سجل خوارزميات أمستردام لمعالجة التحيز في الذكاء الاصطناعي الحكومي

سجل خوارزميات أمستردام لمعالجة التحيز في الذكاء الاصطناعي الحكومي

1 دقيقة قراءة
على الرغم من حداثة طرحها، وافتقارها لغاية الآن إلى قواعد تنظيمية وافية تحدّ من جوانب قصورها ومخاطرها، إلا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي شهدت تبنّياً سريعاً وواسعاً في كلا القطاعين الحكومي والخاص. والتحيّز هو إحدى النقاط التي قد تعيب هذه التقنيات. لكن هناك مبادرة رائدة جديرة بالبحث والمتابعة طورتها العاصمة الهولندية أمستردام، كخطوة أولى للحد من ما يعرف بـ"تحيز الذكاء الاصطناعي" في تقديم الخدمات الحكومية، ذلك من خلال إنشاء سجلّ أو أرشيف للخوارزميات المستخدمة، سعياً لرفع مستوى الشفافية، والمساءلة وتوسيع نطاق المشاركة في تحسينها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

على الرغم من حداثة طرحها، وافتقارها لغاية الآن إلى قواعد تنظيمية وافية تحدّ من جوانب قصورها ومخاطرها، إلا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي شهدت تبنّياً سريعاً وواسعاً في كلا القطاعين الحكومي والخاص. والتحيّز هو إحدى النقاط التي قد تعيب هذه التقنيات. لكن هناك مبادرة رائدة جديرة بالبحث والمتابعة طورتها العاصمة الهولندية أمستردام، كخطوة أولى للحد من ما يعرف بـ"تحيز الذكاء الاصطناعي" في تقديم الخدمات الحكومية، ذلك من خلال إنشاء سجلّ أو أرشيف للخوارزميات المستخدمة، سعياً لرفع مستوى الشفافية، والمساءلة وتوسيع نطاق المشاركة في تحسينها.

تستخدم الحكومات الخوارزميات في خدماتها المؤتمتة بهدف تسهيل نفاذ المستخدم لتلك الخدمات، أو تحسين تجربته، أو تحقيق المستوى الأمثل لأداء العمليات الداعمة للخدمات. كما تساعد في إدارة الخدمات، ومكافحة الاحتيال، وتساهم بشكل عام في خفض التكاليف، سواء على الأمد القصير أو الطويل. لكن ظاهرة تحيز الذكاء الاصطناعي أو الخوارزميات– أو كما تعرف بلغة المبرمجين: "التحيز البرمجي" في صنع القرارات المؤتمتة– أصبحت مصدر قلق متزايد للمسؤولين. فهي تشكل تحدّياً في تقديم الخدمات لجميع طالبيها بشكل عادل وسليم يتسم بالمساواة والإنصاف.

تنشأ جذور هذا التحيز خلال عملية تطوير الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد إلى حد كبير على إعداد مجموعة من الإرشادات الواضحة والتعليمات المحددة، أو الخوارزميات، التي يتم تلقينها للنظام من خلال عملية التعلم الآلي، بالإضافة إلى مجموعة البيانات المرتبطة بالخدمة التي يتم تغذية النظام بها.

تتعدد أسباب هذه الظاهرة. أهمها التحيزات التاريخية المتوارثة في الممارسات والنظم؛ أو تلك غير التي يتقصّدها المبرمج الذي يعد الخوارزمية. كما يتمثل السبب أحياناً في خطأ فني في صياغة الخوارزمية، أو وجود بيانات وإحصاءات غير دقيقة.

وقد يزيد الذكاء الاصطناعي من حدة هذا التحيز عندما يتخذ قرارات غير عادلة مبنية على هذه الخوارزميات خلال تقديم الخدمات الحكومية، خاصة في المجالات الحيوية التي يمكن أن تؤثر سلبياً على سلامة المستخدم أو مستقبله، مثل خدمات الرعاية الصحية، والمحاكم، والتعليم. وبالنتيجة، يمكن أن يؤدي مثل هذا التحيز إلى تفضيل فئة من المستخدمين على غيرها، وعدم المساواة في حقوق بعض فئات المستخدمين، سواءَ أكانت على أساس العرق، أو الجنس، أو العمر، أو غيرها. ومع تزايد وتيرة دمج التقنيات الذكية والخوارزميات في مختلف أنواع الخدمات العامة، أصبحت مسألة إيجاد الحلول أولوية لدى الحكومات.

سجلّ الخوارزميات الهولندي، الذي يعدّ التجربة الأولى من نوعها في العالم، هو عبارة عن منصة قياسية قابلة للبحث عن نظم الخوارزميات وأرشفتها، تُوثَّق فيها كافةُ الفرضيات التي طرحت والقرارات التي اتخذت خلال عملية تطوير، وتطبيق، وإدارة خوارزميات جميع الخدمات البلدية التي توفرها مدينة أمستردام.

لا يسعى سجلّ خوارزميات أمستردام فقط إلى الكشف عن مواقع التحيز في التطبيقات القائمة ومعالجتها بشكل تعاوني مع الجمهور، بل وكذلك إلى استباق المشاكل، من جهة حث المبرمجين العاملين في جهاز الذكاء الاصطناعي الحكومي على مزيد من التنبه إلى التحيزات والأخطاء في كتابة الخوارزميات، وإلى نوعية وجودة البيانات التي يستندون إليها في المستقبل في ظل المساءلة.

الهدف الآخر الذي لا يقل أهمية، هو بناء ثقة المواطنين في نظم الذكاء الاصطناعي التي ما تزال غامضة لدى غالبيتهم، من خلال جذب مشاركتهم الفعالة في الاطلاع على الفرضيات والمفاهيم التي تم على أساسها تطوير كل خوارزمية من الخوارزميات، بطريقة سهلة الاستخدام، ولغة غير معقدة.  وفضلاً عن ذلك، تمت إجراء استشارات خلال مرحلة تطوير سجل الخوارزميات للبحث عن آراء المستخدمين، وهذه الممارسة تم دمجها في البنية الرقمية للسجل من خلال صفحة التغذية الرجعية يسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن المشكلات أو تقديم ملاحظات.

يتيح هذا الإطار الفرصة لتوسيع النقاش العام، من جهة، ومشاركة الباحثين ومدققي البرمجيات المستقلين في آرائهم، من جهة أخرى، ما يجعل الجمهور شريكاً فاعلاً في التحكم في الخدمات.

وبالإضافة إلى الشفافية في عرض الخوارزميات والفرضيات التي قامت عليها، وأسماء مبرمجيها، يعزز السجل القابلية للشرح والتفسير بالكامل حيثما يتطلب الأمر ذلك وعند الطلب. وقد أكدت عدة دراسات تمت في مختلف أنحاء العالم على أن الشفافية والقابلية للشرح والتفسير هما أهم عاملين في تعزيز ثقة المواطن في الذكاء الاصطناعي. هذا عدا عن أن رفع مستوى شفافية الخدمات سيساهم في تعزيز شفافية مختلف أنشطة الحكومة بشكل عام.

ما يزال سجل أمستردام للخوارزميات في نسخته التجريبية ويضم عدد صغير من تطبيقات حكومية للذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، تتعامل أحد الخوارزميات مع تنظيم مواقف السيارات في المدينة، حيث تقوم الخوارزمية بمساعدة السلطات على تحديد إذا كانت السيارات المتوقفة مسموحًا بتوقيفها ومستوفية للرسوم. أما الخوارزمية الثانية فتُمكِّن المواطنين من الإبلاغ عن الأعطال في الأماكن العامة في المدينة من خلال "تخمين" فئة المشكلة الصحيحة وإرسالها إلى القسم البلدي المناسب. تتعرف الخوارزمية على بعض الكلمات مثل "نفايات" و"رصيف" لتحديد الفئة، والتي من المعتقد أنها تساهم في تسريع استجابة استفسارات المواطنين.

ثمّة ورقة بيضاء تم نشرها على موقع سجلّ الخوارزميات، تقدّم عدة توصيات لمعالجة مختلف جوانب التحدي الذي يفرضه تحيز الذكاء الاصطناعي. تشمل هذه التوصيات ضرورةَ وضع إرشادات للمدققين العامين في الخوارزميات.

يبدو أن هذه الخطوة لن تكون الوحيدة: إذ بادرت العاصمة الفنلندية هلسنكي، أسوةً بأمستردام، إلى إطلاق سجل مماثل للخوارزميات المستخدمة في الخدمات الحكومية للحدّ من تحيز الذكاء الاصطناعي، تلاه تنسيق بين عدد من العواصم والمدن الأوروبية الأخرى لإقامة جهود مشتركة مماثلة.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024

استخدام مبتكر للبيانات لدعم صنّاع القرار في قطاع الصحة الكندي

شكلت جائحة كوفيد-19 تحديا عالميا غير مسبوق، وكشفت عن نقاط ضعف في صنع السياسات وأنظمة الرعاية الصحية أدت إلى أوجه قصور في إدارة الأزمات. غير أن بعض البلدان لجأت إلى نهج مبتكرة ساعدت على التخفيف من أثر الأزمة وأثبتت جدارتها في أن تصبح جزءا من آليات دعم التأهب لحالات الطوارئ الصحية في المستقبل. كانت كندا واحدة من هذه البلدان ، حيث تبنت البيانات الضخمة لتتبع حركة السكان لإبلاغ عملية صنع القرار في مواجهة COVID-19.

 · · 22 أغسطس 2024

"التنقل كخدمة": الحكومة البريطانية تجمع كل وسائل النقل على منصة واحدة

انطلقت خلال السنوات الماضية مبادرات في عدد من الدول تسعى إلى استثمار التقدم الحاصل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقنيات الدفع الإلكتروني، في جمع خدمات وسائط النقل المختلفة على منصة واحدة، توفر للمستهلكين سهولة غير مسبوقة في التخطيط لرحلاتهم، واختيار وسائل النقل التي تناسبهم، والحجز، وشراء التذاكر– ضمن ما أصبح يطلق علية تسمية "التنقل كخدمة". لكن هذه التجارب لا زالت في بداياتها، وهي محدودة النطاق بشكل عام نظراً لمجموعة من التحديات. في المملكة المتحدة، حيث تم إطلاق أكثر من مبادرة في هذا المجال، أصدرت الحكومة مؤخراً مدونة ممارسات خاصة بمفهوم وتطبيقات "التنقل كخدمة" كمرجع للمعايير والإرشادات التي تتوافق مع توجهات وطموحات الحكومة لمشهد التنقل في المملكة، خاصة من جهة المحافظة على الشمول المجتمعي، وضمان نفاذ كل فئات المستخدمين للخدمة.

 · · 22 أغسطس 2024

توظيف أجهزة الاستشعار الذكية في بيانات إدارة الطرق

مع تقدم التكنولوجيا في مجال الكاميرات الذكية، وأجهزة الاستشعار، ونقل للبيانات، والذكاء الاصطناعي، بدأت بعض المدن الكبرى بالنظر في استغلال هذه التقنيات مجتمعةً في حل المشاكل الناجمة عن حركة المرور على الطرق الداخلية والمحيطة بها. من أبرز الجهود المبتكرة في هذا المجال مشروعان تجريبيان أطلقهما مؤخراً كل من مجلس مدينة ولينغتون، عاصمة نيوزيلندا، ودائرة النقل في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة.

 · · 23 يوليو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right