تختبر سلطات سان فرانسيسكو، حلولاً تكنولوجيةً متقدِّمة كأجهزة الاستشعار التي ترصد الحركة عند التقاطعات وترسل البيانات إلى وحدات تحكُّمٍ تعدِّل أضواء إشارات المرور، وذلك لزيادة كفاءة المنظومة ككل، وتحسين حركة المرور.
يتمثَّل جزء مهم من هوية المدن الذكية بأنظمة النقل الحديثة التي تستخدم التكنولوجيا لإدارة حركة المرور بما يحسِّن مستويات السلامة والإنتاجية، في ظلّ تفاقم تحديات الازدحام ومعدلات الخطر المرتفعة وشحّ ميزانيات الجهات المسؤولة عن النقل.
تتأخر 95% من رحلات القطارات في سان فرانسيسكو الأمريكية بسبب الانتظار عند التقاطعات. تستطيع أجهزة الاستشعار، الموجودة على بعض التقاطعات فقط، رصد المركبات، فيما تتيح كاميرات المراقبة التي يتجاوز عددُها 7 آلاف كاميرا، صوراً ثنائية الأبعاد ومحدودة الدقة فحسب. كما يُقدَّر أنّ حوادث الطرق في سان فرانسيسكو تودي سنوياً بحياة قرابة 30 شخصاً وتسبب إصاباتٍ بالغةً لـ200 آخرين، ما دفع السلطات لإطلاق رؤية المدينة الجديدة لتحسين السلامة والوصول إلى معدلات صفرية لحوادث الطرق.
تنفّذ هيئة النقل البلدية، بتمويل من وزارة النقل الأمريكية، مشروعاً تجريبيّاً لتحسين تجربة المرور وإعطاء أسبقية العبور لمركبات الطوارئ ومركبات النقل. يعتمد المشروع على عدة ابتكارات، كتقنية “الليدار” (LiDAR) لتحديد المدى عن طريق الضوء، وأنظمة إشارات المرور الذكية متعددة الوسائط، والاتصالات المخصصة قصيرة المدى، وبرمجة أولويات إشارات المرور، وأفضلية مركبات الطوارئ. تعمل هذه التقنيات على كشف الأجسام الموجودة على التقاطعات وضبط توقيت الإشارة بناءً على ذلك، بما يشمل المشاةَ والدرّاجين.
اللاعب الأساسيّ في المشروع هو تقنية الليدار التي تعمل على مدار الساعة وفي مختلف الظروف ولا تهدد خصوصية مستخدمي الطرق، وهي تستطيع تتبُّع جسمٍ مجهول عبر نقاط استشعارٍ مختلفة، كسيارةٍ تعبر عدة تقاطعاتٍ أو شخصٍ يسير عبر أحياء مختلفة، حيث يوجِدُ للجسمِ المتحرِّكِ مُعرِّف يلازمه طوال رحلته في المنطقة قيد المراقبة.
بدايةً، يصدر جهاز الإرسال ضوء الليزر النبضيّ، وهو عبارة عن أشعة منخفضة الطاقة وآمنة للعين، ثم يتابع جهاز الاستقبال النبضات المنعكِسة. مبدأ العملية هو حساب المدة التي يستغرقها الليزر ذهاباً وإياباً بين الجهاز والهدف. وبعد أن يصبح الهدفُ جسماً مُعرَّفاً، تُستخدم البيانات المجمّعة الناتجة لإنشاء صورةٍ سحابيةٍ حيةٍ ثلاثية الأبعاد. وتحمل الأخيرةُ معلوماتٍ عن موقع الجسم واتجاهه وسرعته وتصنيفِه، فتبيِّن ما إذا كان يتنقَّل سيراً أو على كرسيٍّ متحرِّك أو يقود دراجةً أو يدفع عربة. وستساعد هذه العوامل على تقدير مدة الانتظار عند إشارات المرور.
انطلق المشروع عبر عمليتَين لإثبات صحة المفهوم، اتجهت الأولى إلى التحليل وتضمّنت تركيب أجهزة الليدار في خمسة تقاطعات. وإذ استطاعت الأجهزة تحديد البيانات بدقة بلغت 96% ودون الكشف عن هوية المستخدم، تركز المرحلة الثانية على مضاعفة العدد وإضافة البيانات إلى شبكة التحكم في الإشارات، وذلك لتفعيل “ذكاء” أنظمة النقل الذكية. وتتضمن قواعد البيانات وحداتِ تحكُّمٍ مُدمجةً تشتمل بدورها على مشغِّلاتٍ أوتوماتيكية. وحالياً، يجري العمل على تمكين تبادل المعلومات بين هذه الوحدات والأجهزة على الأرض.
لم تخلُ العملية المعقّدة من التحديات، فحين يعبر الجسم تقاطعات متعددة، تستدعي متابعتُه أجهزة استشعار متتابعةً وعدة خوادم لأغراض “حوسبة الحافّة” (Edge Computing)[LZ1] ، وهي إطار عمل للحوسبة يقوم بتقريب تطبيقات المؤسسة لمصادر البيانات والتي هي في هذا الحال أجهزة الاستشعار. إلا أنّ رؤية كلّ جهاز تقتصر على منطقته. هذا يعني أنّ انتقال الجسم إلى منطقة أخرى يؤدي إلى إنشاء معرِّفٍ آخر له، وبالتالي، فقدانَ أثره. لذا، استعانَ الفريق بتقنيةٍ تُسمى “التسليم الآليّ للمعرِّف”، لتتولّى نقل بيانات الشخص أو المركبة من جهاز إلى آخر، شرطَ وجود مجال رؤية، إذ يسعى الفريق للتعامل مع الممر بأكمله كشبكة وليس كعُقَدٍ فردية، وذلك باستخدام خوارزمياتٍ عالية التردد.
في التجربة الثانية التي انطلقت في شهرّي يوليو وأغسطس من العام 2021، شارك مهندسون وخبراء في التقييم عبر الحضور شخصياً أو متابعة كاميرات المراقبة. وأشارت المعطيات الأولية إلى أنّ ترقية مؤقِّتات إشارات المرور، لتوافق نوعاً بعينه من المركبات أو اتجاهاً واحداً، قد تسبب آثاراً سلبيةً بالنسبة لبقية مستخدمي الطرق، مثل المشاة والمركبات غير التابعة لإدارة السكك الحديدية. وأظهر الرصد أنّ نسبة توقف المركبات الأخرى أو المشاة لم تتعدَّى 1%. وباستثناء إيقاف بعض المركبات في الشوارع الفرعية أحياناً، لم تتأثر حركتُها إطلاقاً. لكنّ بعض الشوارع الجانبية المهمة كماريبوسا شهدت زيادة في متوسط أوقات الانتظار، فارتفعت حصة المركبات من 46 إلى 87 ثانية أمامَ الضوء الأحمر، وطال انتظار المشاة من 22 إلى 26 ثانية.
لتفادي هذه الآثار، سيعمل الفريق أكثر على برمجيات المؤقِّت، وقد شرعوا بذلك معتمدين على المعلومات التفصيلية التي جمعتها الأجهزة المتطورة، فأدخلوا تعديلات تراعي التوقيت واتجاه الحركة وكثافة حركة المشاة وأنواع المركبات، وتستجيب لكلِّ هذا مباشرة.
بلغة الأرقام، حقق المشروع التجريبي زيادة في متوسط سرعة السفر بلغت 21%، ورفع احتمالات وصول القطار إلى التقاطعات بالتزامن مع الضوء الأخضر من 62.1% إلى 85.8%، فلم تتجاوز مدة التأخير 10 ثوانٍ في 60% من رحلات النقل بالعبور، في حين لم تشهد 20% منها أي تأخير.
وإلى جانب الاستجابة المباشرة لحالة حركة المرور وتخفيضِ الانبعاثات وتسهيلِ حركة مركبات النقل بالعبور وسيارات الطوارئ، ستبني هيئة النقل البلدية على هذه النتائج لتوسيع نطاق التكنولوجيا واستخدامها في مرافق حيوية أخرى كالمطارات وتكوينِ فهمٍ أعمقَ لعمل منظومة النقل ولوسائل تحسين حركة المرور الإجمالية وتحقيق الاستدامة.
المراجع:
https://www.sfmta.com/blog/green-light-muni-customers
https://www.ibm.com/ae-ar/cloud/what-is-edge-computing
[LZ1]https://www.ibm.com/ae-ar/cloud/what-is-edge-computing