في المملكة المتحدة تستثمر التكنولوجيا الجغرافية المكانية

تسعى العديد من الحكومات المحلية في المملكة المتحدة لإدماج الأدوات التقنية في عمليات التخطيط، واللجوء إليها لفهم البيئات الحَضَرية ورسم الخرائط التفاعلية والتصوّرات ثلاثية الأبعاد وإشراك الناس في عمليات صنع القرار.

 · · 18 سبتمبر 2023

اختبار مياه الصرف الصحي مرجعاً لقرارات الصحة العامة

كوسيلةٍ إضافيةٍ لتتبُّع حركة فيروس كورونا الذي يتطوّر بوتيرةٍ شبه يومية، لجأت بعض الدول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى مراقبة شبكات الصرف الصحيّ وتحليل عيناتٍ منها لرصد وجود الفيروس في منطقةٍ ما قبل حتى ظهور أيّ إصابةٍ فيها.

 · · 25 أبريل 2023

مدن أمريكية تسوِّق لسكانها تطبيق الأمن السيبرانيّ

مع انتقال الكثير من الأنشطة الحياتية والوظيفية إلى الإنترنت وتزايُد المخاطر هناك، تتلاحق المدن الأمريكية لاستكشاف الحلول لحماية مواطنيها ومؤسساتها، فتبنّت العديد من المدن مثل دالاس ونيويورك وميشيغان سياسة تطوير التطبيقات الذكية التي تحظر البرمجيات الضارة وترشِد المستخدمين إلى تدابير الحماية.

 · · 12 أبريل 2023

الابتكار من الماضي ... بنغلادش تحيي تقنية المزارع العائمة

سعياً لتحقيق الأمن الغذائي الذي يهدده خطر الفيضانات، يستخدم المزارعون البنغاليون حلّاً عمره قرون، وهو تربية محاصيلهم في مزارع عائمةٍ على سطح المياه، مدعومين باهتمامٍ حكوميٍّ وغير حكوميّ يرى في هذا الابتكار ركيزةً في التنمية ومكافحة الفقر.

 · · 31 مارس 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right