سنغافورة تطوِّر بوابة وطنية لموارد الصحة النفسية

سنغافورة تطوِّر بوابة وطنية لموارد الصحة النفسية

1 دقيقة قراءة
في سنغافورة، أُجريَت دراساتٌ متعمِّقة لقياس تأثير الجائحة على الصحة النفسية لشرائحَ مختلفةٍ من المواطنين، بعد أن شهدَ خط المساعدة الساخن التابع لمعهد الصحة النفسية زيادةً بنسبة تعادل 50% في أعداد المتصلين مقارنة بالعام السابق لانتشار الجائحة، حيث أعرب معظمهم عن مخاوف تتعلق بحاجتهم إلى الدعم العاطفيّ والنفسيّ إلى جانب الشؤون الأُسرية والاجتماعية. ولمعرفة المزيد، أجرى المعهد مسحاً شملَ ألف مواطنٍ، بهدف تقييم الانعكاسات النفسية للجائحة واستجابات السكان النفسية لها، والذي خَلُص إلى أنّ قرابة 13% من المشاركين عانوا أعراض الاكتئاب أو القلق بين مطلع صيف العام 2020 ومنتصف الصيف التالي. 
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في ضوء الآثار العميقة التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 على الحالة النفسية والعقلية للناس في مختلف بلدان العالم، أطلقت وزارة الصحة السنغافورية مبادرة تستهدف تعزيز الصحة النفسية، وتشمل بوابةً إلكترونية لتقديم الدعم للمواطنين، ووضعَ استراتيجية شاملة تَنظُم جهود الرعاية الصحية النفسية إلى جانب إطارٍ تدريبيٍّ موحَّد لتأهيل متخصّصين أكْفَاء في هذا المجال.

بدأت تتجلى أهمية ودور الصحة النفسية في رفاهية المجتمعات، لذلك تتضاعف جهود الحكومات لإدماجها في سياسات الصحة العامة، خاصةً وأنّ المشكلات النفسية والعقلية مؤهّلة للانتشار بسرعة هائلة. وقد قدّمت جائحة كوفيد-19 خيرَ مثال على هذا، فالإجراءات المؤقتة التي اتّخذتها الحكومات لحماية مواطنيها سرعانَ ما باتت عاداتٍ وقناعاتٍ متأصِّلةً في حياتهم تؤثّر على صحتهم النفسية والعقلية. متغيرات من قبيل الخوف من العدوى وتغيير الروتين اليوميّ والعزلة الاجتماعية والضغوط النفسية الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية السيئة.

في سنغافورة، أُجريَت دراساتٌ متعمِّقة لقياس تأثير الجائحة على الصحة النفسية لشرائحَ مختلفةٍ من المواطنين، بعد أن شهدَ خط المساعدة الساخن التابع لمعهد الصحة النفسية زيادةً بنسبة تعادل 50% في أعداد المتصلين مقارنة بالعام السابق لانتشار الجائحة، حيث أعرب معظمهم عن مخاوف تتعلق بحاجتهم إلى الدعم العاطفيّ والنفسيّ إلى جانب الشؤون الأُسرية والاجتماعية. ولمعرفة المزيد، أجرى المعهد مسحاً شملَ ألف مواطنٍ، بهدف تقييم الانعكاسات النفسية للجائحة واستجابات السكان النفسية لها، والذي خَلُص إلى أنّ قرابة 13% من المشاركين عانوا أعراض الاكتئاب أو القلق بين مطلع صيف العام 2020 ومنتصف الصيف التالي. 

ولمعالجة الوضع الذي ولّدته الجائحة، عقد فريق الصحة النفسية في وزارة الصحة السنغافورية اجتماعاتٍ استعرضَ خلالَها التأثيرات النفسية الاجتماعية للوباء، ولاحظَ أنّ تعدُّدَ مصادر المعلومات على الإنترنت يزيدُ الأمر إرباكاً ويجعل الوصول إلى الحقيقة أصعب، وهذا ما أكّدته جلسات النقاشات التي أجرتها شبكة الصحة النفسية للشباب.

خرج الفريق من اجتماعاته بتوصياتٍ أصدرها في العام 2020، وفي ضوئِها، أطلقت الوزارة عبر مجلس تعزيز الصحة مشروعاً لتأسيس بوابة إلكترونية للموارد النفسية والعقلية.

تأتي البوابة كخطوة في رحلة طويلة تستهدف الصحة النفسية والتدخل المبكر، وتهدف إلى تحديد الطرق المثلى لمساعدة الشباب على مواجهة التحديات المختلفة، وزرع ثقافة طلب المساعدة التخصصية فيما يتعلق بالصحة النفسية، وتأكيد اتساع آفاق التعليم والدعم الوظيفيّ.

ستحمل البوابة اسمَ "مركز الصحة"، وستخضع لإشراف الخبراء في تقديمها للمحتوى العلميّ الذي سيمثِّل مورِداً للباحثين عن معلومات لتحسين حياتهم وحياة أحبائهم، وسيكون ذلك عبر موقع على الإنترنت وتطبيقات للهواتف الذكية وخدمات إلكترونية أخرى.

تعتبر هذه المبادرة من الوسائل التي تبنتها الحكومة للتصدي لتبعات الجائحة على صحة الشباب النفسية، حيث توصّل المجلس الوطني للشباب لنتائج مقلقة بعد إجراء الاستطلاعات منذ شهر أبريل من العام 2020 وحتى نهاية العام رصدَ خلالَها مشاعر فئة الشباب إزاء الجائحة، وقد شارك 39% مخاوفَ حول الأداء الأكاديمي أو الأمان الوظيفيّ، في حين عبّر 41% عن معاناتِهم ضغوطاً تتعلق بالموارد المالية، وأفادَ 53% بأنّ مخاوفهم تتعلق بالمستقبل عموماً.

إلى جانب البوابة الإلكترونية، قدّم فريق الصحة النفسية عدة توصيات أخرى، منها وضع إطارٍ تدريبيٍّ لإعداد الكوادر المتخصصة وتأهيلِها على مستوى البلاد، من خلال وضع معايير موحَّدةٍ ومستوياتٍ واضحةً من الكفاءات المتوقع وجودُها لدى مقدِّمي الرعاية الصحية النفسية، بالإضافة إلى مراجعة المناهج التعليمية وتنقيحِها وتوحيدِها. وقد بدأت الجهات العاملة في مجال تأهيل كوادر الصحة النفسية بتصميم برامج تدريبية تتماشى مع الإطار المُقترح.

كما أوصى الفريق بوضع استراتيجية وطنية شاملة بشأن الصحة النفسية والعقلية لرسم الأهداف العامة وتوجيه جهود الوكالات والمنظّمات الفاعلة، وذلك بإشراك المواطنين عبر مشاورات عامةٍ من المُزمع إجراؤها العام المقبل لوضع الشكل النهائيّ للاستراتيجية، على أن تواصل وزارة الصحة العمل مع الكيانات المختلفة لمتابعة التنفيذ وقياس الآثار والتحديات، وتنسيق الجهود في القضايا الشاملة.

وتولي الحكومة السنغافورية اهتماماً خاصاً بتقييم الصحة النفسية لفئة كبار السن لما تحمله العدوى لهم من تبعات خطيرة. غطّت "لوحة حياة سنغافورة" التي ترصد جوانب حيوية في حياة السنغافوريين الفئات الأكبر سناً، حيث أطلقت دراسةً أجراها مركز جامعة سنغافورة لأبحاث الشيخوخة الناجحة، وبيّنت أنّ المسنّين قد اختبروا زياداتٍ حادةً في مشاعر العزلة بالتزامن مع إجراءات الإغلاق، كما بلغت هذه الظواهر درجاتٍ مقلقةً لدى من يعيشون بمفردهم.

ومن الجدير بالذكر أنّ الحكومة الأسترالية كانت السبّاقة بإطلاق بوابة إلكترونية للصحة النفسية والعقلية تركِّز على الجوانب الرقمية وتوفِّر برنامج دردشةٍ آليةٍ لتوجيه المستخدِمين، إلى جانب متجرٍ شامل لأكثر الخيارات والموارد الموثوقة بين مقدِّمي خدمات الصحة النفسية في البلاد، وتتضمّن هذه الموارد تطبيقات مجّانيةً أو مُخفَّضة التكلفة، وترشِد روّاد الموقع إلى تجمُّعات الدعم والدورات التدريبية المتاحة عبر الإنترنت أو الهاتف. ولكن جهود الحكومة السنغافورية قد ولت عناية خاصة بصحة الشباب وذلك نظراً لما توصلت إليه استطلاعات الصحة النفسية حول الحاجة الملحة لدعمهم.

بعد أن تلقى الخط الساخن الوطنيّ عشرات آلاف المكالمات، وقدّمت طواقم معهد الصحة النفسية الدعمَ للكثيرين ممن يواجهون مخاوف تتعلق بالصحة العقلية وبآليات التكيّف مع الواقع الجديد ما بعد كوفيد-19، تأمل السلطات السنغافورية أنّ الاستراتيجية الموحّدة المدعومة بكوادر مؤهَّلةٍ ستؤسس لمنظومةٍ متينةٍ قادرةٍ على احتواء المشكلات النفسية لدى المواطنين ودعمِهم، لتخدم هدفاً أبعدَ في تحقيق تنميةٍ حقيقيةٍ لمجتمعٍ صحي. 

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right